في الرواية الشهيرة "ملائكة وشياطين" يتلقى عالم الرموز الدينية "روبرت لانجدون" اتصالا هاتفيا في الخامسة فجرا جعل كل حواسه في حالة من اليقظة التامة , لقد عادت الطبقة المستنيرة , وصارت تهدد العالم.


وعبر أكثر من 560 صفحة يحدثنا مؤلف الرواية "دان براون" عن العالم الغامض والمثير للطبقة المستنيرة , تلك الطائفة التي ضمت أشهر علماء العالم منذ القرن السادس عشر , ودخلت في صراع مع الكنيسة الكاثوليكية , صراع حياه أو موت , صراعا اعتبره البعض حربا بين العلم والدين , حيث كان الفاتيكان حينها يرفض نظريات العلم بحجة أنها تتعارض مع نصوص الكتاب المقدس , ولمحاولة إسكات العلماء لجأ الفاتيكان إلي أسلوب الإرهاب , يفرض على بعضهم الإقامة الجبرية .. يسجن .. يحرق .. يغرق .. يمثل بالجثث.


والآن ونحن في القرن العشرين تعود الطبقة المستنيرة من جديد , وتستخدم العلم للانتقام من الفاتيكان بتفجيره بـ"المادة المضادة" التي تمكنها أن تمحي مدينة كاملة في غمضه عين.
سافر "لانجدون" إلي أوروبا , ودخل إلي المختبر الأوروبي للفيزياء والجزيئات "CERN "الذي يقع على الحدود بين فرنسا وسويسرا , وتقابل مع مديره "كوهلر" , وخلال تجولهما في المختبر يشير "كوهلر" إلي أن أحد علماء المختبر هو صاحب الفضل في اختراع شبكة الإنترنت , وحينما يتساءل لانجدون: لماذا لا يسعى المركز إلي إثبات أنه مخترع الإنترنت وليس أمريكا ؟ يأتي رد مدير المركز بأن الإنترنت أحد الاختراعات البسيطة مقارنة بما يقوم به علماء المركز.



عند هذه المعلومة نتوقف: أليست أمريكا هي مخترعة الإنترنت؟ دعونا نحاول معرفة الإجابة من خلال السطور التالية.
بعد الحرب العالمية الثانية بدأ الصراع الخفي بين العالم الغربي بقيادة الولايات المتحدة والكتلة الشرقية بزعامة الاتحاد السوفيتي , وُعرف ذلك الصراع بـ"الحرب الباردة" .. وهي حربا غير مباشرة بالمدفع والصاروخ , وإنما هي حربا في العلم وبالعلم , كل طرف يحاول أن يظهر عضلاته العلمية أمام الآخر , واتخذا سويا باقي دول العالم ساحة للمواجهة الحربية غير المباشرة.



وفي عام 1957 أطلق الاتحاد السوفيتي أول قمر صناعي Sputnik. وهو ما أثار عاصفة في الولايات المتحدة التي ردت بتأسيسAdvanced Research Project Agency بتمويل من وزارة الدفاع الأمريكية , أي وكالة مشروع الأبحاث المتطورة , وتعرف اختصارا بـاسم (ARPA) , وكان لتلك الوكالة الفضل في اختراع الإنترنت.



في عام 1969 فكرت وزارة الدفاع الأمريكية في تأمين الاتصالات بين قوات الجيش في حالة تعرضه لهجوم خارجي , فقد كانت تمتلك أجهزة كمبيوتر موزعة في طول البلاد وعرضها , متصلة ببعضها البعض , بمعني أن الكمبيوتر الأول مرتبط بالثاني والذي يترتبط بالجهاز الثالث وهذا يرتبط بالجهاز الرابع وهكذا.


هنا شعرت وزارة الدفاع بالخطر , فلو أضير جهاز واحد فلن تتصل باقي الأجهزة ببعضها البعض , فالسلسلة التي تربطهم قد انكسرت.



فكر أحد العاملين في وزارة الدفاع , وهو هنا غير معروف , في الاستغناء عن الربط السلسلي واستخدم أسلوب أخر يعرف بـ"الربط ألعنكبوتي" , بمعني أن يكون الجهاز الواحد مرتبط بجميع الأجهزة في نفس الوقت , وبالتالي إذا أصيب جهاز فأن باقي الأجهزة تكون قادرة على التواصل.


كل ذلك فى إطار ما يعرف اصطلاحاً اليوم بشبكة الإنترانت Intra-net نظراً لكونها شبكة داخلية مغلقة على عدد محدود من أجهزة الحاسب الآلي.


أطلقت وزارة الدفاع على هذا المشروع "أربا نت" ARPA وهي اختصار للجملة الانجليزية The Advanced Research Project Administration وتعني "إدارة مشروعات البحوث المتطورة".


وظل الإنترنت منذ إنشائه على يد وزارة الدفاع الأمريكية وحتى أوائل التسعينات مقصورا على نطاق محدود , تستخدمه الجامعات ومؤسسات الأبحاث. ولم يتم استخدامه بشكل واسع رغم توافر التطبيقات الأساسية والمبادئ التوجيهيةالتي تجعل من استخدام الإنترنت أمرًا ممكنًا ومتاحًا , حتى جاء يوم 6 أغسطس عام 1991 ، وتم نشر مشروع الشبكة العالمية "الويب" والتي تم اختراعها من قبل العالم الإنجليزي "تيم بيرنرز لي" في عام 1989 في المختبر الأوروبي للفيزياء والجزيئات "CERN ".


ومن يومها وتزايدت جماهيرية تلك الخدمة وباتت مقصدًا ووسيلة أساسية لكبرياتالشركات والمؤسسات بل والدول قبل الأفراد لكونها سلعة تتاح للجميع ويسهللأي شخص الوصول إليها .



ولماذا هي عنكبوتية ؟ لأنها تعتمد على النصوص المترابطة .. بمعني انك كلما ضغطت على رابط تدخل على صفحة أخري , وتلك تحيلك إلي غيرها .. لقد وقعت يا عزيزي في بيت العنكبوت!!.


اشراقه :



معظم الناس يفضلون الموت على التفكير... وفي الحقيقة فإن هذا ما يفعلونه... برتراند راسل