تفكير الوفرة
خذ كأسا فارغا، ضع به ماءا إلى النصف، ثمّ اطلب من مجموعة من الناس أن يصفوا لك ما بداخله، ستتعدّد الإجابات لكنّها لن تبتعد عن وصفين: الأول يقول بأنّ الكأس فارغ إلى النّصف، و الثاني يقول بأنّ الكأس ممتلئ إلى النّصف.
النّصف الممتلئ و النّصف الفارغ في التفكير
إنّ وصف كلّ واحد منهم للكأس قد يعطي لك طبيعة نظرتهم إلى الحياة، فهناك من يراها مجموعة من الفرص و المتاحات تجعلك تتعلّم و تتقدّم و تستمع باستمرار، و يرى أنّ الحياة مليئة بالخير، و العطاء، و أنّ هذا الكون فيه أكثر ممّا يحتاجه البشر جميعا، أنّ فيه وفرة في كلّ شيء، فليس من الضروري أن أمنع شخصا آخر من الحصول على شيء حتى أحصل عليه، و نجاح و تفوّق و ثراء الآخرين ، لا يعني بالضرورة فشلا و تراجعا و فقرا لدى الآخرين.إنّ هذه الحياة ممتلئة إلى درجة لن نحتاج معها إلى الحسد و الغيرة و البغض...و سلوك أحد أبناء ادم. إنّ لدينا من كل شيئ ما فيه الكفاية و أكثر....عكس الذي ينظر إليها بأنّها فارغة إلى النصف، فإنّك تجد باستمرار * جسورا ، يفكّر و يقلّب الأمور باستمرار خشية إفلاتها منه ، و ينظر إلى كلّ نتيجة حصل عليها شخص اخرأنّها كانت من المفروض * له و قد أخذها و أنّ الذي حصل على هذه النتيجة إنّما حصل عليها على حسابه ، و كان المفروض أن تكون له هو، فهو يرى في كلّ نجاح سلبا للحق ، و في كلّ تقدّم تأخرا بالنسبة له ، وفي كلّ خسارة فرصة له ليأخذ ماله ، فهو يرى الحياة فيها ثلاثة عناصر "أنا" و "الآخرين" و " المكان أو النتيجة المطلوبة" و إذا لم أحصل عليها أنا فسيحصل عليها الآخرون و العكس صحيح
قانون الدوران
إنّ كلّ شيء في هذه الحياة له دورة يتحرّك فيها، وإذا قاومنا هذه الدورة حقا ، فكلّ ما تملكه لن يستمرّ للأبد بين يديك فلديه دورة في هذه الحياة ، فأنت عندما تشتري سيارة جديدة فلن تدوم لديك إلى الأبد، و إنما ستستعملها لفترة ،ثم تبيعها أو تهديها، أو يرثها أحد من بعدك، أو يحدث لها شيء آخر،ثم تستمر لديه أيضا لفترة من الزمن ثم تنتقل إلى أشخاص آخرين، و هكذا ، كل الأشياء في حياتك:المنزل, الآلات الكهرومنزلية, الملابس, الكتب, الأموال….. , فأنت تحاول أن تستمتع بها لحظة وجودها عندك, و عندما تغادر نحو شخص آخر فأنت تتوقع ذلك ،فنحن لا نملك الأشياء بل نتصرف فيها، و إذا حاولنا التحكم فيها فستنصرف عنا.يصف الكاتب "وين داير" في كتابه "سوف تراه عندما تؤمن به"ذلك "بأن الحياة مثل حنفية يتدفق منها الماء و يدك مفتوحة تحتها, فما دامت يدك مفتوحة فإن الماء لن يتوقف عن التدفق و الانصراف، و يدك ستكون باستمرار ممثلة بالماء، و عندما تحاول إمساك الماء الذي في يدك للاحتفاظ به، فينصرف من أطرافها ولن يبقى في يدك شيء منها."

أثر الوفرة و الامتلاء على الأمم:
والكثير مما ينطبق على الفرد ينطبق على الدولة و الأمة، فمن أهم عوامل التقدم أو الانتقال نحو الأحسن هو التفكير الممتلئ البناء الذي ينظر إلى نصف الكأس لا إلى نصفه الفارغ، فتراه يائسا مكتئبا، أول ما يفكر فيه هو مغادرة هذا الوطن، أو الحياة. هذا التفكير الذي يركز على المشاكل لا الحلول، فهو يرى وراء كل حل مشكلة، شأن كلّ فاشل في هذه الحياة، لا وراء كل مشكلة حلا.إن تفكير التأزيم لا يبني، و التفكير التآمري يشل الحركة، بما يمنع تقدم هذه الأمة، بينما التفكير الإيجابي البناء الممتليء الذي يفرغ كل مشكلة في إطارها الفعلي محاولا إيجاد حلول فعلية ذكية و قوية لها، ويرى أن كل مشكلة هي شيء مؤقت قابل للإصلاح كما يقيس تقدمه بالنتائج لا بالعواطف.

ولعل أهم ما يربي الشعور على الفكر الإيجابي: إتاحة الفرص، فالمنع والتقليل من الفرص و التضييق على الإبداع يشل حركة هذه الشعوب، وبالتالي تقدمها، كما أن لوسائل الإعلام أهم الأدوار في ذلك، متى تحاول أن تقوم بعملية بناء في التفكير و النفس و النظرة إلى الحياة و الأشياء…و عندما تصل إلى السطر الأخير في المقال، أرجو أنك قد أخذت نفسا عميقا، و رسمت ابتسامة على وجهك، ثم أرسلت طاقة إيجابية قوية إلى العالم من حولك…. وتأكّد أنّها ستعود إليك.