الإدراك Perception

يُعرّف الإدراك بأنه فهْم المثيرات، بناء على الخبرة، فهو يشمل عمليتَي استقبال المثير وفهْمه. ويزود الإدراك المخ بالمعلومات والتغيرات، الداخلية والخارجية، ليؤدي وظائفه بكفاءة.
ويعتمد الإدراك على الوعي والانتباه.

ويقسم الإدراك إلى:

إدراك حسّي. (الإدراك بالحواس) Sense Perception

إدراك يتعدى حدود الحواسّ. (إدراك من غير الحواس) Extrasensory Perception ESP

أولاً: الإدراك الحسّي:

ويشمل فهْم جميع المثيرات، القادمة عبْر الحواسّ. وهي إحدى عشرة حاسّة: البصر ـ السمع ـ التذوق ـ الشم ـ اللمس (ويشمل التلامس وإحساس الضغط والدفء والبرودة والألم) والإحساس بالحركة والإحساس بالتوازن.

لكي يتفاعل الجهاز العصبي مع البيئة المحيطة به، لا بد له من جهاز، ينقل إليه المعلومات عن هذه البيئة. وهذا الجهاز يتمثل في الاحساسات، التي تتم بطرائق مختلفة، وتتخصص بنقل مختلف المثيرات، من الصوت والضوء، إلى الروائح والطعوم (المذاقات) والملمس.

وتتميز الاحساسات Sensations ـ وهي عبارة عن تجارب شعورية، يُظهرها منبه تثيره إحدى الحواس الخمس ـ بوجود مستقبلات طرفية لها في الجسم، تنقل الإحساس إلى ألياف عصبية خاصة، ومنها إلى مسارات عصبية خاصة لتصل، في نهاية الأمر، إلى مركز الإحساس في قشرة المخ. والاحساسات متنوعة. منها ما هو سطحي، ومنها ما هو عميق، وما هو قشري، إضافة إلي الاحساسات الخاصة.

. الاحساسات السطحية: وهي الإحساسات، التي تُعَدّ مستقبلاتها سطحية، ترتبط بسطح الجسم، أي بالجلد Cutaneous or Dermal Sense وتشمل الاحساسات السطحية ما يلي:


أ. الإحساس بالألم Pain Sense: مثل الشعور بوخزة الدبوس، الذي ينقل من الجلد عبْر نهايات عصبية دقيقة، عارية، ثم إلى الأعصاب الطرفية الشوكية، ثم إلى الحبل الشوكي، ليصعد في مسارات خاصة، ثم يعبُر إلى الجانب الآخر، ويصل إلى القشرة الحسية للمخ، مروراً بالمهاد.


ب. الإحساس بالتغيّر في درجة الحرارة Temperature Sense: أي الإحساس بالبرودة أو السخونة، وينقل عبْر مستقبلات متعلقة بالجلد (هي تجمعات كروية من الأعصاب، تسمى بصيلات كراوس، في حالة البرودة، وكريات أخرى، تسمى كريات رفينى، لاستقبال الإحساس بالسخونة)، ثم من المستقبلات إلى الأعصاب الطرفية الشوكية، فالنخاع الشوكى، لتصعد في مسارات خاصة، ثم تعبُر إلى الجانب الآخر، وتصل إلى قشرة المخ، مروراً بالمهاد.


ج. الإحساس باللمس Touch Sense: ونقصد به اللمس الخفيف، ويستقبل عبْر كريات مينر، ثم إلى الأعصاب الطرفية الشوكية، فالحبل الشوكي، ليصعد في مسارات خاصة، لا تلبث أن تعبْر إلى الجانب المقابل، صاعدة إلى المهاد، ثم إلى قشرة المخ .

ويختلف توزيع الاحساسات السطحية من مكان إلى آخر في الجسم، إذ تكثُر المستقبلات في بعض المناطق دون بعض، مثل أطراف الأصابع (الأنامل). ولا تخفي أهمية الاحساسات السطحية، فالجلد يُعَدّ الدرع الواقية للجسم، وهو خط الدفاع الأول ضد الاختراق، بإحساس الألم، أو الاحتراق بإحساس الحرارة، أو التجمد بإحساس البرودة. وبناء على المعلومة الحسية القادمة، يتفاعل الجسم بتنظيماته المختلفة كيماوية أو عصبية.


. الاحساسات العميقة Deep Sense:
وهي التي يتم استقبالها من خلال تراكيب عميقة، قد ترتبط بالعضلات والأربطة حول المفاصل (وهي تساعد الجهاز العصبي على معرفة وضع الجسم، وحالة انقباض العضلات المختلفة في الجسم أو ارتخائها)، أو ترتبط بالأحشاء الداخلية (وهي التي تنقل الإحساس بامتلاء الأحشاء أو خلوّها) .


أ. الإحساس بالوضع: يتم استقبال هذا النوع من الإحساس عبْر مستقبلات خاصة في العضلات والمفاصل. ثم تنقله الأعصاب الطرفية إلى مسارات خاصة في النخاع الشوكي، لتصعد إلى قشرة المخ. ويشارك في الإحساس بالوضع المستقبلات البصرية في العينين، ومستقبلات الاتزان في الأذن الداخلية.


ب. الإحساس بالحركة Motion Sensation: وينقل من خلال المستقبلات في العضلات والمفاصل. ويأخذ مسارات الإحساس بالوضع نفسها.


ج. الإحساس الحشوي Visceral Sensation: وهو الإحساس المرتبط بحالة الأحشاء الداخلية، مثل امتلاء المعدة أو المثانة أو القولون أو خلوّها. لذلك، فهو ينقل الإحساس بالجوع والشبع والمغص، من الأحشاء إلى قشرة المخ.

.
الاحساسات القشرية:

وهذا النوع من الإحساس يشمل تعرف الأشياء باللمس، سواء كانت أجساماً أو مخطوطات. والتمييز اللمسي بين نقطتين، وتحديد موضع اللمس من الجسم. ويسمى هذا النوع من الإحساسات بالقشري لحاجته إلى أكثر من منطقة في قشرة المخ. فهو وظيفة مركبة من إحساس وإدراك، وهو إحدى الحواس الخاصة (الحواس الخمس).

. الاحساسات الخاصة (الحواس الخمس) :

أ. الإحساس البصري Visual Sensation: يحدث الإحساس البصري نتيجة انكسار الأشعة المنعكسة من المرئيات بوساطة عدسة العين.
فتسقط على الشبكية، التي تحتوى على المستقبلات البصرية، فتنقلها، بدروها، إلى خلايا عصبية متعلقة بالشبكية، ومنها إلى الألياف العصبية، التي تكوّن العصب البصري (العصب الجمجمي الثاني)، إذ يتكون من كل عين عصب بصري واحد، يكون أيمن للعين اليمني، وأيسر للعين اليسرى.
ولا تلبث مكونات العصب البصري أن تنقسم إلى مسارات صدغية، تكمل مسارها البصري في الجانب نفسه، ومسارات أنفية، تعبْر إلى الجانب المقابل. وبذلك، يصبح المسار البصري مشتملاً على الألياف الصدغية من جانب واحد، إضافة إلى الألياف الأنفية من الجانب المقابل، ويصلان معاً إلى الجسم الركبي في المهاد (وبذلك، تنقل العينان معاً صورة واحدة)، ومنه تخرج الإشعاعات البصرية إلى قشرة المخ، في الفصّ الخلفي، حيث يتم فهْم الصورة المنقولة من الشبكية، الذي يرتبط، بدوره، بالذاكرة البصرية، فيعطي المثير معناه، طبقاً للخبرة المختزنة في الذاكرة.

ب. الإحساس السمعي Auditory Sensation: تنتقل موجات الصوت من الهواء الخارجي إلى الأذن، فتهتز الطبلة، التي تهز، بدورها، ثلاثة عظيمات صغيرة، في الأذن الوسطى (المطرقة والسندان والركاب)، فتصل الاهتزازات إلى الأذن الداخلية، فيهتز السائل الذي في داخلها، ومن ثم، تهتز البروزات الشعرية، المتصلة بعضو السمع، المسمى عضو كورتي، ومنه إلى الخلايا العصبية المتخصصة، فالعصب السمعي (القوقعي)، الذي يصل إلى الجسر، ومنه يعبُر إلى الجانب المقابل، صاعداً إلى المهاد، ثم منه تصل الإشعاعات السمعية إلى قشرة المخ السمعية، في الفصّ الصدغي، المرتبط بالذاكرة السمعية، حيث يتم إعطاء المثير معنى.

ج. الإحساس الشمي Smell Sensation: يحمل الهواء الروائح، عند دخوله إلى الأنف، خلال عملية الشهيق، فيختلط جزء من الهواء، في الجزء العلوي من الأنف، بنسيج خلوي خاص (المستقبلات المتعلقة بالشم)، وذلك خلال ذوبان الرائحة في إفرازات الأنف. وتحمل الرائحة عبر ألياف عصبية، تخترق عظام الجمجمة، مكوّنة العصب الشمي (الجمجمي الأول)، الذي يصل إلى الدماغ الأوسط، ومنه إلى الفصّ الصدغي من قشرة المخ، حيث وظيفة الشم ... ويتم تعرّف الرائحة من خلال الخبرة السابقة.

د. الإحساس التذوقي Taste Sensation: والإحساس التذوقي بدايته من اللسان، الذي توجد فيه مستقبلات خاصة، هي براعم التذوق، التي تغطي اللسان. وتتصل هذه المستقبلات، في الثلث الخلفي من اللسان، بالعصب اللساني البلعومي (الجمجمي التاسع). وتتصل، في الثلثين الأماميين من اللسان، بالعصب الوجهي (الجمجمي السابع). وهناك قليل من البراعم التذوقية في لسان المزمار، تنقل عبْر العصب الحائر (الجمجمي العاشر). وينتهي بها الأمر، جميعاً، إلى الفصّ الجداري لقشرة المخ. ويميز الإنسان، عادة، بين أربعة أنواع من التذوق. هي: الحلو والمر والمالح والحامض، ويزيد الإحساس بالطعم الحلو في أطراف اللسان، وكذلك الطعم المالح. ويتشابه الإحساس بالشم والتذوق؛ إذ إن كليهما إثارة كيماوية للمستقبلات.

هـ. الإحساس اللمسي Touch Sensation: وهو تعرف الأشياء باللمس، ويسمى بالإحساس القشري، وسبقت الإشارة إليه.

ويمكن الشخص أن يستقبل غير مثير، في آن واحد، كالطعام، وقت تناوله، يكون مثيراً، بصرياً، وشماً، وتذوقاً ولمساً.

وتتم عملية الإدراك الحسي باستقبال المثير، وتحوّله عبْر جهاز الحس المستقبل إلى تغيرات كهربائية (نبضات عصبية)، تنقل عبْر المسارات العصبية إلى المنطقة المتعلقة بها من قشرة المخ، حيث تترجم هذه النبضات، بمساعدة القشرة الترابطية والذاكرة المتعلقة بالإحساس المدرك. ولا يمكن أن يغفل دور التكوين الشبكي في المخ، الذي يقوم بتنقية المثيرات القادمة إلى قشرة المخ، والحفاظ على درجة اليقظة الموجهة للمثير (الوعي والانتباه)، واللازمة لإتمام الإدراك. وهناك وقت بين ظهور المثير وتعرفه عبْر الشخص المدرك، يسمى وقت الإدراك. وهو الوقت المستغرق خلال انتقال النبضة العصبية من جهاز الاستقبال إلى المراكز المناسبة في
المخ. ولكن هناك وقتاً آخر، أكثر أهمية، وهو الوقت اللازم للتغلب على الحاجز الانفعالي، المحدد للإدراك، الذي يُعَدّ حاجزاً يحمي الشخص ضد الإثارة الصدمية، التي قد تحدث نتيجة للإدراك.

الحرمان الحسي: إذا تم وقف المثيرات الخارجية، فإن الإدراك الحسي يتوقف، ويسمى ذلك بالحرمان الحسي، الذي ينشأ عنه اضطراب الجهاز العصبي، نظراً إلى نقص نشاط التكوين الشبكي (الذي ينقّي الجهاز العصبي من المثيرات الداخلية)، فيختل الإدراك، ويسيطر الخيال على إدراكات قشرة المخ. وتلاحظ هذه الاضطرابات الإدراكية، الناشئة عن الحرمان الحسي، في السجون الانفرادية، والمعتقلات السياسية، وسجون أَسرى الحرب. كما يلاحظ، في مجال الطب، بعض حالات الحرمان الحسي، مثل فقد السمع أو البصر، لدى بعض المسنين، أو الحرمان البصري عقب العمليات الجراحية للعينين، والذي يترتب عليه ظهور هلاوس (إدراك من دون مثير)، كرؤية أشياء ليست موجودة، أو سماع أصوات ليس لها وجود حقيقي.

العوامل التي تؤثر في عملية الإدراك

إن إدراك الإنسان للمثيرات من حوله، محدود بإمكانات أجهزة الحس لديه. فهو لا يسمع كل الأصوات، إذ توجد طبقات عالية من الأصوات، لا يمكن الإنسان أن يسمعها، على الرغم من أن الخفاش يسمعها. كما أن الكلاب، تستطيع شم الروائح، التي لا يدركها الإنسان. وهو تكيّف خاص في هذه الكائنات، يشبه التكيف الذي يحدث لمكفوفي البصر، في حاستَي اللمس والسمع، كتعويض عن حاسة البصر المفقودة.

وكما يتأثر إدراك الإنسان بخبرته الماضية بالمثير، فإنه يتأثر بمشاعره الداخلية تجاه المثير. فإدراكنا لشيء نفضّله أيسر كثيراً من إدراكنا شيئاً آخر لا نفضّله. وحالة الشخص الانفعالية، تؤثر في إدراكه الأشياء. فالشخص المسرور، يرى الحياة مشرقة زاهية، بينما يراها الحزين سوداء قاتمة. وتؤثر الحالة البيولوجية في الإدراك، فالجائع يدرك رائحة الطعام أسرع من غيره، ويتأثر الإدراك بعملية الإيحاء، ولا سيما الأشخاص القابلين للإيحاء، إذ يدركون ما يوحي به الآخرون لهم. فإذا أوحيت لشخص من هؤلاء، أنه سيشاهد جنيّاً في حجرة مظلمة، فإنه لا يلبث أن يرى ذلك.
والتنويم ( Hypnosis) ما هو إلا إيحاء، يوجَّه إلى الشخص المراد تنويمه، لإيصاله إلى درجة من تناقص الوعي، والخضوع لإرادة المنوِّم، الذي يوحي إليه بما يرغب، ويستجيب المنوَّم، من دون مقاومة.
ويستخدم التنويم في علاج بعض الأعراض المَرضية الجسدية، الناشئة عن شحنة انفعالية متحولة. مثل المريضة التي أصابها الشلل في رجليها، نتيجة لصدمة انفعالية، فإنها تحت تأثير التنويم، تستجيب بزوال العرض المَرضي، بفعل الإيحاء الذي يقوم به المنوِّم. وكانت هذه الطريقة تستخدم في العلاج في نهاية القرن التاسع. ولكن لوحظ انتكاس كثير من المرضى، فبعد زوال العرض المَرضى بفعل التنويم، لا يلبث أن يعود عند التعرض للانفعال مرة أخرى، وذلك لأن الأسباب ما زالت موجودة داخل المريض، ولم يتغير انفعاله بالمواقف الباعثة على الانفعال، كما يحدث، حالياً، من خلال جلسات العلاج النفسي.