"لما الكبار يتكلموا الصغيرين يسكتوا".. جملة سمعها أغلبنا في طفولتنا، لكن هل هذا الأمر كان صحيحاً من الناحية التربوية أم لا؟ بعض الأطفال يحبون أن يجلسوا مع الكبار ويتدخلوا في أحاديثهم بالأسئلة أو التعليقات، ويفاجئون أهاليهم بكلام جرئ وأفعال غير متوقعة. ويشعر الأب والأم أحياناً بالخضة من ذلك. ما حدود الجرأة المقبولة؟ وكيف يرشد الأبوان تلك الجرأة؟
الفضيلة وسط بين رذيلتين

تعلمنا زمان في الفلسفة أن الفضيلة وسط بين رذيلتين، وفضيلة "الجرأة" وسط بين رذيلتي "الخجل" و"الاندفاع"
دعونا نحكم على سلوك الطفل وكلامه بمعيارين:

هل محتوى ما يقوله/ يفعله الطفل مقبول؟
هل أسلوبه في القول/ الفعل مهذب؟
إذا كانت الإجابة على السؤالين السابقين بالإثبات، فليس هناك مشكلة حتى لو كان ما يقوله الطفل غير تقليدي أو غير مألوف بالنسبة إلينا. أما المشكلة فهي عندما يكون ما يقوله الطفل غير مقبول (غير مناسب لسنه، خارجاً عن الأدب، سراً، ..الخ)، أو كان أسلوبه خارج عن الأدب (يشتم، يرفع صوته، يسخر، يتكلم مع الأكبر منه بدون احترام، ...الخ)
مثال:
عندما تطلبين من ابنك أن يفعل شيئاً، ويسألك "لماذا؟" أو يقترح فعله بطريقة تختلف عن طريقتك، فهنا محتوى سلوك وكلام الطفل مقبول، فإذا كان يفعل ذلك بأدب أيضاً تكون هذه جرأة وليست اندفاعاً، وبالتالي تكون مقبولة.


ترشيد الجرأة حتى لا تصبح اندفاعاً

عندما نعود إلى سير العظماء نجد أن بعضهم قادوا جيوشاً ولم يجاوزوا العشرين من عمرهم، قادوا جيوشاً تضم قادة عظاماً وأكبر سناً، قادوها ونجحوا. وهذا بالطبع لم يأتِ من فراغ ولم يحدث فجأة، ولكن مؤكد أن كان له جذور من الطفولة. لقد كان هؤلاء في صباهم يجالسون الكبار ويستمعون إلى أحاديثهم، ويناقشونهم ويختلفون معهم في الرأي وأحياناً كانت وجهة نظرهم الأصح ولكن ما كان يميزهم هو أدب الحديث.

فكيف تنمين الجرأة وتعالجين الاندفاع؟

عندما يسأل ابنك أو يختلف معكِ أو مع شخص أكبر منه في الرأي شجعيه على ذلك، فنحن نريد أن نربي أبناء مستقلين في التفكير يتمسكون بمبادئهم ولا ينقادون لأي قول من أي شخص. علميه أدب الاختلاف: التحدث بالأسلوب المناسب وفي الوقت المناسب، وكوني قدوة له في ذلك.
هناك مناقشات أو موضوعات لا يصح أن يسمعها الأطفال أو يشاركوا فيها لأنها لا تناسب سنهم مثلاً كأمور جنسية أو مشاكل زوجية...الخ. احرصي على عدم فتح مثل هذه الموضوعات أمام أبنائك.
إذا فوجئت أن ابنك أفشى سراً أو قال شيئاً أمام الناس كنتِ لا تريدينهم أن يعرفوه، فتجنبي إحراجه وغيري الموضوع، ثم على انفراد أفهميه بهدوء لماذا كان لا يجب أن يقول ما قاله واتفقا على تعريف "السر".
وبشكل عام إذا قال ابنك كلمة أو قام بتصرف غير مناسب، تجنبي إهانته وتوبيخه ولكن وجهيه وتناقشي معه وأفهميه، وإذا اضطررتِ أن يكون ذلك أمام الآخرين فاجعلي كلامك على قدر ما يتطلب التعامل مع الموقف ثم لتكن بينكما مناقشة على انفراد.
أحسني الظن بابنك، فربما لا يعرف أن ما يفعله خطأ ودورك أن تفهميه وتوجهيه.
إذا كانت العلاقة بينك وبين ابنك قائمة على الاحترام والتفهم، فلن يتعمد مضايقتك وإحراجك أمام الناس ولن يعاندك طوال الوقت، وسيكون متفهماً لكِ عندما تطلبين منه الكف عن فعل معين أو القيام لأن هذه جلسة كبار...الخ. هذا ليس معناه أنه سيفعل الصواب دائماً، أو سيكون مطيعاً أو متفهماً طوال الوقت ولكنني أتحدث عن السمت العام للعلاقة.
الحب هو الأساس الصحيح والمتين لأي علاقة. قد يتعمد ابنك مضايقتك إذا كان لا يشعر منكِ بالاحترام له، أو إذا كان لا يلقى في الأسرة ما يحتاجه من حب واهتمام فيلجأ إلى انتزاعهما بأي طريقة حتى لو كانت سلوكاً خاطئاً.
ربما تشير جرأة ابنك إلى شخصية قيادية وملكات في الحوار. دورك هو توظيف هذه المهارات بالشكل الصحيح من خلال تحميله مسئوليات تناسب سنه، الاشتراك له في أنشطة تلائم ميوله،...الخ


الخلاصة أن الجرأة في حد ذاتها ليست مذمومة، لذلك نريد ترشيدها لا أن نوئدها (نقضي عليها) ليحل محلها الخجل، ولا أن نطلق لها العنان فتتحول إلى اندفاع أو سوء أدب.