'الأهداف ليست فقط ضرورية لتحفيزنا ولكنها أيضًا شيء أساسي يبقينا أحياء'


روبرت ـ اتش ـ شولر


أيها المؤمن، هذه بعض الأرباح العظيمة التي تحوزها إذا قمت بتحديد أهدافك:


1ـ تناغم مع الكون وإلا ...اكتئب:


تأمل في الكون من حولك، انظر إلى مخلوقات الله تعالى، الشمس، القمر، النجوم، كل هذه الإبداعات الإلهية، إنما يحكمها ناموس رباني واحد، فكل منها خلق لمهمة وهدف واضح ومحدد، يسعى إلى تحقيقه بأمر من المدبر الحكيم، يقول تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يـس: 38]، وأما القمر {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يـس:39]، والنجوم {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل:16]. وهكذا سائر المخلوقات، كل يسعى إلى هدفه الواضح المحدد، إلا كسالى بني الإنسان. فاربأ بنفسك أيها المؤمن أن تشذ عن هذا الكون، بأن تعيش في هذه الحياة وأنت ابن يومك، لا تحدد هدفك، ولا تملك رسالة أو رؤية واضحة لحياتك، وعندها تحس بالغربة والوحشة، ثم تصاب بالاكتئاب وأنت ترى الناجحين يحققون الآمال والإنجازات وأنت لا تزال تراوح مكانك.


2ـ كن إنسانًا:


اسمح لي أن أقص عليك قصة كثيرة من الناس، إن حياته تتلخص في أنه ولد ثم تربى في بيت والديه ودخل المدرسة، فلما أنهى دراسته الثانوية قالوا له إن مجموعك هذا يدخلك الكلية الفلانية، فدخلها، فلما تخرج منها قالوا له: إن تقديرك هذا يتيح لك العمل في الوظيفة الفلانية، فتقدم إليها حصل عليها فعلاً، فلما استقر في عمله قالوا له: آن لك اليوم أن تتزوج وهذه فلانة زوجة مناسبة لك، فتزوجها وأنجب منها أولادًا كرر معهم نفس قصته إلى أن رقد على فراش الموت ومات ثم دفن وبقي أولاده ليعيشوا نفس القصة.


أيها المؤمن أليست هذه القصة تعبر عن واقع أكثر المسلمين اليوم وإن المرء ليتساءل ما الفرق بين صاحب هذه القصة وبين باقي الكائنات الحية من غير بني البشر؟ أليست هذه قصة جميع الأنعام، ولد ـ كبر ـ تزوج ـ أنجب ـ مات، إن الفرق الأساسي بين الإنسان وغيره من الكائنات الحية أنه وحده عنده القدرة على وضع الأهداف وتحقيقها, فإذا لم يحدد الإنسان هدفه في الحياة فإنه لا يستحق إنسانيته بعد أن أضاع حياته في أكل وشرب ونوم، يقول تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَام} [محمد: 12] {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179] أما الإنسان حقًا فهو الذي يعطي لحياته قيمة ومعنى بتحديد رسالة وهدف له فيها.


3ـ مفتاح النهضة:


في مناهج الدراسة الغربية للمرحلة الابتدائية، توجد حصة أسبوعية للأطفال تسمى حصة: الهدف، وفيها يعلم المدرسون تلاميذهم الإجابة على هذا السؤال: ما هو هدفك في الحياة؟ يتكرر هذا السؤال كل أسبوع، في البداية لا يستطيع الأطفال فهمه بدقة، ويعجزون عن الإجابة عليه، ولكن مع الوقت يضطر الطفل تحت إلحاح معلمه أن يجيب عليه، فيقول مثلاً: أريد أن أصبح أشهر طبيب لأمراض القلب، أو أشهر مهندس كمبيوتر، وبعد ذلك تأتي مرحلة اكتشاف ميول ومهارات الولد ومدى توافقها مع هدفه، حتى يصلوا في النهاية إلى تحديد هدف واضح محدد لكل طفل يتوافق مع ميوله وقدراته واستعداداته، ويتطور السؤال الأسبوعي بعد ذلك إلى أن يصبح: ماذا فعلت لتحقق هدفك خلال هذا الأسبوع؟ وهكذا يتم توجيه الطفل إلى خطوات عملية بسيطة يتقدم خلالها إلى هدفه، والأهم من ذلك يكبر الهدف مع الطفل ويصير حلمه في الحياة أن يحقق هذا الهدف، وحتى في الإجازة الصيفية ترسل المدرسة إلى أسرة الطفل: إن ابنكم قد اختار هدف كذا وكذا، ومطلوب منكم أن تحاولوا إكسابه المهارات الفلانية خلال الإجازة، وأن تحاسبوه دومًا على مدى تقدمه نحو هدفه، فإذا جاء الموسم الدراسي، تتواصل المتابعة مرة أخرى، وهكذا حتى ينمو الطفل وقد امتلأ كيانه كله بالهدف، فلا يأتي عليه عام التخرج إلا وقد أصبحت لديه كل المهارات والقدرات المطلوبة لإنجاز هدفه، فيصبح تحقيقه لحلمه والذي يصب في نهضة أمته تحصيل حاصل.


4ـ امتلاك البوصلة:


هل تعرف ما هي البوصلة؟ إنها ذلك الاختراع البسيط الذي يتكون من إبرة مغناطيسية تشير دومًا نحو اتجاه الشمال، يستخدمها المسافر في الصحراء أو القبطان على سفينته، لتحديد الاتجاه الصحيح للسير، إن الأهداف في الحياة هي بمثابة البوصلة الذاتية لكل إنسان، فهي التي تحدد له الاتجاه الذي ينبغي عليه أن يسلكه في هذه الحياة، وتشكل له إطارًا مرجعيًا يستطيع أن يرجع إليه ليتخذ كافة قراراته، أما الذي لا يملك أهدافًا فإنه يخبط في حياته خبط عشواء، لا يدري أي الطرق يسلك، وإذا كنت قد قرأت قصة لويس كارول 'أليس في بلاد العجائب' فربما تتذكر معنا ذلك الحوار المعبر الذي دار بين تلك الفتاة 'أليس' والقط الحكيم 'تشيشاير' والذي يعبر عن هذا المعنى العام الذي نتحدث عنه، عندما تسأل 'أليس' القط 'تشيشاير' عن الطريق فتقول: 'من فضلك هل لي أن أعرف أي طريق أسلك؟'


ـ 'يتوقف هذا إلى حد بعيد على المكان الذي تريدين الذهاب إليه' يرد القط.


ـ 'إنني لا أعبأ كثيرًا بالمكان' تقول أليس.


ـ 'إذًا فلا تهتمي كثيرًا بأي الطرق تسلكين' يرد القط.


ـ 'طالما أصل إلى أي مكان؟' تضيف أليس متسائلة.


ـ 'نعم، نعم، ستصلين بالتأكيد إلى مكان ما، بشرط أن تسيري كفاية' يرد القط


أيها القارئ العزيز: لا يحتاج الوصول إلى أي مكان إلى أي جهد يذكر، لا تفعل أي شيء وسوف تصل بعد دقيقة واحدة، على أي حال، إذا كنت تريد الوصول إلى مكان ذي معنى فعليك أولاً أن تعرف أين تريد الذهاب


وهكذا، إذا أردت أن تتخذ أي قرار في حياتك، مثل: في أي كلية تدرس؟ أي رياضة تمارس؟ أي مستوى مادي ينبغي أن تحصله؟ أي عمل تلحق به؟ فعليك أولاً أن تحدد بوصلتك الذاتية، أي أهدافك التي سوف تسترشد بموجبها في جميع قرارات حياتك وإلا وقعت في دوامة من الفوضى والتخبط لا تنتهي إلا يوم وفاتك، وساعتها تكتشف مقدار الخسران الذي طالك في حياتك.


5ـ إدارة الوقت:


الشخص الذي حدد أهدافه في الحياة هو الشخص الوحيد القادر على إدارة وقته بكفاءة واقتدار، بحيث يحقق أقصى استفادة قصوى منه، فإدارة الوقت لا تعني استغلاله وفقط، إنما تعني الاستفادة القصوى من الوقت في تحقيق أكبر قدر ممكن من الأهداف، فليس المهم أن تتقدم بسرعة، بل المهم أن يكون تقدمك في الاتجاه الصحيح.


تحديد أهدافنا هو الذي يمكننا من ترتيب أولوياتنا بحيث نستطيع توزيع ما نملك من وقت على الأنشطة اليومية التي تصب في تحقيق هذه الأهداف تبعًا لأهميتها بالنسبة لنا، أما الذي لا يملك أهدافًا واضحة في حياته فإن وقته يضيع سدى حتى لو كان يصرفه في أنشطة نافعة مفيدة لأنها لا تعمل في اتجاه أهداف محددة، وكما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: 'ليس العاقل من يعرف الخير من الشر، إنما العاقل من يعرف خير الخيرين وشر الشرين'.


6ـ الثقة بالنفس:


إن تحديدك لأهدافك وسعيك إلى تحقيقها، سوف يعطيك الشعور بأنك تتحكم في حياتك بإذن الله، فأنت الذي تقرر ماذا تريد وأي اتجاه تسلك، ولا تترك ذلك للظروف وللآخرين يختارون لك حياتك، مما يملأك شعورًا عارمًا بالثقة بالنفس والإحساس بالقوة التي أنعم الله بها عليك، كما يقول نيدو كوبين 'تركيز كل طاقاتك على مجموعة محددة من الأهداف هو الشيء الذي يستطيع أكثر من أي شيء آخر أن يضيف قوة إلى حياتك' وتزداد هذه الثقة عندما ترى نفسك وقد اقتربت يومًا بعد يوم من تحقيق أهدافك، وعندها لن يمنعك شيء من بلوغ آمالك، وستجد في نفسك القوة على مواجهة أي عقبة تحول بينك وبينها.


7ـ الإحساس بالسعادة:


إذا قمت بوضع أهدافك بصورة واضحة ومحددة، فإنك ستصبح أكثر تركيزًا عليها، مما يحدو بك ولابد إلى مزيد من النجاح والإنجاز فتتحسن حياتك، وتصير أكثر طاقة ودافعية، وفي هذا وصول إلى درجة عالية من السعادة، كما يقول فرانكلين روزفلت: 'إن السعادة تكمن في متعة الإنجاز ونشوة المجهود المبدع' وتكون هذه السعادة دائمة ومستمرة إذا ارتبطت هذه الأهداف التي حددتها لنفسك بمرضاة الله عز وجل إذ أنها تكون في هذه الحالة سببًا للسعادة، ليس فقط في الدنيا، وإنما أيضًا في الآخرة، وذلك هو الفوز العظيم، يقول الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]. وهكذا نجد أن الإنسان الوحيد الذي يستطيع أن يسعد سعادة حقيقية في الدنيا والآخرة هو المؤمن الناجح الفعال، صاحب الأهداف الواضحة، والفاعلية العالية.


هل علمت الآن أخي المؤمن كيف تربح المليون؟


إنك بتحديدك لأهدافك تربح ثروة لا تساويها مليارات الأرض كلها؛ لأنك تربح بذلك حياتك نفسها، وهي لا تقدر بثمن،


كما تقول جاكلين كيندي: 'الثروة الوحيدة التي تستحق أن تجدها هي أن يكون لك هدف في الحياة'،


أو كما يقول هاري كمب: 'ليس الفقير هو من لا يملك مالاً، ولكن الفقير هو من لا يملك حلمًا'.