أحداث الحياة الضاغطة
كلنا معرض لحدث حياتي ما، وهكذا هي الحياة، موت عزيز، فقدان عمل.. مال، إصابة، حادث، مرض، علاقات عاطفية متوترة، فسخ خطوبة، طلاق، زواج، خلفة، لكن ليس كل من يتعرض للضغوط يكتئب ولكن هناك فئة معينة مستعدة للإصابة.
الاكتئاب مرض مزعج، يُعَد الوقت الذي يعاني فيه الإنسان وقتاً ضائعاً من عمره، ونسميه في لغة الطب الحديث (سنوات العمر الضائعة).
الاكتئاب مرض شائع جداً وعالمي، تتسبب فيه عوامل كثيرة، أهمها العلاقات الإنسانية، والتي تسمى أحياناً (البينشخصية)، بين الناس وبعضها وردود فعلهم، التفاعلات، الانفعالات المكتومة والمعبَّرر عنها، الظاهرة في شكل كلام، والواضحة في لغة الجسد، أو الانسحاب التام من المشهد.
بشكل عام تنقسم إلى:
(أ) تلك الأسرية، بين الوالدين، والأولاد أو الأزواج، أو هؤلاء الذين يعيشون مع بعض في شقق مختلفة في بيت العائلة.
(ب) البيئة الاجتماعية العمارة، الحيّ، الجيران، الشغل، الأصدقاء، الأقارب، الآخر عموما عند الاحتكاك والتفاعل مع الحياة في إطار مسيرتها.
الأسرة
شكل العائلة، طريقة عيشتها، جوّها، مهم جداً .. ساعات أسأل ناس في العيادة عن جو البيت، ألاقي إجابات مثل (عادي، كئيب، بارد، متوتر، نكدي ... وهكذا)، كما أن حالة الزوج أو الزوجة لها أكبر الأثر على نفسية الإنسان (اللي بيحس، مش اللي بيهرَب ويخللّ في وظيفة خارج البلاد مثلاً).
تدلنا بعض الإحصائيات والأبحاث على ان حوالي 30% من كل المشكلات الزوجية، يكون هناك (شريك مكتئب)، مكتئب (مرضياً مش زعلان لا ... يعني (مريض بالاكتئاب)، وفي معظم الأحوال (اكتئابه يكون من النوع الجسيم).
تؤثر الاحتكاكات والتوترات الزوجية، الخناقات والخلافات، الزعيق والنكد والعدوانية الشديدة، وتلك السلبية (ساعات تكون أخطر)، بمهنى (المنع) وخلق جواً من السلبية (كالمقاطعة) والامتناع عن أي فعل إيجابي أو مفيد للطرف الآخر، وهو ما يؤدي إلى ما أشرت إليه سابقاً (العجز المُكتسَب)، وكذلك الحرمان العاطفي والجنسي والإنساني، وفقدان معنى الحياة الزوجية المشتركة.
أحياناً ما يتأثر الزواج، وتهتز أركانه عند الحمل والولادة (راجع فصل اكتئاب المرأة)، لأن الزوجة تلد وتحمل وتتعرض لاضطراب هرموني وإجهاد نفسي وعصبي وبدني، كما تتأثر علاقتها بزوجها وهو بالتالي يتأثر بذلك سلباً، لأن الأم تتعامل مع وليدها بكل اهتمام وتكفله بكل رعاية (ويكون هذا أحياناً على حساب الزوج) ـ ( يعني بدل ما كانت العلاقة بين اتنين بقت بين تلاتة، واحد فيهم لسّه طالع للدنيا، لكن ليه طلبات) .. ومن ثمَّ تصبح العلاقة الزوجية ثلاثية الأبعاد .. فجأة.
تصبح علاقة الأب والأم مع الوليد، علاقة ضاغطة رغم (حلاوتها)، مثلها مثل الزواج لأن الارتباط بانسان مختلف عنك شخصياً واجتماعياً وثقافياً حتماً له أبعاده السلبية.
كذلك فإن اكتئاب أحد الوالدين، له أكبر الأثر على الأولاد، فنفاجأ باكتئاب الطفولة، وغليان المراهقة، حتى هؤلاء الذين عدّوا سن العشرين، ومازالوا مع أهاليهم في بيوتهم لعدم زواجهم بعد أو لطلاقهم وعودتهم البيت (في حالة الستات أكثر) يصابون بحالات من الضيق والانزعاج وأحياناً الاكتئاب، وفي دراسات محددة اتضح أن أطفال المكتئبين أقل سعادة ونشاطاً من اطفال غير المكتئبين (لاحظ أن المسألة ليس لها دعوة بالوراثة )، بمعنى أن التفاعل الإنساني داخل الأسرة له مردود سلبي عند الطفل إذا كان احد والديه مكتئباً (أو كل منهما تبقى مشكلة) ويشكل ذلك له عالماً سلبياً ونظرة متشكلة للبيت ولفكرة الزواج وتكوين أسرة.
وأولاد الاكتئاب يضطربون في علاقاتهم مع الجنس الآخر، وكثيراً ما تكون محاولاتهم في الخطوبة والزواج غير ناجحة بل وعاصفة، وبالطبع يخلق كل هذا دائرة مغلقة تخلق ظرفاً ضاغطاً (لأن الواد بقى 36 سنة مثلاً ولم يتزوج بعد وعمال يشوف عرسان لكن مش قادر يتحمل المسئولية ومتوحد نفسياً وجسدياً مع أبوه المريض بالشلل الرعاش ورغم كل محاولات أمه فهو غير قادر على القيام بأعباء بيت فيقاوم الشفاء حتى لو استخدمت كل الوسائل لتخليصه من اكتئابه، إلاّ أنه يأبى ويصير ويقاوم ويظل مكتئباً، شاكياً، باكياً، تعيساً وغير قادر على تحمل المسئولية.
أحياناً ما يعبر الطفل عن اكتئابه صراحةً، ولقد فحصت حالات لأطفال في سن السابعة والتاسعة و11سنة تمنوا الموت، أو قالوا أنهم لا يستمتعون بالحياة، ولا يدرون لماذا أتوا إليها، وهناك اطفال آخرين يظهر اكتئابهم في سلوكياتهم: عدوانية شديدة انعزالية، خجل، عدم قدرة على التحصيل الدراسي رغم الذكاء ... وهكذا .

التفاعل الاجتماعي
مفتاح الحياة وسر الانطلاق..المكتئب ينطوي وينجح في الانسحاب فجأة أو تدريجياً من مجتمعه، وأساس التفاعل الاجتماعي، هو تلك القدرة على التعامل مع ضغوط الحياة المختلفة، لكن في الاكتئاب يكون المريض قليل الحياة، معدوم الأمل، سلبي التفكير، بطيء، مهزوم، منكسر، وغير متحقق ذاتياً.
(الاكتئاب معدي كالضحك والفرفشة، صاحبك يعديك، وأي حدّ في البيت هيأثر عليك، وقد تجد نفسك تدور في دائرة مفرغة من الإحساس بالدونية والخوف من الرفض، الحساسية الشديدة، الإحساس بالاضطهاد والاعتقاد أن الآخرين يكرهونك، أو يأخذونك مادة لنميمتهم، يحدث هذا في العمل وفي البيت، مما يجعل البيت جحيماً ودنيا الشغل سوداء.

النوع

النوع يعني إما ذكر أو أنثى، فالإناث أكثر عرضة للتحرش النفسى والجنسى في العمل، والمكاتب العمومية، والطريق العام، وفي البيت يكن أكثر عرضة للقهر والظلم والسيطرة، كما أن للأنوثة ضريبتها؛ فالبنت (لازم تبقى بنوتة، ليس بمعنى الإغراء والإغواء، لكن بمعنى الحياء، الالتزام، حسن المظهر، حسن الحديث وهكذا) .
وعلى الرغم من أن البنات في بلادنا أكثر تفوقاً من الأولاد، إلاّ أنهن يضغطن على أنفسهن أكثر لاثبات الذات وتحقيق القدرة على الوجود، مما يسمح لهن بفرض وجهة نظرهن، كما أنهن يلجأن إلى ذلك لاشعورياً ـ بعض الأحيان ـ كسلاح لمواجهة كل أسلحة المجتمع الذكوري الصارخ الذكورة، وليواجهن مقولات (السِت مكانها البيت)، كما أن هناك من يطرح أن بعض النساء (ناجحات عملياً، فاشلات عاطفياً)، بمعنى أنهن يتفوقن على حساب خصومتهن للرجل، الذي يجد نفسه فجأة أمام شخصية قوية ذات رأي وحُجة، تفزع من أمامها ( وتخضُّه) فيهرب قبل الخطوبة.
ولذلك نجد أن كثير من النسوة متفوقات جداً (كمديرات) لإثبات الذات الأنثوية من ناحية، ولتعويض نقص النظرة المجتمعية الأقل لهن، فلا تظهر أنوثتهن وتضيع في خضَّم المنافسة.
لكن المسألة ليست قاصرة على البنات فقط، لأن كثير من الأولاد يحس بنقص ما، وحاجة شديدة لإثبات (الرجولة) التي هي غير (الذكورة)، ومن ثم فإنني قد وجدت أن الشباب المكسورين بعد قصة حب مُجهضة أو خطوبة مفسوخة أو لرفض والد البنت لهم، لسبب أو آخر يعانون بشدة من آثار (الصدمة)، وينتابهم إحساس قاس بالهزيمة والغُلب، ويبدأون رحلة (الصَعْبنة) والتدخين وسماع الموسيقى في الغرف المظلمة.
***
ويبقى الاكتئاب اضطراباً (لغزاً) يصعب فهمه في أغلب الأحوال، يتشابك مع الحياة بكل ألوانها، نواته العلاقات بين الناس، وبعضها البعض، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على المخ، وعلى نوعية الحياة وجودتها، لذلك فإن ما يصطلح عليه بالعلاج الاجتماعي، يعدّ مهماً للغاية مُتضمناً (العلاج الأسري، تفكيك الوعي الجمعي لأفراد البيت الواحد، تسليحه بآليات لمواجهة مشاكل العمل، وكيفية التعامل بمهارة مع الشخصيات الأخرى، خاصة تلك التي تحاول أن تهزم، تهزأ، تقهر، تعذب أو تدوس عل من حولها، او تلك التي تعشق (الزُنب) و(المقالب).
كما أن العلاج الترفيهي التفاعلي مفيد للغاية، وفي هذا المجال وجدت أن (السيكودراما) (العلاج بالمسرح النفسي التلقائي (بدون نص)، أدخلته بشكل عملي مكثف إلى مصر في عيادتي الخاصة وفي بعض مصحات الإدمان والمستشفيات النفسية العامة والخاصة في مصر2001، كما خرجت به إلى المجتمع في 2011 من خلال مسرح محلة الرواد (الجمعية المصرية للتحليل النفسي)، ثم قدمت التجربة المصرية في (الندوة الدولية في دورتها السابعة: "الوسائطية والفرجة المسرحية" ـ طنجة/تطوان، ثم على مسرح الهوسابير.) وسيلة علاجية بارعة للعلاج النفسي الجمعي الاجتماعي والتحليلي.
هذه الأجزاء (في المخ) مسئولة ومؤثرة على الاكتئاب من وعلى ظروف الحياة وطبيعة الإنسان:
• الثلاموس (المهاد) Thalamus
تستقبل معظم المعلومات الحسية وتضعها في مكانها المناسب على القشرة المخية التي بدورها تدير الوظائف العليا للمخ كالكلام، ردود الفعل السلوكية، الحركة، التفكير، والتعلم – يعتقد بعض العلماء أن (الاضطراب الوجداني ثنائي القطب Bipolar affective Disorder قد يكون نتيجة مشكلات في الثلاموس والتي تعد المسئولة عن المشاعر الحلوة وغير الحلوة.
• قرن آمون Hippocampus
جزء من الجهاز الجداري Limbic System له دور وظيفي أساسي في الذاكرة وتجميع الأمور، والتنسيق مع (الأميجدالا) بمعنى (اللي اتلسع من الشوربة ينفخ في الزبادي ) أو بالانجليزية Once Bitten , twice shy
بمعنى أنك تتعلم من تجاربك (السيئة، الموجعة، غير اللطيفة)، كارتباط نباح الكلب بكلب عدواني ـ مثلاً ـ بذكرى عضّة شديدة وخوف أشدّ، مما يؤدي إلى حرص أو تفادي أو خوف عام من الكلاب بعد ذلك .
ولقد وجد العلماء أن (قرن آمون) أصغر في حالات المكتئبين، وكما ذكرنا سابقاً فإن التعرض المستمر للضغوط الحياتية، يعطل نمو هذا الجزء المهم من مخ الإنسان.
• الأميجدالا Amygdala
***
سنتناول هنا بالشرح والتحليل حالتين تم علاجهما وشفاؤهما في خلال شهر، باستجابة سريعة في خلال أسبوعين:
الأولى: لرجل عمره 42 سنة، لم يتزوج بعد، يعمل مديراً لشركة في القاهرة لفّ على دكاترة الباطنة وأيضاً النفسيين، وقع في فخ الأعراض الجسدية، تحديداً مجموعة أعراض اضطراب الإعياء المزمن CFS ( من أعراض ذلك الاضطراب آلام مبهمة ممتدة تنتشر فى عضلات الجسم وفى المفاصل وتستمر المسألة وتصبح بالفعل مشكلة صحية مزمنة، تسبب لصاحبها إنهاكاً ذهنياً وجسدياً مستمراً ويحدث هذا فجأة لشخص كان فى السابق صحيح( العامل الوراثي للتهيئة للإصابة بالاكتئاب المقنع في صورة جسدية عال جداً؛ فالأم مريضة مزمنة، أما هو فلقد عانى من عدة أعراض: نوبات فزع وهلع، أعراض كاذبة للقلب، إحساس وهمي بوجود سرطان في المعدة، اعتقاد خاطئ بالإصابة بالإيدز بعد علاقة عابرة سطحية مع أجنبية، الخوف من الإصابة بمرض الالتهاب الكبدي الوبائي Virus C، مما يضطره للكشف والتحليل مراراً وتكراراً، للتأكد من عدم إصابته بأي فيروس خاصة في مواقف التوتر، يحلق لنفسه شعره وذقنه خوفاً من الإصابة بأي عدوى، اشترى عدة علاج أسنان كاملة، لكي يستعملها الطبيب معه فقط، لديه مشاكل في العمل، يعجز عن قيادة السيارة لا يركب الطائرة، واضطر لدفع تذاكر الطائرة ورسوم الدكاترة الممتحنين حتى يحضروا من فرنسا لامتحانه هنا في مصر لشهادة الدكتوراة، توفى والده صغيرا عند سن 38 سنة بعد (زعل) و (ذبحة صدرية) .
نلخص أسباب الاكتئاب في الحالة هذه في التالي:
1- أسباب خارجية: تتعلق بتفاعلاته، عدم قدرته على الزواج، مشاكل في العمل، عدم القدرة على التحرك بسهولة نتيجة الهلع.
2- أسباب داخلية: جو البيت، الأب توفى صغيراً بالقلب، الأم مثقلة بالمرض النفسي، عوامل وراثية أعدّت المخ وجهزّته للإصابة .
الأعراض: توحي بالوسواس القهري، وكذلك بنوبات الهلع، وأيضاً اضطراب الإعياء المزمن، وإذا ركز الطبيب المعالج على أي منها فقط لن ينجح كما حدث مع سابقاً (يُعد تبعثر الأعراض وتداخلها في الطب النفسي من أكثر الأمزور تعقيداً وإثارة للخلط وتبعثر الفرصة للتشخيص الصيح الذي لا تهمنا إطلاقاً (تسميته أو اصطلاحه) ، ومن ثمّ يأتي العلاج الناجع مصيباً للهدف ومحققاً الشفاء النهائي. .
رأيت حالته (ككل) تختفي وراء (الاكتئاب)، الذي يشكل الخلفية والجذور والبذور لكل هذا . (مرة سألت مهندس زراعي أمامي عن أسباب إصفرار أوراق النبات وذبولها، فأجاب إذا اصفرت ورقة النبات ووقعت على الأرض، تبقى المشكلة عطش واحتياج للمياه، أما إذا اصفرت ولصقت بالساق يبقى عفن جذور، وهنا لازم تعالج التربة بالمضادات الحيوية وبالفيتامينات).
في حالتنا تلك عالجنا التربة والجذور، كان المريض قوياً في تعبيراته؛ فقال ضمن أعراضه (أنا بأعاني من أحلام قلقة، أقوم من نومي مفزوعاً، زي ما يكون حَدّ ضربني بوكس في وِشي، يبدو يا دكتور إن عقلي الباطن قلقان دون مبرر).
وهنا كان العلاج كالتالي:
1- سمحت له بإعطائي تاريخ مرضي مفصل، وفي إطاره وفرت له فرصة التداعي الحرّ والطليق ليخرج طاقة الشكوى.
2- قمت بشرح (ميكانزمـ آلية) الإصابة والمرض والعوامل الداخلية والخارجية التي شاركت في تكوين الأعراض.
3- وصفت له علاجاً دوائياً مشتركاً بين ثلاثة عقاقير تعمل على كيمياء المخ العصبية (الدوبامين للتفكير، السيروتونين للمزاج، والنورأدرينالين للطاقة).
داوم على جلسات نفسية للاسترخاء والحوار والمتابعة كل يومين، ثم مرتين أسبوعياً، ثم مرة واحدة في الأسبوع، وبعد أسبوع واحد كان تقدمه إيجابياً خطيراً (دبت الدماء في وجهه، وخفت كل الأعراض) (من دليل فاضل كلينيك 2010 (أنت إنسان في أزمة لديه مشكلة، ونحن بشر لدينا مهارات وطرق للحل والإرشاد والعلاج، لست مجنونا ولسنا سحرة، معا سويا سنتمكن من حل المعضلة وتيسيرها، الأخذ بيدك إلى بر الأمان، (من غير ما نعمل البحر طحينة، لامبالغة ولا تهوين من اى أمر أو مرض. ببساطة كده. كل عقدة ليها حل وحلال. أهلاً بيك معنا في عيادتك من اجل فهم أفضل لنفسك ـ افهم نفسك تفهم الناس).

والسؤال المهم هنا والمتكرر في حالات مماثلة، هل ستعود الأعراض إذا توقفنا عن جلسات الاسترخاء الذهني والجسدي والــ AVS (العلاج عن طريق التنبيه الصوتي والضوئي، من خلال سماعة ونظارة خاصة تبث نبضات، وكأنها تدغدغ المخ (الوصف الأقرب لتأثره مان لمريضة في 2001 ـ إن المسألة تبدو وكأنها تدليك ـ مساج ـ للمخ)، ويعتقد أن تنبيه المخ يتم عن طريق العصب السمعي، ومن خلال العصب البصري، إلى داخل المخ، مما يسمح باسترخاء ذهني وجسدي مختلف ومريح) وكذلك الدواء.

لا ... (لكن المسألة ممكن تاخد لحدّ سنة)، يتم فيها إعادة بناء ما أتلفه المرض، وردود فعله خارجياً، وكذلك تصحيحه داخلياً كيميائياً.
أما (سلطانة ـ وبالطبع هذا ليس اسمها الحقيقي)، 47 سنة متزوجة، وعندها ولد وبنت سنهم 16، 12 سنة، لا تعمل (خريجة زراعة)، راحت لدكتور نفساني قبل ذلك، شخّصها على أنها حالة قلق وتوتر، وعالجها بمضادات اكتئاب ضعيفة ومُنظم لمادة الدوبامين، بدأت مشاكلها مع حقنة لمنع الحمل سببت لها اضطراباً هرمونياً، بعدها في مصر ثورة 25 يناير 2011 بكل تغييراتها، ولأن المصري (خاصة بعض ستات البيوت ـ بيكونوا حساسين لأي تغيير بالتحديد الاحساس بالأمان ..ولقد كان اللعب على هذا الوتر من قبل النظام السابق والحالي أيضاً) سبب ذلك إزعاجاً شديداً، وجدت نفسها تبكي (على طول)، وغير قادرة على عمل أي شيء، كررت دواء الدكتور دون فائدة، ثم بدأت عملية الهروب إلى النوم، فكانت أحياناً (توخم) وتظل في السرير شبه نائمة (تهرب من الحياة إلى نوم كأنه الموت الأصغر)، نوم مضطرب بلا طعم، تصحو الصبح غير قادرة على الابتسام، ضعفت ذاكرتها، قلّ تركيزها، وتقول سلطانة (أنا مش أنا)، (أنا زمان كنت حاجة تانية، بأهزر وباضحك، اتضح في التاريخ المرضي أن اختها ذات الـ 50 سنة دخلت مستشفى نفسي مرتين بأعراض شديدة، كما أن الأم لديها أعراض (الجسدنة )،( Somatization أعراض جسدية واضحة ومحددة ذات منشأ نفسي، وهذه الأعراض الجسدية تُستبدل مكان القلق او التوتر النفسي، وهي حقيقية و..ليست مصطنعة أو تخيّلية أما الأب فهو 76 سنة يعاني من مرض السكر ووصفته المريضة بأنه عصبي جداً.


رؤية وتكوين الحالة
(1) المريضة لديها استعداد بيئي وبيولوجي، أب عصبي وأم مريضة بالجسدنة، وأخت حالتها شديدة، اضطرتها إلى دخول المستشفى النفسي للعلاج، عاشت في جو مريض وبيئة معادية للصحة النفسية.
(2) اختلاف الشخصية الشديد قبل وبعد المرض، يُعدّ أداة تشخيصية مهمة للغاية؛ فهي لم تكن نكدية أو شكاءة أو صموتة، لكنها كانت مرحة فرحة تحب (الهزار والتهريج) .
(3) جاءت القشة لتقصم ظهر البعير (حقنة منع الحمل) ـ في بعض النساء تكون مواد منع الحمل باعثة على الاكتئاب، ولأن الهرمونات الأنثوية لها علاقة وطيدة وأكيدة بالنفس البشرية؛ فلقد كان لتلك الحقبة أثر سيئ للغاية تسبب في ظهور الأعراض بوضوح.
(4) الطبيب السابق لم يستمع لها جيداً، لم ينصت، لم يأخذ منها التاريخ الشخصي والمرضي بالتفصيل، يعني لم يبذل الجهد الكافي لتكوين صورة شاملة عن المريضة، ومن ثم كان دواؤه غير مؤثر إطلاقاً.
(5) الثورة المصرية فاجأت الناس وهي قاعدة في بيوتها، هزّت كياناتهم وزلزلتها (فرحوا وحزنوا وزعلوا وزقططوا)، لكن المرضى النفسيين قلقوا أكثر، ومن كان منهم مستعداً أصيب بما سمي (قلق الثورة)، نتيجة الخوف على حياتهم ووظائفهم، كذلك شيوع الإحساس العام بعدم الأمان (وهذا منطقي ومفهوم جداً في إطار تلك الظروف).