لا تحطمك التوافه د. عائض القرني

كم من مهموم سبب همه أمر حقير تافه لا يذكر!!.

انظر الى المنافقين ، ما أسقط هممهم ، وما أبرد عزائمهم . هذه أقوالهم : {لاَ تَنفِررواْ فِى الْحَرّ} ، {ائْذَن لّي

ولَا تَفْتنّي} ,

{بُيُوتَنَا عَوْرَةُ} ، {نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرةُ} ، {مَّا وَعَدَنَا الله وَرَسُلُهُ إلاَّ غُرُوراً} .

يا لخيبة هذه المعاطس يا لتعاسة هذه النفوس .

همهم البطون والصحون والدور والقصور ، لم يرفعوا أبصارهم إلى سماء المُثُل ،

لم ينظروا أبداً إلى نجوم الفضائل .

همُّ أحدهم ومبلغ علمه : دابته وثوبه ونعله ومأدبته ، وانظر لقطاع هائل من الناس تراهم صباح مساء سبب

همومهم خلاف مع الزوجة ، أو الابن ، أو القريب ، أو سماع كلمة نابية ، أو موقف تافه ، هذه مصائب هؤلاء

البشر ، ليس عندهم من المقاصد العليا ما يشغلهم ، ليس عندهم من الاهتمامات الجليلة ما يملأ وقتهم ،

وقد قالوا : اذا خرج الماء من الإناء ملأه الهواء ، إذاً ففكر في الأمر الذي تهتم له وتغتنم ، هل يستحق هذا

الجهد وهذا العناء لأنك أعطيته من عقلك ولحمك ودمك وراحتك ووقتك ، وهذا غبن في الصفقة ، وخسارة

هائلة ثمنها بخس ، وعلماء النفس يقولون : اجعل لكل شئ حداً معقولاً ، وأصدق من هذا قوله تعالى : {قَد

جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَئٍ قَدْراً} ، فأعط القضية حجمها ووزنها وقدرها وإياك والظلم والغلو .

هؤلاء الصحابة الأبرار همهم تحت الشجرة الوفاء بالبيعة ، فنالوا رضوان الله ، ورجل معهم أهمه جمله حتى

فاته البيع فكان جزاءه الحرمان والمقت .

فاطرح التوافه والاشتغال بها تجد أن أكثر همومك ذهبت عنك وعدت فرحاً مسروراً .