هناك ثلاث خصال رئيسية نجدها في من ذاقوا طعم النجاح في حياتهم، حيث ساهمت هذه الخصال فعليا في أن شق هؤلاء طريقهم نحو تحقيق ما يصبون إليه.
الرؤية الثاقبة
كان صاحب سلسلة فنادق هيلتون العريقة، كونراد هيلتون، مولعا بشراء الفنادق، ورأى ذات يوم في إحدى المجلات صورة لسلسلة فنادق والدروف الفاخرة فسارع إلى قص الصورة ووضعها تحت زجاج مكتبه، وكتب عليها عبارة: 'أعظمهم على الإطلاق'، وهي إشارة إلى ما يتمتع به هذا الفندق من الفخامة والسمعة ما لا يضاهيه نظير آنذاك. وكان مقصد هيلتون أن ينظر إلى الصورة بين حين وآخر، حيث كانت لديه رؤية واضحة وهي تحقيق حلمه بتملك تلك السلسلة الواسعة الانتشار. وبعد 18 عاما (أي عام 1949)، وبعد تجاوز فترة الكساد الاقتصادي الذي عانت منه الولايات المتحدة عام 1929، نجح في تحقيق حلمه بشراء فندق الوالدروف، إذ ان الصورة الذهنية لهدفه كانت في غاية الوضوح في مخيلته، فسعى جاهدا إلى تحقيقها.
ومعلوم في علم الإدارة أن من لديه رؤية واضحة لما يريد تحقيقه في الحياة يسهل عليه تحقيقها، لأن ما يتطلع إلى تحقيقه ليس خياليا أو هلاميا بل هو صورة واضحة المعالم، كأن يتخيل شخص نفسه وزيرا أو سفيرا أو مديرا عاما أو طبيبا أو مهندسا أو تاجرا أو رئيس قسم أو مديرا.
والملاحظ أن هناك اعتقادا شائعا بين الناس وهو أصحاب الرؤى هم فقط من ذوي الطموحات العليا، وهو اعتقاد خاطئ لأن الرؤية تختلف من شخص إلى آخر فهي في التعريف الإداري 'صورة ذهنية للمستقبل المنشود' بغض النظر عن طبيعة العمل، فقد ترى موظفة في ريعان شبابها، مثلا، نفسها رئيسة لقطاع معين أو سفيرة أو وكيلة وزارة وتعمل جاهدة لتحقيق هدفها، فتكون أنشطتها اليومية منصبه في هذا الاتجاه. وأذكر أن وكيل إحدى الوزارات أخبرني أنه حقق هدفا رئيسيا في حياته وهو أن يصبح وكيل الوزارة التي يعمل فيها، ونجح بالفعل في تحقيق مراده، إذ كانت له رؤية واضحة.
وصدق الشاعر حين قال:
أعلل النفس بالآمال أرقبها
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
ممارسة ما يجب
ما أبعد النجاح عن فرد يعمل في مجال لا يحبه. فكم من مسؤول بلغ سن التقاعد في عمل لا يحبه فعاد ليعمل في مجال جديد بعد تقاعده لطالما تمنى العمل فيه، ولكن بعد أن ضيع فورة نشاطه وهو في سن الشباب. ولذا فإن الإنسان في مقتبل عمره أو منتصفه، لابد أن يقتنص فرصة العمل في مجال يحبه، ليكون إنتاجه وسعادته في أوجهما.
وما قصة صاحب الخلطة السرية لدجاج كنتاكي إلا مثال صريح على أن الإنسان عندما يحب شيئا، حتى وإن كان في حدود المطبخ، فإنه يستطيع تحقيق نجاح مادي ومعنوي يستحق الإشادة. فكنتاكي كان يطوف على المطاعم ليقدم الخلطة السرية للدجاج المتبل ولكنهم كانوا يقابلونه برفض تبني خلطته وإعطائه أي مقابل مادي لقاءها، حتى جاء اليوم المنتظر لتحقيق حلمه فيما يحبه ويحسنه فحقق نجاحا باهرا عندما وصلت سلسلة محلاته إلى شتى أرجاء المعمورة، وصارت صورته الجميلة بلحيته البيضاء القصيرة شاهدا على حب هذا الشخص وتفانيه وصدقه في تحقيق هدفه. ولم يهدأ له بال حتى نشر إمبراطوريته الغذائية بمذاقها اللذيذ في كل مكان حتى صار اسمه أشهر من أسماء دول عديدة!
المثابرة
الشعب الياباني من أكثر الشعوب التي اشتهرت بالمثابرة. والمثابرة أحد العوامل التي ساهمت في نجاح اليابانيين على مختلف الأصعدة برغم حروبهم الطاحنة وتداعياتها. والمثابرة تتحقق بثلاثة عناصر وهي: العزيمة والإصرار وعدم التذمر من الظروف المحيطة. ويقول السفير عبد الفتاح شبانة في كتابه 'اليابان العادات والتقاليد وإدمان التفوق': 'علمت الزلازل المتكررة الشعب الياباني -منذ القدم- ألا يقاوم الطبيعة وأن يتعايش معها ويتقبل في هدوء جموحها، ويقرر علماء الاجتماع أن هذه الصفة لا تعتبر روحا انهزامية ولكنها وسيلة للبقاء، ويشبهون ذلك بأعواد البامبو التي تنحني للعاصفة، وبذلك تتفادي الكسر والاقتلاع'(1) ويشير النبي صلى الله عليه وسلم إلى صبر الإنسان على نوائب الدهر وما يعترضه من عوارض في مسيرة الحياة حينما قال: 'مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع (أي القصبة اللينة)، تفيؤها الريح مرة (أي تميلها) وتعدلها مرة، ومثل المنافق كمثل الأرزة (شجرة الصنوبر)، لا تزال حتى تكون إنجفافها (أي الاقتلاع) مرة واحدة' (صحيح الجامع)
وقال ابن القيم -رحمه الله- عن روح المثابرة: 'قد أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يدرك بالنعيم، وأن من آثر الراحة فاتته الراحة، وأن بحسب ركوب الأهوال واحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة، فلا فرحة لمن لا هم له، ولا لذة لمن لا صبر له، ولا نعيم لمن لا شقاء له، ولا راحة لم لا تعب له'.