موقوف
- معدل تقييم المستوى
- 0
قوة الكلمات وتأثيرها على العقل .. ؟؟
[SIZE=أكاديمي]قوة الكلمات وتأثيرها على العقل .. ؟؟
يمكن للكلمات أن تُشفي أو تؤذي، ولا يتطلّب الأمر منّا سوى بضع ثوان لإثبات هذه الحقيقة العصبية. أوّلاً، لنسأل أنفسنا هذا السؤال:
ما مدى شعورك بالاسترخاء أو التوتر في هذه اللحظة ..؟؟
ثانياً، استرخ بقدر ما تستطيع. خذ ثلاثة أنفاس عميقة وتثاءب بضع مرّات، لأنّ هذه هي إحدى أكثر الطرق فعّالية لتقليل الإجهاد الفيزيائي، والعاطفي، والعصبي.
الآن، مدّ ذراعَيك فوق رأسك، وأنزلهما إلى جانبيك، وهزّ يديك. أدِر رأسك بلطف لإرخاء العضلات في عنقك وكتفيك، ثمّ خذ ثلاثة أنفاس عميقة أخرى. افحص جسدك: هل تشعر أنّه أكثر استرخاءً أو توتّراً..؟؟
والآن افحص عقلك:
هل تشعر أنّه أكثر تنبُّهاً، أو تعباً، أو هدوءاً..؟؟
لقد مارست لتوّك الاستراتيجية الأولى في مقاربة التواصل التعاطفي. لاحقاً، سنشرح كيف تغيِّر هذه الأفعال الصغيرة دماغك وستحثّ حوارات فعّالة أكثر مع الآخرين. ولكن بالنسبة إلى هذه التجربة، نريدك أن تبقى مسترخياً قدر الإمكان كي تتمكّن من ملاحظة التغيّرات العاطفية الدقيقة التي تحدث عندما ترى السلسلة الأولىالآتية من الكلمات. ولهذا خذ نفساً عميقاً آخر وركّز انتباهك على اللحظة الحالية.
لا.
لا.
لا.
لا!
لا!!
لا!!!
كيف كان ردّ فعلك عندما رأيت هذه الكلمات..؟؟
هل ارتفع حاجباك..؟؟
هل شعرت بانشداد في عضلاتك..؟؟
هل أظهر وجهك ابتسامةً أو انقباضاً..؟؟
لو كنت في هذه اللحظة تخضع لمسح MRI (تصوير الرنين المغنطيسي الوظيفي) – ضخم على شكل دونات يمكنه أن يصوّر فيديوياً التغيّرات العصبية الحادثة في دماغك – لكنّا سجّلنا، في أقلّ من ثانية، زيادةً كبيرة في النشاط في لوزتك الدماغية amygdale وإطلاقَ دزينات من هرمونات الإجهاد والناقلات العصبية. تعيق هذه الكيماويات على الفور الوظيفة الطبيعية لدماغك، خصوصاً تلك المرتبطة بالمنطق، والتفكير، ومعالجة اللغة، والتواصل.
كلّما ركّزت على الكلمات والأفكار السلبية لفترة أطول، ازدادت إمكانية إتلافك فعلياً للتراكيب الرئيسية التي تنظّم الذاكرة، والمشاعر، والعواطف (الانفعالات). ستشوِّش نومك، وشهيّتك، والطريقة التي ينظّم بها دماغك السعادة، وطول العمر، والصحة.
ذاك هو الحدّ الذي يمكن أن تبلغه قوة كلمة أو عبارة واحدة سلبية. وإذا عبّرت عن سلبيتك بالألفاظ، فإنّ المزيد من كيماويات الإجهاد ستُطلَق، ليس فقط في دماغك، بل أيضاً في دماغ المستمع إليك. سيختبر كلاكما قلقاً متزايداً ونزقاً، وسيولِّد هذا انعدام ثقة متبادلاً، ليُضعِف بالتالي القدرة على بناء تعاطف وتعاون بينكما. يحدث الشيء نفسه في دماغك عندما تستمتع إلى جدالات على الراديو، أو ترى مشهداً عنيفاً في فيلم. يتبيّن أنّ الدماغ لا يميِّز بين الحقائق والأوهام عندما يعي حدثاً سلبياً. بدلاً من ذلك، هو يفترض أنّ هناك خطراً حقيقياً في العالم.
إنّ أيّ شكل من التفكير السلبي – على سبيل المثال، القلق بشأن صحتك أو مستقبلك المالي – سيُحفّز باستمرار بشأن الاحتمالات السلبية وتُمعِن التفكير على الدوام بمشاكل حدثت في الماضي، فقد تكون نتيجتك في النهاية إثباتية في اختبار الاكتئاب السريري. والأمر صحيح أيضاً بالنسبة إلى الأولاد: كلّما ازدادت أفكارهم السلبية، كانوا أكثر احتمالاً لأن يختبروا اضطراباً عاطفياً. ولكن إذا علّمتهم أن يفكّروا بإيجابية، فبإمكانك أن تغيّر مجرى حياتهم نحو الأفضل.
التفكير السلبي ذاتي الإدامة أيضاً: كلّما تعرّضت له أكثر – من قِبَلك أو من قِبَل أنّ الدماغ البشري يبدو مالكاً لقدرة فريدة على تمضية وقت أكثر في القلق مقارنةً بأيّ مخلوق آخر على الأرض. وإذا جلبت تلك السلبية إلى كلامك، فبإمكانك أن تجرّ كل من حولك إلى حلزون متّجه إلى الأسفل يمكنه في النهاية أن يقود إلى العنف. وكلّما دخلت أكثر في حوارات سلبية – في البيت أو في العمل – أصبح التوقُّف عن ذلك أمراً أكثر صعوبة.
- كلمات مخيفة:
تُرسِل الكلمات الغاضبة رسائل إنذار خلال الدماغ، وتُغلِق جزئياً مراكز المنطق والتفكير الواقعة في الفصَّين الجبهيَّين. ولكن ماذا عن الكلمات المخيفة؛ كلمات مثل الفقر، والمرض، والوحدة، والموت..؟؟
تُحفِّز هذه الكلمات أيضاً مراكز عديدة في الدماغ، ولكنّ تأثيرها مختلف عن الكلمات السلبية. إنّ ردّ فعل المواجهة أو الهروب المُستحَثّ بواسطة اللوزة، يجعلنا نبدأ بتخيُّل نتائج سلبية، ثمّ يشرع الدماغ في التدرُّب على استراتيجيات معاكِسة محتملة، قد، أو قد لا، تحدث في المستقبل.
بتعبير آخر، نحن نرهِق أدمغتنا بإمعان التفكير بخيالات مخيفة.
عن نحوٍ مثير للفضول، يبدو أننا ميّالون فطرياً لأن نقلق؛ ربما نِتاجٌ صُنعي من الذكريات القديمة، المحمولة إلينا من زمن أسلافنا حين كانت هناك تهديدات لا تُحصى لبقائنا. ومع ذلك، فإنّ معظم المخاوف التي تنتابنا اليوم لا تُعتبر حقيقةً تهديدات جدّية، ولهذا علينا أن نتعلّم كيف نعيد تدريب دماغنا بمقاطعة الأفكار والمخاوف السلبية غير العقلانية. بإعادة توجيه إدراكنا نحو هدف إيجابي، وبناء إحساس قوي بالإنجاز، نحن نقوّي مناطق في فصّنا الجبهي تكبح قدرتنا على التفاعل مع المخاوف الخيالية. نحن لا نبني فقط دوائر عصبية ترتبط السعادة، والقناعة، والرضا عن الحياة، بل نقوّي أيضاً دوائر محدّدة تعزِّز إدراكنا الاجتماعي وقدرتنا على التعاطف مع الآخرين. هذه هي الحالة المثالية التي يمكن فيها للتواصل الفعّال أن يزدهر.
- مقاطعة الأفكار والمخاوف السلبية:
من أجل مقاطعة (إعاقة) هذه النزعة الطبيعية للقلق، يمكن اتّخاذ عدّة خطوات. أوّلاً، اسأل نفسك هذا السؤال: "هل يشكِّل الوضع تهديداً بالفعل لبقائي الشخصي؟" الإجابة دائماً تقريباً هي "لا". إنّ فصوصنا الجبهية الواسعة الخيال ولكن غير الواقعية تتوهّم فقط حدثاً كارثياً.
الخطوة التالية هي أن تعيد صياغة فكرة سلبية إلى أخرى إيجابية. بدلاً من القلق بشأن وضعك المالي – الذي لن يكون له أيّ تأثير على دخلك – فكِّر في طرق يمكنك بها توليد المزيد من المال، وأبقِ ذهنك مُركِّزاً على الخطوات التي تحتاجها لتحقيق أهدافك الماليّة.
الأمر صحيح أيضاً بالنسبة إلى العلاقات الشخصية. على سبيل المثال، إذا كنت من ذلك النوع من الناس الذي يقلق بشأن رفض الآخرين له أو فهمهم له بشكلٍ غير صحيح، عليك أن تحوِّل تركيزك إلى تلك الصفات التي تُعجبك حقاً في نفسك. ثمّ، عندما تتكلّم مع الآخرين، تحدّث عن الأشياء التي تحبّها فعلاً وتقدرها بعمق. ولا تتكلّم عن كل مشاكلك الشخصية أو الكوارث التي تحصل في العالم، لأنّها ستوقعك في شرك مشاعر عدم الثقة بالذات والتزعزع.
كلّما كنّا أسرع في مقاطعة تفاعل اللوزة الدماغية مع التهديدات الحقيقية أو الخيالية، كنّا أسرع أيضاً في توليد شعورٍ بالأمان وحُسْن الحال وفي القضاء على إمكانية تشكيل ذكرى سلبية دائمة في دماغنا. بتغيير اتجاه لغتنا من القلق إلى التفاؤل، نحن نزيد إمكاناتنا للنجاح في بلوغ أيّ هدف واقعي نريده حقاً إلى الحدّ الأقصى.
- تشكِّل الكلمات الحقيقة التي نفهمها:
تحب الأدمغة البشرية أن تُمعِن التفكير بالخيالات السلبية، كما أنها تستجيب للخيالات الإيجابية والسلبية كما لو كانت حقيقية. يستفيد صانعوا الأفلام من هذه الظاهرة طوال الوقت. عندما يقفز الوحش الأخضر ذو الثلاث عيون من الخزانة، نحن نقفز من مقاعدنا. وهذا ما يجعل الكوابيس مخيفة جدّاً للأولاد، الذين لم تتطوّر أدمغتهم بعد إلى حدّ التمييز الواضح بين الحقيقة والخيالات المستندة إلى اللغة.
وما يزيد الأمر سوءاً أنّ هذه الأفكار الخيالية تصبح حقيقةً أكثر كلّما زاد انفعالنا. ولكنّ الخيال هو شارع ثنائي الاتجاه. إذا ركّزت بشدّة على كلمة مثل الحب أو السلام، فإنّ المراكز العاطفية في الدماغ تهدأ. لم يتغيّر العالم الخارجي أبداً، ولكننا مع ذلك نشعر بمزيد من الأمان والطمأنينة. هذه هي القوة العصبية للتفكير الإيجابي، وقد دُعِمت حتى اليوم بمئات الدراسات الجيِّدة التصميم. والواقع أنك إذا تدرّبت فقط على البقاء مسترخياً، كما طلبنا منك أن تفعل في بداية هذا الموضوع، وركّزت تكراراً على كلمات وصور إيجابية، فإنّ القلق والاكتئاب يتناقصان ويقلّ عدد الأفكار السلبية اللاواعية.
عندما يعلِّم الأطباء والمعالجون المرضى أن يعيدوا صياغة الأفكار والمخاوف السلبية إلى توكيدات إيجابية، فإنّ عملية التواصل تتحسّن ويستعيد المريض الثقة والسيطرة على النفس. بالفعل، إنّ مجرّد رؤية لائحة من الكلمات الإيجابية لبضع ثوانٍ من قِبَل شخص مكتئب أو قلق للغاية ستجعله أفضل شعوراً، ومن شأن الناس الذين يستخدمون كلمات إيجابية أكثر أن تكون لهم سيطرة أكبر على التنظيم العاطفي.
- إيجابية متنامية:
يمكن لكلمات إيجابية معيّنة – مثل السلام أو الحب – أن تمتلك فعلياً القوة لتغير تعبير الجينات في كامل أنحاء الدماغ والجسم، بحيث تُشغِّلها أو تُوقِفها بطرق ستخفض مقدار الإجهاد الفيزيائي والعاطفي الذي نختبره عادةً طوال اليوم. ولكن بالنسبة إلى الأطفال، فإنّ هذه الأنواع من الكلمات لا يمكن استيعابها بأدمغتهم التي لم يكتمل نموّها بعد. لا يملك الأولاد الصغار القدرة العصبية للتفكير بمصطلحات مجرّدة، ولهذا فإنّ الكلمات الأولى التي يتعلّمونها ترتبط بصوَر وأفعال بسيطة ملموسة. يمكن لأفعال مثل يركض أو يلعب أن ترتبط بسهولة بصوَر بصرية؛ ولكنّ أفعالاً مجرّدة مثل يحب أن يشارك تتطلّب نشاطاً عصبياً أكثر بكثير ممّا يستطيع دماغ طفل صغير أن يحتمله.
يتطلّب الأمر المزيد حتى من المعالجة العصبية عند استخدام مفاهيم مثل السلام أو الحنوّ. الاختبار سهل. انظر كم من الوقت يلزمك لتتصوّر كلمة طاولة. تستطيع في أقلّ من ثانية أن تستوعب شكلها ووظيفتها، وبإمكانك أن تراها في عين عقلك. والآن فكّر في كلمة عدالة. ستدرك أنها تحتاج إلى وقت أطول بكثير لتعيِّن صورة لها، وبالنسبة إلى معظم الناس، سيتخيّلون الصورة المعروفة لإمرأة تحمل ميزاناً. من الواضح أنّ للعدالة معنىً أعقد بكثير ممّا يمكن للصورة أن تنقله، ولهذا السبب نجد أنّ القليل جدّاً من الناس يمكنهم أن يتّفقوا على معنى هذا المفهوم الهامّ. تضع الكلمات المجرّدة عبئاً أكبر على مناطق عديدة في الدماغ، بينما تتطلّب الكلمات الملموسة نشاطاً عصبياً أقل.
قد تكون الأفكار المجرّدة أساسيةً لحلّ المشاكل المعقّدة، ولكنها تُبعدنا أيضاً عن المشاعر الأعمق، خصوصاً تلك اللازمة لتوثيق علاقاتنا بالآخرين. والواقع أنّ بعض الناس يمكن أن ينغمسوا جدّاً بالمفاهيم المجرّدة بحيث إنّهم يفقدون جزئياً الاتصال بالعالم الواقعي. الحب مثال نموذجي لأننا نستطيع بسهولة أن نُسقِط أفكارنا المثالية على شريك محتمَل، وهكذا نُعمي أبصارنا عن عيوب الشخص الآخر. لماذا يستغرق الأمر منا سنوات عديدة لنكتشف ما يعنيه الحب حقيقةً؟ يقدِّم لنا علم الأعصاب إجابةً: يتبيّن أنّ التعبير عن الحب يتمّ من خلال واحدة من أعقد مجموعات الدارات الكهربائية المعيَّنة في الدماغ البشري. وبالتالي فإنّ لغة الحب قد تكون أكثر عمليات التواصل تعقيداً.
يمكن للمفاهيم المجرّدة أن تكون أيضاً مصدراً لسوء التواصل والنزاع لأنّنا نادراً ما نشرح للآخرين ما تعنيه لنا تلك المصطلحات المعقّدة. بدلاً من ذلك، نحن نرتكب خطأً بافتراض أنّ الآخرين يفهمون كلماتنا كفهمنا لها.
نصيحتنا:
عندما يَرِد مفهومٌ مُجرَّدٌ هامّ في الحديث، خذ بضع دقائق لتستكشف ما يعنيه لكلّ منكما. لا تأخذ كلماتك أو كلمات الشخص الآخر كأمرٍ مُسلَّم به. عندما تُنفِق بعض الوقت في الحديث عن قِيَم واعتقادات هامّة، سيساعد هذا كليكما على تجنّب أيّ خلافات أو ارتباكات لاحقة.
المصدر: كتاب (الكلمات وتأثيرها على العقل، 12 استراتيجية تحادثية لبناء الثقة، وحلّ الخلافات، وزيادة المودّة)[/SIZE]
المفضلات