مستشار الطب النفسى

إن من أعظم النعم التي خص الله تعالى بها الإنسان وميزة على الحيوان هي قدرته على تعلم اللغة . فاللغة هي أداة الإنسان الرئيسية في التفكير واكتساب المعرفة وتحصيل العلوم .
فاللغة باعتبارها رموزا للمفاهيم ، قد مكنت الإنسان من تناول جميع المفاهيم في تفكيره بطريقة رمزية .. مما ساعده على أن يحقق ما حققه من تقدم هائل في اكتساب المعرفة وتحصيل العلوم والصناعات المختلفة.
ومن فضل الله تعالى على الإنسان أن زوده باستعداد فطري للتعلم واكتساب المعرفة والعلوم والمهارات والصناعات بالإضافة إلى نعمة الإدراك الحسي والتفكير مما يزيد من قدرته على تحمل مسئولية الحياة على الأرض وعمارتها، ومما يمكنه من تنمية قدراته مما يكفل له بلوغ ما شاء الله تعالى له من الكمال الإنساني .
ويكتسب الإنسان العلم أو المعرفة من مصدرين رئيسيين :-

(1)مصدر الهي :
وهو العلم الذي يأتينا من الله سبحانه وتعالى مباشرة عن طريق الوحي أو الإلهام أو الرؤيا الصادقة .

(2)مصدر بشري :
وهو ذلك النوع من العلم الذي يتعلمه الإنسان من خبراته الشخصية في الحياة ومن مجهوده الخاص في الاستطلاع والملاحظة ومحاولة حل ما يجابهه من مشكلات عن طريق المحاولة والخطأ أو عن طريق التربية والتعلم من والديه ومن المؤسسات التعليمية أو عن طريق البحث العلمي .
وهذان النوعان من العلم متكاملان ... ويرجعان أساسا إلى الله سبحانه وتعالى الذي خلق الإنسان وأمده بأجهزة وأدوات للإدراك واكتساب العلم .
ولما كانت للغه - وهي الأداة الرئيسية في التفكير واكتساب المعرفة - هذا القدر العظيم من الأهمية في حياة الإنسان ، وفي تمكينه من التقدم المستمر في تعلمه وتفكيره ، فقد كان أول شيء علمه الله تعالى لآدم عليه السلام هو أسماء جميع الأشياء .
قال الله تعالى: " وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين * قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم * قال يأدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم اقل لكم إنى أعلم غيب السماوات والأرض واعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون " (البقرة 31-22).
ومن ذلك نفهم من قوله تعالى " وعلم آدم الأسماء كلها " انه علمه اللغة التي يسمى بها الأشياء كلها ... أي علمه الأسماء التي ترمز إلى مفاهيم .
ويتعلم الإنسان في الحياة بطرق مختلفة... فقد يتعلم من طريق التقليد ، فالطفل عادة يقلد والديه ويتعلم منهما كثيرا من العادات وأنماط السلوك ... ويتعلم الإنسان أيضا عن طريق التجربة العملية أو المحاولة والخطأ ،كثيرا من الحلول المفيدة لمشكلات حياته ومما ينفعه في أمور معاشه وقد يتعلم الإنسان أيضا عن طريق التفكير والاستدلال العقلي .
فحينما يفكر الإنسان في حل مشكلة معينة فانه يقوم في الواقع بنوع من المحاولة والخطأ ذهنيا ... فهو يستعرض في ذهنه الحلول المختلفة للمشكلة ، ويرفض الحلول الخاطئة أو غير الملائمة ، ثم يختار الحل الذي يراه ملائما وصحيحا. فعن طريق التفكير يتعلم الإنسان حلولا جديدة لمشكلاته ، ويكتشف علاقات بين الأشياء والاحداث... ويستنبط مبادئ ونظريات جديدة .
والمناقشة والحوار واستشارة أهل الرأي من العوامل التي تساعد على توضيح التفكير، مما يؤدي إلى الاهتداء إلى الحق ، والوصول إلى حلول سليمة للمشكلات التي تبحث ... وقد حث القرآن على الشورى ، ونوه بفضل المؤمنين الذي يتشاورن في أمورهم بغية الوصول إلى الحق وتحقيق العدل في المجتمع . قال تعالى: "وشاورهم في الأمر " (ال عمران :159).
ولذلك فان المناقشة والحوار من العوامل الهامة في الفكر للوصول إلى الحلول السليمة للمشكلات ... كذلك فإنها من العوامل الهامة في التعلم وصقل الفكر الانساني.
كما أن الحوار بين الناس يزيل الحدود بينهم ويمنع الجفاء ويخلق جو من الود والإتلاف ويقرب بين وجهات النظر.
وبدون الحوار والتفاهم يحدث نوع من أنواع الانعزال مما يخلق حالة من القلق والشك والريبة ،تنتهي بالبغضاء والكراهية التي تؤدي إلى الكثير من الأمراض النفسية.
ولذلك فإننى دائما ما افضل ان تكون الندوات والمحاضرات التي تلقي على الشباب عبارة عن ندوات حوار مفتوح بين المحاضر والمتلقي حتى يحصل التجاوب الانفعالي الذي يخلق جو من الألفة التي تؤدي إلى توصيل المعلومات بطريقة محببة للنفس وغير مباشرة بدلا من إلقاء المحاضرة عن طريق الوعظ والإرشاد الذي ينفر منه الشباب.
وفي إحدى الندوات في جامعة من الجامعات الخاصة بالبنات دار حوار مع مجموعة من شباب الجامعة حول مجموعة من الموضوعات التى تهم الشباب
وبدأت الأسئلة طالبة من الطالبات التي يبدوا عليها مظاهر الالتزام الديني :
يا دكتور أريد أن اعرف ... هل الحب حلال أم حرام ؟
وهنا قاطعت المشرفة الاجتماعية المسئولة عن الندوة ونهرت الفتاة بشدة وقالت:-
بلاش الأسئلة السخيفة دي ... اسألوا في أشياء أهم وأفيد ...وساد القاعدة جو من التوتر والوجوم والصمت ...
وهنا أمسكت بالميكرفون وقلت:
أظن السؤال موجه لي شخصيا ... وأنا المسئول عن الإجابة عن الأسئلة ...ولتأذن لي الأخت الفاضلة المسئولة بالرد على هذا السؤال بكل وضوح لان هذا الموضوع موضوع هام وحيوي لكل الشباب ... الحب طبعا حلال .. الحب عاطفة إنسانية سامية .. وهو يلعب دورا هاما في حياة الإنسان ... فهو أساس الحياة الزوجية ، وتكوين الأسرة ورعاية الأبناء .. وهو أساس التآلف بين الناس وتكوين العلاقات الإنسانية الحميمة ... وهو الرباط الوثيق الذي يربط الإنسان بربه ويجعله يخلص في عبادته وفي اتباع منهجه والتمسك بشريعته .
ويظهر الحب في حياة الإنسان بصور مختلفة... فقد يحب الإنسان ذاته... ويحب الناس ، ويحب زوجته وأولاده ، ويحب ماله ويحب الله ورسوله... كل هذه المعاني يشملها الحب وليس الحب مقصورا على جانب واحد .
وأزال هذا الرد جو التوتر من القاعة وتجرأت فتاة أخرى وسألت :
ولكن يا دكتور نحن نتكلم عن الحب بمعناه المخصوص .. يعني الحب بين الشباب والفتيات.
الحب بين الشباب والفتيات مشروع ولكن في خلال إطار محدد وهو الإطار الذي يقره الدين ألا وهو الزواج .. لأن الحب بهذا المفهوم يرتبط بالواقع الغريزي ارتباطا وثيقا … فهو نوع من الحب الجنسي … وهو أمر ضروري لاستمرار الحياة الأسرية ، والإسلام يعترف بالدافع الجنسي ولا ينكره ، وهو بطبيعة الحال يعترف بالحب والجنس المصاحب له لأنه انفعال فطري في طبيعة الإنسان لا ينكره الإسلام ولا يقاومه ولا يكبته .. ولكن الإسلام فقط يدعو إلي السيطرة علي هذا الحب والتحكم فيه عن طريق إشباعه بالطريق المشروع وهو الزواج .. وهذا الحب هام لأنه يعمل علي استمرار التعاون والتآلف بين الزوجين .
وردت فتاة أخري ..

يا دكتور : نحن نتكلم عن الحب قبل الزواج .
الحب قبل الزواج موضوع تعرض للكثير من المناقشات .. الكثير من الشباب ينادي بأن يكون الزواج عن حب واقتناع ...الحب كما قلنا عاطفة إنسانية نبيلة لها هدف سامي وهو التآلف بين الزوجين ... أما إذا بدأت قبل الزواج فإنها دائما ما تكون مجرد أحاسيس غريزية ليس لها أهداف سوي إشباع النواحي الجنسية .. وكثيرا ما تؤدى إلى الكثير من المشاكل الاجتماعية و الأسرية .
وهنا قاطعت إحدى الفتيات المناقشة بحدة وعصبية .
يا دكتور .. أهلي غصبوا علي الخطوبة لشاب لا أحبه .. ولا أري فيه الصفات التي أتمناها لزوج المستقل .. أرجوك قل لي .. كيف أتصرف في هذا الموقف ؟ .
الحب جزء هام جدا في الحياة الأسرية .. ولكن الحب دائما يأتي مع المعرفة والمعايشة والعشرة الأسرية... إذا كان هذا الشاب يوجد به من العيوب التي تنفر أي فتاة يجب أن تناقشى أهلك في هذا الموضوع ..وهذه العيوب تكمن أساساً في النواحي الإنسانية الأساسية … مثلا إذا كان هذا الشاب قبيحاً أو كان بذئ اللسان أو قاسي في المعاملة … وطبعا إذا كان بعيداً عن الدين … أما إذا كانت هذه المساوئ غير موجودة فيجب أن تعطي نفسك بعض الوقت حتى يحدث نوع من التوافق والانسجام والتآلف بينكما .. وبعدها سوف يكون الحب علي أساس متين وقوي … ويجب أن تتذكري دائما قول الله تعالي " فعسي أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا "(النساء :19)
وتدخلت إحدى الفتيات من الصفوف الخلفية وقالت :
ريا دكتور .. أنا لا أستطيع التفاهم مع خطيبي … هو دائما ساكت ولا يتكلم معي … أحيانا يجلس معي وكل ذهنه في مشاهدة التليفزيون .. ومتابعة ماتشات الكرة .. وإذا حضرت أخته أو والدته أجده يتكلم بطلاقة ولباقة .. وإذا سألته عن أي موضوع لا يجاوب وأحيانا يرد بكلمة أو كلمتين وينتهي الكلام .
لكي يكون هناك حوار أو حديث بين أي فردين في الحياة يجب أن يكون هناك موضوع حوار مشترك بينهم .. وأن يكون هذا الموضوع هام ومثير بالنسبة للطرفين .. إذا أردت أن يكون هناك تفاهم وحوار وود وألفة مع خطيبك أو زوجك في المستقبل فيجب أن يكون بينكما نقاط تفاهم واهتمام مشترك .. ابحثى عن الموضوعات التي يهتم بها وادرسيها وتناقشى معه فيها … حوالي أن تزيدي من مستواك الثقافي وداومي علي الإطلاع علي أمور الحياة الهامة ….. إنه يتكلم مع أسرته لأن هناك نقاط اهتمام مشترك معهم .. بعد الزواج سوف تتواجد هذه النقاط وسوف يكون هناك حوار وتفاهم .. بالقليل من الصبر والود والإطلاع سوف تحصلين علي التفاهم الذي يؤدي إلي المودة والحب بإذن الله.
وتدخلت إحدى الفتيات وبدا عليها علامات الارتباك وهي تتحدث .
دائما أتشاجر مع خطيبي بالرغم من أننا ندرس في نفس الدراسة ونفس السنة ولدينا ثقافة متقاربة .. ودائما تنقلب المناقشة إلي شجار وصراع وارتفاع للصوت .. هل يوجد علاج لتلك المشكلة ؟ .
للمناقشة أصول وقواعد لأن المناقشة الهادئة مدخل من مداخل التفاهم .. إذا أردت أن تناقشى أي موضوع فيجب أن تعطي المتحدث أمامك الفرصة لعرض وجهة نظره مع عدم تسفيه هذا الرأي .. ويجب كذلك عدم مقاطعة المتحدث حتى يشرح وجهة نظره بطريقة كاملة … أحيانا نجد أن هناك شخصان لهما نفس وجهة النظر ولكنهما يتكلمان في نفس الوقت ويقاطع كل فرد منهم الآخر في سبيل شرح وجهة نظره... كما يؤدي إلي توتر وانفعال غير مطلوب وينتهي الحديث أحيانا بالشجار بدون سبب مع أن وجهة النظر متطابقة بين هذين الشخصين .
إذا تفهم كل فرد منا الآخر واستمع له بنفس هادئة مطمئنة وبالكثير من الصبر والتسامح والمحبة فإن ذلك يؤدي إلي التغلب علي الكثير من المشاكل النفسية .
وردت الفتاة بصوت متوتر وكاد أن يغلبها البكاء .
ولكن يا دكتور … خطيبي دائما يعاملني بجفاء وإهمال .. دائما يسخر من تصرفاتي ويقول أن أفكارى سطحية .. دائم النقد لكل شيء لدرجة أني أفكر في فك الارتباط معه .. أنا كرامتي فوق كل شيء .
الكرامة موضوع هام في حياة الإنسان .. ولكن دعنا نفكر في الكرامة .. كرامتي هي أن أحترم نفسي وأن يحترمني الآخرين .. الكرامة إذا تعارضت مع الدين فإنها تسبب الكثير من الضرر للإنسان … الرسول صلي الله علي وسلم حضنا علي التغلب علي الكبر والعناد الذي يسميه البعض منا كرامة .. فقد اعتبر الإنسان إذا اختلف مع أخيه فإنه الأكرم والأفضل هو الذي يتنازل عن كبره وعناده ويبدأ بالصلح والسلام " خيرهم الذي يبدأ بالسلام " كما أن الإسلام وضح العلاقة الأسرية بين الزوج والزوجة بأنها علاقة مودة ورحمة .. والمودة والرحمة بها الكثير من التواضع والتنازل والمشاركة والمحبة والإيثار .. وليس بها الكبر والترفع والعناد... بل إن الإسلام وضع في العلاقة بين الإنسان ووالديه كلمة "الذل" وهي عكس الكرامة في التعامل مع الوالدين فقال تعالي : " وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا " أي أن علي الإنسان أن يتنازل عن كرامته بمعناها العام وأن يتذلل لوالده ويتقرب منهم حتى ينال رحمة الله تعالي . إن من يلتزم بقواعد الدين الحنيف يناله الكثير من الخير ويعيش في حالة من الرضا والانسجام النفسي .
واخيرا فان نصيحتى إليك بان تحاولى أن تنمى ثقافتك الشخصية بالاطلاع على الجرائد والمجلات ومشاهدة الندوات الثقافية فى التليفزيون حتى يكون لديك الثقافة المناسبة والفكر السديد وحتى تنالى احترام الجميع من حولك ...وبذلك يشعر خطيبك تجاهك بالكثير من الود والاحترام ويعاملك بالتقدير المناسب ..كذلك يجب أن تدربى نفسك بالابتعاد عن التوتر والانفعال وتجاهل المواقف البسيطة التى تثير الكثير من المشاكل أثناء فترة الخطوبة .