عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 24
مصدر السعادة في حياتنا
يقول أحد حكماء الصين: "حينما ينغلق أمامك باب الأمل.. لا تتوقف لتبكي أمامه طويلاً؛ لأنّ في هذه اللحظة انفتح خلفك ألف باب تنتظر أن تلتفت إليها". كثيرة هي مشكلات الحياة، وتكون أشد إيلاماً إن كانت بالبيوت، ويزداد الهمّ والغمّ إن وقعت بين الزوجين، أو حدثت بين الأبوين أو أحدهما والأبناء. ما أكثر مَن يشكون افتقادهم للسعادة في بيوتهم، وكثير هم مَن يبكون على هروبها بعد أن حلَّت بالبيوت أعواماً عديدة، بل هناك مَن لم يذق للسعادة طعماً، برغم ما يمتلك من مالٍ وقصور، وخدم وحشم، وغير ذلك من زُخرف الدنيا ومتاعها، وما حدث ذلك كلّه إلا بسبب أنّ الناس في حياتهم ضلوا الطريق!! أجل.. فمن الناس مَن يشعر بأنّ سعادته في أن يتزوج النساء والحسناوات، ومنهم مَن يظن أنّ سعادته في إنجاب البنين والبنات، ومنهم من يعتقد أنّ سعادته في القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، ومنهم مَن يحسب أنّ السعادة في المركبات (السيارات) الفارهة والخيل المسوّمة، ومنهم مَن يظن أنّ سعادته فيما يمتلك من مزارع وأنعام وأراض وعقارات وضيعات، بيد أنّ هؤلاء جميعاً لم يعرفوا مصدر السعادة ولا الطريق إليها، وقد بيّن ربّنا عزّ وجلّ ذلك في محكم التنزيل، إذ يقول سبحانه: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (آل عمران/ 14( إنّ هذا الواقع يضعنا أمام عدة أسئلة، تحتاج إلى إجابات، وهي: ما السعادة؟ وما مصدرها أو منبعها؟ وما الأسباب التي تُشْعِر الإنسان بالتعاسة؟ وكيف نحصل على السعادة التي نفتقدها؟ ما السعادة؟ وما مصدرها؟ يشير علماء النفس والأطباء النفسيون إلى أنّ معنى السعادة: "شعور نفسي لدى الإنسان بالرِّضا". وبناءً على معنى السعادة هذا نستطيع أن نؤكِّد أنّ السعادة تنبعث وتنبع من داخلنا، ولا تأتينا من الخارج أيّاً كان هذا الخارج، فلا البشر ولا المال ولا الجاه يصنعون السعادة، وإن كانت هذه الأشياء من العوامل المساعدة على تحقيق السعادة، لكنّها بكل تأكيد ليست مصدر السعادة؛ لأن مصدر السعادة داخلي، كما ورد في تعريفها، فهي شعور بالرضا، وهذا الشعور ينبع من داخل الإنسان، والدليل على ذلك أنّ الإنسان قد يمتلك من نِعَم الله الكثير: المال، والأولاد، والزوجة، والعقارات.. لكنّه لا يكون سعيداً، ويشعر بالتعاسة، ويطلب المزيد، لأنّه لا يرضى ولا يشعر بالرضا. وفي المقابل، قد تجد إنساناً لا يملك من حطام الدنيا إلا القليل، ولكنك تجده سعيداً لأنّ بداخله شعوراً بالرضا، فيعيش سعيداً حتى وإن كان واقعه مُرّاً مؤلماً!! والسؤال الذي فرض نفسه الآن هو: إذا كانت السعادة شعوراً داخلياً – كما رأينا – فما مصدر هذا الشعور الداخلي؟ إنّ مصدر السعادة القلب، وليس مصدرها الشهوات، فسرعان ما تذهب لذّة الشهوة، فليس مصدر السعادة رصيدك في البنك، ولا عقاراتك وممتلكاتك.. إنّ السعادة معنى يرتبط بالقلب والإحساس والوجدان، ومن ثم فالسعادة شعور إنساني داخلي جميل دائم، وليست نزوة عابرة سرعان ما تنقضي وتنتهي. إنّ الورود في ذاتها جميلة، لكنّها لا تشعر بالسعادة، لأنّ السعادة شعور إنساني نبيل طويل البقاء، وإن اعترته بعض الإضطرابات بسبب مشكلات الحياة، إلا أنّه سرعان ما يعود، ويستأنف سيره من جديد. لماذا نفتقد السعادة أو تهرب منّا؟ إنّ الفرق بين الإنسان السعيد والشخص التعيس، أنّ الأخير لا يرضى بما قسم الله له من زخرف الدنيا، فهو دائماً يطلب المزيد من المال والمنصب والممتلكات، ولا بأس أن يطلب الإنسان ذلك ويسعى إلى تحصيله، لكن صاحبنا هذا يطلب ذلك وهو غير راضٍ عمّا حصَّل، وينظر إلى ما لدى غيره، فالمرأة مثلاً تنظر إلى ما تمتلك زميلتها من جمال وزوج وأولاد وأموال، والرجل في مؤسسة عمل ينظر إلى ما تبوأه زملاؤه من مناصب، وهو دائم الطلب غير راض عن واقعه، حتى إن كان هؤلاء الذين سبقوه إلى مناصبهم أجدر منه وأقدم، وأفضل منه من حيث إتقان العمل وتميّز الأداء.. مثل هذا الشخص الذي يركز على الأمور الخارجية الشكلية هو السبب في ابتعاد السعادة عن حياته ونفورها منه، لأنّ السعادة تهرب منّا عندما نقارن أنفسنا بغيرنا، فلا ترضى بما قسمه الله لنا؛ لذا كان من هدي حبيبنا (ص): "انظروا إلى مَنْ هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى مَنْ هو فوقكم، فإنّه أجدر ألا تزدروا نِعَم الله عليكم". إنّك قد تجد إنساناً يبتسم عند الألم، فتظن أنّه يملك الدنيا، ويحوز من نعم الله ما يُعد ولا يحصى، ثمّ إذا اقتربت منه تجده غارقاً في أزمات مالية، وأخرى إجتماعية، وثالثة مرتبطة بالعمل.. إلخ، ذلك لأنّنا نقيم الأمور بأشكالها لا بجواهرها ودواخلها. تمنّى الحسناء لتُسعده فأتعسته: أعرف شخصاً – يرحمه الله – ظل يتمنّى الأماني، كان شغوفاً باستمتاعه بملذات الحياة وشهواتها، فتمنّى أن يتزوج بفتاة حسناء من وجهة نظره، وكادت تذهب بعقله، حتى تزوجها، فما استمرت معه في الحياة الزوجية سوى شهر، وظلت تشتته في المحاكم، وتلفق له قضايا بواسطة محام عديم الضمير، حتى أصيب بالسكر والضغط وكره الحياة!! فتعلَّم من ذلك درساً عملياً، وخرج من محنته هذه وقد تغيّرت شخصيته، ورضي بما قسم الله له. تحوّل حلمه إلى مقبرة: وأعرف آخر – يرحمه الله – كان يحلم من طفولته بامتلاك سيارة فارهة، وقد حقق الله له حلمه، وامتلك السيارة، وفي أوّل سفرٍ له بهذه السيارة توفي في حادث، فكأنه كان يتمنّى مقبرته لا سيارته!! فقير وسعيد! وأعرف صديقاً دخْله قليل لا يكاد يكفيه وأهله وأولاده، ومع ذلك تجد الرضا ينبعث من داخله، ويظهر جلياً على لسانه، فهو دائم شكر الله على نعمائه الوفيرة، وتقرأ في وجهه سمات الرضا الصادق، ويحدثك دائماً بتلك النعم، وبالزوجة الصالحة التي رزقه الله بها، وبالولد الصالح. والسؤال الذي يفرض نفسه الآن هو: ما الأسباب التي تجعلنا نفتقد السعادة؟ ثمة أسباب تجعلنا نشعر بالتعاسة، ومن ثمّ نفتقد السعادة، وأهم هذه الأسباب هي: التشاؤم: إنّنا نفتقد السعادة عندما ننظر إلى الحياة من خلال نظارة سوداء، فنتشاءم ولا نتفاءل، فقد تأتي علينا لحظات نعيش حدثاً محزناً مثلاً، فيتمحور تركيزنا وتفكيرنا حول هذا الحدث، ونغضّ الطرف عن الجوانب المشرقة الأخرى في حياتنا، بل نرى الحدث على أنّه شقاء وتعاسة، ولا نرجع إلى هدي ربنا في ذلك، فهو القائل: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (البقرة/ 216)، وهو القائل أيضاً: (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) (النساء/ 19). ضعف الإيمان: فإذا ضعف الإيمان اضطرب القلب، وعاش الإنسان غير راضٍ بواقعه وحياته، ومن ثم تذهب السعادة، وتحل التعاسة. اللسان: فكم من كلمة أشقت إنساناً وأسرة أو دولة أو أُمّة، ولذلك قال الله تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (الإسراء/ 53( فالكلام إن كان إيجابياً ولد لدى الإنسان شعوراً بالرضا، وإن كان سلبياً أصابنا بالتشاؤم ودمر مناعة السعادة لدى الإنسان، فأصابه بالشقاء والتعاسة. تكالب الهموم: فإن تكالبت عليك الهموم فالجأ إلى ربك، وادعوه أن يرفعها عنك، وأن ينسيك إياها. فالهموم تصيب الناس جميعاً، لقد أصابت النبي (ص) وكذلك الصحابة، وحسبنا أن نذكر هنا ما حدث له (ص) في الطائف.. فكيف تصرّف؟ إنّه لجأ إلى ربّه عزّ وجلّ وتضرّع إليه: "اللّهمّ إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس...". الفجور في الخصومة، فذلك يورث التعاسة والشقاء. تأجيل حل مشكلاتك، فلا تؤجلها، بل اسع دائماً إلى حلها أوّلاً بأوّل، حتى لا تتراكم، فتصيبك باليأس والإحباط والتعاسة والشقاء. كيف نحصل على السعادة المفقودة؟ - زيادة الإيمان، فالسعادة شعور بالرضا، والرضا منبعه القلب، والقلب يحتاج إلى إعمار كي نشعر بالسعادة، ولكي نعمّر القلب، فعلينا أن نرتقي بالإيمان. - تجنب النظر إلى مَن هو أعلى منّا، والنظر إلى مَنْ هو أقل حظاً منّا في الدنيا، فذلك يحقق الرضا. - الأخذ بأسباب بث الأمل في نفوسنا، والتخلُّص من الجزع والتشاؤم. - استدعاء الأفكار السارة، وتجنب التفكير في أمور مؤلمة، فسعادتنا من صنع أفكارنا، فكم من سعيد أشقى نفسه بأفكاره وتفكيره، وكم من تعيس أسعد نفسه بأفكاره وتفكيره، وكم من صحيح أمرض نفسه توهماً وأهلك ذاته، وكم من مريض عاش متفائلاً يملؤه الأمل فيشفيه الله تعالى، لذا قيل: "في وسع العقل أن يخلق وهو في مكانه جحيماً من الجنة، أو نعيماً من الجحيم". - العفو دائماً عمّن أساء إلينا؛ قد يكون هذا صعباً على كثير من الناس، لكننا يجب أن ندرك أنّ الانتقام لا يريح النفس في الغالب، بل يجعل نار الغضب متأججة في النفس لا تنطفئ، ولذلك وجهنا الإسلام إلى العفو والتسامح (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران/ 133-134( فحسب مَنْ أراد أن يخلص نفسه من الإنتقام أن يفكر في هذه الآية الكريمة، ويمنِّي نفسه بالجنّة إن هو عفا عمّن أساء إليه. - افعل الخير دون أن تنتظر الشكر؛ لأن ما ادخره لك الله الكريم أعظم مما عند البشر الأشحاء. - ذكِّر نفسك دائماً بنِعَم الله عليك؛ فسوف تعجز عن عدها مهما كان ابتلاؤك، وبذلك تشعر بفضل الله عليك، وهذا يجلب عليك القناعة والرضا. - اعرف نفسك، وكن كما خلقك الله، واغبط نفسك على ما وهبك الله من نِعَم. - حوِّل خسائرك إلى مكاسب، وأبعد عنك الهم والحزن والقلق، فقد تجلى ذلك في سيرة النبي (ص) وأصحابه الكرام (رضي الله عنهم أجمعين)، وحسبنا أن نتأمّل كيف حوّل انتصار المشركين في "أُحد" إلى هزيمة لهم ونصر ومكاسب للمسلمين، وخروجه إلى "حمراء الأسد"، بعد المعركة مباشرة ليبث الأمل في قلوب المسلمين، ويخوف أعداء الله، ويثبت أنّ فريق الإيمان لا يزال قوياً. - اسعد الآخرين؛ تجد مَنْ يسعدك، فاحرص على أن ترسم الابتسامة على وجه إنسان، وتغرس داخله السعادة
المفضلات