موقوف
- معدل تقييم المستوى
- 0
كيف تقتل خوفك
هناك من إنجاز يستطيع أي إنسان أن يحقق من خلاله ذاته ويضمن لنفسه مقامًا رفيعًا مثل القدرة على التحدث أمام الناس بشكل مقبول"
تشونسي م. ديبيو
قال لي: "إن نبضي سريع وحلقي جاف وقدماي واهنتان مرتعشتان وأنفاسي تهرب مني، وصوتي ضعيف وعيناي لو نطقت لقالت لهؤلاء المتدربين: رفقًا بي"، هكذا وصف حالته وهو يصعد درجات السلم الخمسة نحو خشبة المسرح ليلقي كلمة على مسامع الجموع.
قد يظن البعض أن ذلك علامة خاطئة ودلالة سلبية، ولكن هذا شيء طبيعي محمود بل ودليل على اهتمامه بما سيقول، وحرصه على أن تصل أفكاره واضحة للجمهور الذي يسمعه.
بل إن أعظم الخطباء في التاريخ شعروا بما شعر به صديقنا حينما وقفوا أمام الجماهير، وإليك الأدلة.
وليم جينينجز براني... محارب شجاع اعترف أن ركبتيه اصطكتا لدى محاولته الأولى للخطابة.
جورج لويد... اعترف قائلاً: "أول مرة حاولت إلقاء خطبة أمام الجمهور، شعرت بحالة من اليأس، إن ما أقوله ليس مجرد كلمات، بل حقيقة أكيدة، فلساني التصق بأعلى فمي، ولم أستطع التفوه بكلمة واحدة".
جون برايت... المناضل البريطاني الذي دافع خلال الحرب الأهلية في إنجلترا عن قضية الاتحاد والتحرر، شعر أول مرة وقف فيها أمام الجمهور الذي احتشد في مبنى إحدى المدارس بالخوف حتى أنه التمس من رفيقه أن ينبهه بالإشارة حين يخطئ.
مارك توين... حين وقف يخطب لأول مرة، شعر وكأن فمه مُلئ بالقطن وتضاعفت سرعة نبضه.
جان جورييه... أشهر الخطباء السياسيين الذين أنجبتهم فرنسا في عصره، بقي سنة كاملة منعقد اللسان في قاعة الاجتماعات قبل أن يتمكن من استجماع شجاعته كي يلقي الخطاب الافتتاحي.
دزرائيلي... أحد أشهر السياسيين البريطانيين، اعترف بأنه فضَّل قيادة كتيبة خيالة على مواجهة مجلس العموم لأول مرة، إذ كان خطابه الأول فاشلاً للغاية.
فاعلم أن العصبية أو التوتر الذي يصيبك قبل أن تقف أمام الجمهور متحدثًا لهم أمر طبيعي وفطري، حتى أن سيسرو أحد أعظم خطباء اليونان القديمة قال منذ 2000 عام: "إن جميع الخطباء الكبار ذوي الجدارة الحقيقية يتميزون بالعصبية".
نبضات توقظ الحواس!
عندما تدرك حواسنا موقفًا مخيفًا؛ فإنها ترسل في الحال رسالة تحذير إلى المخ في نفس اللحظة ينقل المخ الأدرينالين في الدم؛ فيدفع تيار الدم الأدرينالين إلى القلب الذي ينشط فيضخ بسرعة مسببًا زيادة فورية في معدل دقات النبض، وبالتالي كمية الدم التي تصل إلى كل الأعضاء الحيوية بما فيها حواسنا وبين طرفة العين وانتباهتها فإنك الآن تستطيع أن ترى وتسمع وتتذوق وتشعر وتشم وتفكر بطريقة أفضل، تحدث معجزة الاستجابة الفورية تلك لدى كل الأشخاص الطبيعيين وتحقق فائدة عظيمة لهؤلاء الذين يتقبلونها ويستفيدون منها.
ومما يجعلك تثق في نفسك وقدراتك أن ما يحدث لك حالة داخلية لا يشعر بها سواك والمستمعين جاءوا لينصتوا إليك ومرحبين بك، انظر إليهم سترى إقبالهم عليك وشوقهم إليك، كما أنك انتهيت مما أنت مطالب به تخطيطًا وإعدادًا فلِمَ الخوف؟! ولذا؛ لا تقلق أنت لست وحدك فجميع المتحدثين بما فيهم المحترفون يواجهون بعض الخوف قبل تقديمهم للعروض، بل إن الحل في مثل هذه الحالة يتلخص في الجملة التالية:
"تحكم في مخاوفك بدلاً من أن تتحكم هي فيك".
كيف تتحكم في مخاوفك؟
أولاً لتكن لديك رغبة قوية:
إن هذا ذو أهمية كبرى وأكبر بكثير مما تتصور، فإن كانت رغبتك ضعيفة واهتمامك باردًا فإن إنجازاتك ستأتي باهتة وغير ذات قيمة، ولذا وجِّه اهتمامك أولاً نحو دراسة الذات، عدد فوائدها بما ستعنيه لك وفكِّر بالثقة بالنفس والقدرة على الحديث بشكل مقنع أكثر أمام الجماهير، فكِّر بما يمكن أن يعنيه وما الذي يجب أن يعنيه ذلك ماديًّا ومعنويًّا، فكر بالمردود على الصعيد الاجتماعي، فكر بزيادة النفوذ الشخصي والزعامة التي سيمنحك إياها.
وكذلك فكِّر بما تريد أن توصله للناس، فإن كانت رغبتك قوية في إيصال أفكارك للناس، فتذكر قول شيسترفيلد: (إن الكلمات هي رداء الأفكار).
ثانيًا اعرف ماهية ما ستتحدث عنه:
لا يستطيع الإنسان أن يشعر بالارتياح حين يواجه مستمعيه إلا بعد أن يفكر مليًّا ويخطط حديثه، ويعرف ما الذي سيقوله؛ لأنه إن لم يفعل ذلك سيكون كالأعمى الذي يقود أعمى آخر، يجب أن يكون الخطيب واعيًا لنفسه مدركًا لما يريد قوله وأن يشعر بالندم والخجل لإهماله الاستعداد لذلك.
كتب تيدي روزفلت في مذكراته: (انتخبت إلى المجلس التشريعي في خريف سنة 1881 وقد وجدت نفسي أصغر الأعضاء سنًّا ومثل سائر الشبان والأعضاء غير المتمرسين، وجدت صعوبة بالغة في تعلم الخطابة، وقد استفدت كثيرًا من نصيحة رجل ريفي عجوز قال لي: "لا تتكلم حتى تتأكد أن لديك ما تقوله، واعرف عما ستتحدث ثم قله واجلس").
ثالثًا التدريب ثم التدريب ثم التدريب:
هناك شيء أكيد: (إن الطريقة الوحيدة لتعلم السباحة هي النزول إلى الماء)، ولذا فإن أول وآخر طريقة فاعلة لتوليد الثقة بالنفس في فن الخطابة هي أن تقف وتخطب، ويختصر الأمر كله بكلمة أساسية وهي التدريب، التي بدونها لن تتوصل إلى أي شيء.
لقد حذر روزفلت قائلاً: (إن أي مبتدئ هو عرضة للإصابة بوباء البق، ووباء البق يعني حالة الإثارة العصبية التي تصيب الإنسان أول مرة يخطب فيها أمام جمهور كبير، تمامًا مثلما يصيب حين يرى البق لأول مرة أو حين يخوض معركة أول مرة، إن ما يحتاجه الإنسان حينئذٍ ليس الشجاعة، ولكن السيطرة على الأعصاب).
حالة متكررة جدًّا... وحلها بسيط:
تأمل هذا المشهد، كيف سأنجز هذا؟ هؤلاء الناس أكثر معرفة مني، سيظنونني غير متمكن، هذا لا يصدق! سأحاول أن أعتذر، لماذا تورطت بقبول هذه المحاضرة؟! سأحاول أن أبحث عن بديل.
الحل... هذه حالة تقليدية للنقد الذاتي السلبي، نقنع أنفسنا مسبقًا بالفشل، نقول لأنفسنا: مستحيل أن ننجح في الإلقاء، المفتاح هنا أن نعلم أن نقدنا الذاتي غير صحيح؛ لأننا نتنبأ بنتائج سيئة لا يشترط حدوثها.
هناك أساليب للامتناع عن هذا، قم بتدوين أفكارك السلبية ثم حللها؛ ستجد أغلبها غير منطقي على الإطلاق وكلما تعرفت على ذلك سهل عليك تجاهلها، هناك أسلوب يسمى "إيقاف التفكير"، كلما بدأت أن تفكر بطريقة سلبية، اعط لنفسك أمرًا بالتوقف، تخيل كأن علامة "stop" المرورية قد ظهرت أمامك، تدعوك إلى التوقف وإلى أن تدع هذه الفكرة السلبية وتركز على فكرة إيجابية أخرى.
وتذكر دائمًا أن الجمهور ليس خصمًا أو مجموعة متأهبة لمهاجمتنا بالنقد، ولكن الجمهور بحاجة لمعرفة ما تريد أن تخبرهم به.
نصائح غالية:
1. لا تظهر خوفك أو تشرك فيه أحدًا أو تتحدث عنه، حاول أن تبدو واثقًا؛ فإذا كان عليك أن تفعل شيئًا، فلا تتظاهر بغير الحقيقة.
2. قم بإعداد نفسك جيدًا وسوف تؤدي بصورة جيدة وتذكر أنك إن لم تستعد، فلن تواجه سوى المتاعب.
3. حدِّد الشيء الذي تخشاه بدقة، على سبيل المثال: (أنا أخاف أن أتلعثم في الكلام) أو (أخشى أن أنسى ما يجب أن أقوله).
4. حدِّد أسوأ النتائج المتوقعة وقم بالإعداد لها، فإذا كنت تخشى مثلاً أن تنسى ما ستقوله، فاحتفظ بالكثير من الملاحظات إلى جانبك، وحاول أن تسأل أسئلة توفر لك الوقت.
5. اسأل نفسك ماذا إذن؟ ماذا سوف يحدث لو التوت قدمك أثناء السير وضحك الجميع؛ فلست أول من يحدث له ذلك، فإذا وضعت الأشياء في موضعها الصحيح ستكون أقل خوفًا.
6. خذ نفسًا عميقًا واسترخ وابتسم وابدأ حديثك ببطء، وحاول أن تخصص وقتًا قبل بدء العرض لتهدئة التوتر الذي قد يكون باديًا على وجهك وجسدك.
7. حاول إرخاء عضلات وجهك بممارسة التمارين البسيطة.
8. تصور ردود الفعل المحتملة والاهتمامات لدى المتدربين.
9. أوقف التحضير، فالمراجعة في الدقائق الأخيرة ترفع من شعورك بالتوتر.
10. خذ نفسًا عميقًا عدة مرات قبل أن تبدأ ليكون تنفسك منتظمًا.
11. حاول أن تفكر في أشياء إيجابية مثل: (أستطيع أن أنجح، يسعدني أنني هنا)، أو (أنا أعرف موضوعي بشكل جيد).
12. إذا فشلت في كل ذلك، فاعترف بتوترك بشكل عابر؛ فإن ذلك دليل على احترامك للمشاركين.
أهم المراجع:
1. كيف تقدم عروضًا قوية ومؤثرة؟ محمد عبد الجواد.
2. فن الخطابة، ديل كارنيجي.
3. قوة الذكاء الكلامي، توني بوزان.
4. لقاء الجماهير، د. أكرم رضا
المفضلات