كتب حسن عبدالله:


في ظل الارتباك القيمي السائد بين شبابنا حتى وسط الكثيرين منا صغارا وكبارا، وفي ظل عدم وجود فهم أو تعريف واضح لمفهوم الهوية، وفي اطار تناقض المناهج التربوية، سواء المحلية او الوافدة، يطل المنهج النبوي في تربية الطفل المسلم كحل للمشاكل التربوية فهذا المنهج الذي أرسى دعائمه نبينا العربي الكريم صلوات الله وسلامه عليه يسير في التربية مع الأبوين منذ ولادة الطفل حتى استقلاله بنفسه وقيامه بشؤون حياته.


ولأنه منهج شامل متكامل فهو يعالج كل جوانب شخصية الطفل المسلم، سواء التعليمية او التربوية او النفسية وهذا ما نستكمله مع عدد من الباحثين في مجال الإعجاز للقرآن والسنة بالمجلس الأعلى للشؤون الاسلامية في مصر ومنهم د.فادية السيد الاستاذة بكلية تربية المنصورة ود. محمود عثمان الاستاذ بكلية اصول الدين ود.عبدالباسط محمد سيد وغيرهم.


¼ ما القواعد الاساسية التي يقوم عليها منهج التربية النبوية؟


ـ بعد رصد هذه الاساليب تبين انها تنقسم الى ثمانية اسس يتفرع عن كل واحد منها قواعد اساسية في الاساليب التربوية النبوية للاطفال.


فالأساس الرئيسي الاول: موجه الى الوالدين والمربين، وماذا عليهم أن يلتزموه من قواعد، وذلك لضبط سلوكهم، وأفكارهم.


واما الاساس الثاني: فهو أسس الأساليب الفكرية الموثرة، التي يستطيع المربون والوالدان ان ينفذوا من خلالها الى فكر الطفل، وعقله، وتثبيت الأفكار لديه، وتنمية مداركه العقلية، وبناء شخصيته.


وأما الأساس الثالث: فهو أسس الأساليب النفسية المؤثرة، التي يستطيع المربون والوالدان الدخول الى نفس الطفل، وللتأثير فيه، وتنمية ثقته بنفسه، وبنائها نحو كمال أفضل.


وأما الأساس الرابع: فهو أسلوب الترغيب في بر الوالدين، والترهيب من عقوقهما، ونكرر هنا ضرورة مراجعة الوالدين بر والديهم، لأن البر يسري في الحال،


والعقوق تنتقل عداوة الى الأبناء، وفاقد الشيء لا يعطيه، وباب بر الوالدين واسع وكبير جدا، فمهما يقدم المرء لوالديه فهو مقصر، وشعوره بالتقصير دعوة له للاستزادة من بر الوالدين.

وأما الأساس الخامس فهو أسلوب تأديب الطفل.

¼ ماذا عن الأساس الأول وهو: القدوة الحسنة؟

ـ اخرج احمد عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: «من قال لصبي تعال هاك، ثم لم يعطه، فهي كذبة» والأطفال بمراقبتهم لسلوك الكبار، فإنهم يقتدون بهم، فإن وجدوا أبويهما صادقين سينشؤون على الصدق، وهكذا في باقي الأمور وهذا الطفل ابن عباس رضي الله عنهما عندما شاهد امامه من يقوم الليل، فإنه يسارع لذلك، ويلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بت عند خالتي ميمونة ليلة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان في بعض الليل، قام رسول الله فتوضأ من شن معلق وضوءا خفيفا، ثم قام يصلي، فقمت، فتوضأت نحوا مما توضأ، ثم جئت فقمت عن يساره، فحولني، فجعلني عن يمينه، ثم صلى ماشاء الله.. الحديث.

فقد توضأ الطفل على نحو مارآه، ثم وقف يصلي،، وهكذا تكون القدوة الحسنة المؤثرة في الطفل.

والأساس الثاني ـتحين الوقت المناسب «لا بأس، ولينصر الرجل أخاه ظالماً أو مظلوماً، إن كان ظالماً فينهه فإن هذا له نصر، وإن كانوا مظلوماً فلينصره».

روى مسلم عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ـصلى الله عليه وسلمـ «إن المقسطين عند الله على منابر من نور، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وماولوا».

أما الأساس الرابع وهو الاستجابة لحقوق الأطفال:

فإن إعطاء الطفل حقه، وقبول الحق منه، يغرس في نفسه شعوراً ايجابياً نحو الحياة، ويتعلم ان الحياة اخذ وعطاء، كذلك فإنه تدريب للطفل على الخضوع للحق.

فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذن غلاماً على يمينه لكي يتنازل عن حقه ليعطيه الكبير، الذي على يساره، فإذا بالطفل لا يؤثر سؤر رسوالله ـ اي موضع شرابه ـ على نفسه لاحد ابداً، فيعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم الاناء ليشرب ويهنأ في الاستمتاع بحقه. اخرج البخاري ومسلم عن سهل بن سعد رضي الله عنه: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اتى بشراب، فشرب منه، وعن يمينه غلام وعن يساره الاشياخ، فقال لغلام: «أتأذن لي ان اعطي هؤلاء؟» فقال الغلام: لا، والله يا رسول الله! لا أوثر بنصيبي منك احداً، فتله (أي: وضعه) رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم في يداه وزاد رزين: «والغلام: الفضل بن العباس».

وعندما يتقدم احد الاطفال معترضاً لشعوره يغبن حقه ـ الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل معركة احد، ويقول لحبيبه، ومصطفاه: يا رسول الله! لقد قبلت ابن عمي في دخول المعركة، وأنا ان صارعته صرعته، فيأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما بالصمارعة امامه، واذا به يفوز على ابن عمه، ويصرعه، فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم الا ان اذن ليكون جندياً مسلماً في قتال المشركين.

فهل هناك شخص في الدنيا اعلى مكانة ومنزلة، وارفع جاهاً، واكثر جنوداً وتابعين افضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

كلا.. وألف كلا.. فهو قبل الحق من الصغير، وهو علمنا ووجهنا أن نقبل الحق من الصغير دون تكبر، او استعلاء، او تعجرف على الصغير.

ومن حق الطفل ان يصبح اماماً، وقائداً، اذا كان عالماً قارئاً على من يكبره بالعلم، والمعرفة: روى الامام عبدالرزاق في مصنفه عن مهاجر بن حبيب الزبيدي قال: اجتمع ابو سلمة بن عبدالرحمن وسعيد بن جبير لأبي سلمة: حدث فإنا سنتبعك، قال ابو سلمة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان ثلاثة في سفر فيؤمهم اقرؤهم، وإن كان اصغرهم، فإن امهم فهو اميرهم «قال ابوسلمة: فذاكم امير امره رسول الله صلى الله عليه وسلم».

وقد سار السلف على قبول الحق من الصغير مهما يكن نوعه.

فهذا ابو حنيفة ـ رحمه الله ـ اتعظ بمقالة طفل صغير، حينما رأى الإمام الطفل يلعب بالطين، فقال للطفل: اياك والسقوط في الطين، فقال الغلام الصغير للامام الكبير: إياك انت من السقوط، لأن سقوط العالم سقوط العالم، فما كان من ابي حنيفة الا ان تهتز نفسه لهذه المقولة، فكان لا يخرج فتوى ـ بعد سماعه هذه المقالة من الطفل الصغير ـ الا بعد مدارستها شهراً كاملاً مع تلاميذته.

وهذا عمر بن عبدالعزيز لما ولي الخلافة وبدأت الوفود تزوره لتهنئه بالمنصب الجديد، تقدم احد الوفود غلام صغير ليتكلم باسم الوفد، فقال الخليفة عمر: أما وجد القوم من هو اسن منك ليتكلم؟! فقال الغلام: يا أمير المؤمنين! لو كان الامر في كبر السن لكان من هو اكبر منك في مقامك هذا.. يا امير المؤمنين! اما علمت ان المرء بأصغريه: لسانه وقلبه؟!.

فقال الخليفة عمر: عظني يا غلام! فوعظه حتى ابكاه.

¼ وماذا عن الاساسين الخامس والسادس في منهج التربية النبوية؟

ـ الاساس الخامس هو الدعاء فهو من الاركان الرئيسية التي يخاطب بها الوالدان لالتزامه.. وتحين لحظات الاجابة التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ دعاء الوالدين مستجاب عند الله تعالى، فالبدعاء تزداد شحنة العاطفة وقوداً، وتتمكن الرحمة والرأفة من قلبي الوالدين.

وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الآباء والامهات ان يدعوا على اولادهم، لأن هذا مناف للخلق الاسلامي ويخالف التربية النبوية للتوجيه وان الرسول صلى الله عليه وسلم كان دقيق النظر الى تحين الزمان والمكان المناسبين لتوجيه الطفل والاستفادة منهما في تلقين الطفل الافكار وتصحيح سلوكه الخاطئ، وبناء سلوك سليم صحيح.

وقد قدم النبي صلى الله عليه وسلم لنا ثلاثة اوقات اساسية في توجيه الطفل، هي:

ـ1 النزهة، والطريق، والمركب: فحديث ابن عباس رضي الله عنهما الذي رواه الترمذي قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً، فقال: «يا غلام!...» الحديث.

يدل على ان هذه التوجيهات النبوية كانت في الطريق وهما يسيران اما مشياً على الاقدام او سيراً على الدابة.

حتى ان الرسول صلى الله عليه وسلم ليحتمل احد الاطفال في الطريق سرا من اسراره لكي يحفظه وما ذلك الا لقوة تأثر الطفل للتلقى في مثل هذه الاوقات.