عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 24
تنمية فضيلة الصدق لدى الإنسان ..2
مع أن الآباء لم يقصروا معهم في شئ ولم يبخلوا عليهم بشئ بل قدموا لهم الغالي والنفيس ، وأغدقوا عليهم المحبة والعطف والحنان ، بل تنازلوا عن حقهم من أجل إرضاء أبناءهم وبعد هذا كله يكذبون عليهم .
فلماذا يكذبون ؟
الكذب عند الأطفال محصلة لعوامل بيئية وعوامل ذاتية دفينة داخل نفس الطفل وكلما قرب البيت من مكارم الأخلاق وحرص عليها قل تأثير العوامل البيئية في غرس صفة الكذب عند الطفل .
تأثير العوامل البيئية المحيطة ، بالطفل ( البيت ـ المدرسة ـ المجتمع )
أ ) : البيت :
إن الطفل الذي ينشأ في أسرة تلتزم الصدق على نحو تام تقوى لديه الحاسة الخلقية ، ويكتمل لديه الالتزام الخلقي ، والأسرة التي تمارس الكذب لاتساعد أبناءها على امتلاك فضيلة الصدق ، ومثل ذلك : عندما يرد الطفل على التليفون ويسأل الطالب عن الأب فيشير الأب إلى ابنه بأنه غير موجود ، ويظن الأب أن الطفل لايتأثر بهذا الموقف ، وهو لايعلم أن كل هذه المواقف تنطبع في نفس الطفل الشفافة لتخرج بعد ذلك ليكذب على والده .
وكذلك عندما يرى الأم تكذب على الأب خوفا من غضبه ، والأب يكذب على الأم ، وإخوته الكبار يكذبون على بعض حتى ولو على سبيل المزاح ، كل هذه الصور تنطبع في ذاكرة الطفل ، لأنه في هذه السن يعتاد الالتقاط والتقليد .
ب ): المدرسة :
هذا إضافة إلى ما يراه الطفل في المدرسة سواء من زملائة الذين يكذبون على المدرس حتى لا يضربهم ، أو المدرس الذي يكذب عليهم حتى يخيفهم ويزيد هيبته عندهم ، والمدرس يكذب على المدير ، والمدير يكذب على ولي الأمر وهكذا.
كل هذه الصورة السيئة تنطبع في نفس الطفل الشفافة وتغرس جذور هذه الصفة الذميــمة ( الكذب ) فيه.
ج ) : المجتمع :
وكذلك ما يراه الطفل في الشارع ، فمثلاً في السوق يجد البائع يكذب ليزين سلعته وهي رديئة ، وما يراه الطفل على شاشات التلفاز من كذبات تلو كذبات وألعاب سحرية ( خفة يد ) ومن تمثيليات كل
هذه العوامل المحيطة بالطفل تؤثر على نفسيته مع غياب القدوة الصالحة التي تحثه على مكارم الأخلاق وغياب أصدقاء الصدق .
هناك فرق بين الكذب والمراوغة وبين الكياسة و الفطنة ، فكيف ذلك؟
للأسف إن المجتمع ينظر إلى الصادق غالباً على أنه طيب القلب لايستطيع أن يراوغ أو يحاور ، وبالتالي ينظرون إليه انه لن يكون ناجحاً في حياته وأنه ضعيف لا يقدر على شئ.
وعلى العكس تماماً ينظر المجتمع إلى الكذاب بأنه المعجزة الداهية الذي يستطيع أن يلف ويدور ويداهن ويكسب ويربح أو كما يقولون ( يلعب بالسمكة وذيلها ) .
وغاب عن أنظار الناس أن هناك فارقاً كبيراً بين الكذب والكياسة أو الفطنة ، فالمؤمن كيس فطن ولكنه ليس بكذاب كما قال عمر رضي الله عنه : ( لست بالخب ولاالخب يخدعني ) ولكن هذا لايعني أن نعزل الطفل تماماً عن المجتمع حتى لايتأثر بهذه العوامل فآثار العزلة السلبية أكبر بكثير من آثار
الخلطة على الطفل ـ ولكن الوسط هو حال الراشدين ، وإنما الحل باتخاذ الوسائل العملية التي تحول دون ثائر الطفل بهذه العوامل .
الكذب بسبب دوافع نفسية ليس لها علاقة بيئية الطفل : للطفل دوافع ذاتية للكذب لايستمدها من قدوة سيئة امامه ، وكذلك لاترده عنها القدوة الصالحة تلقائياً بغير تلقين وتوجيه وجهد يبذل.
أ ) : يكذب الطفل أحيانا ـ دون أن يقصد الكذب بدوافع من قوة خياله الذي يجسم له اشياء لم تحدث ، فيراها كأنها حدثت بالفعل ويقصدها على أنها واقع .
ب ) : وهو يكذب أحيانا بقوة خيالية كذلك ـ ولكن على وجه آخر ـ فهو يتمنى ثم يصدق ما يتمنى ويتخيل أنه حدث بالفعل فيشبع رغبته بتحقيقها في الخيال ثم يصدق الخيال ، وهنا لايجوز مجابهه الطفل بأنه يكذب ، إنما يكون التذكير حتى يعود للواقع
ج ) : ويكذب الطفل أحيانا ـ وهو على وعي بالكذب ـ تحقيقاً لأمان ورغبات لاتتحقق في واقع حياته فيفشر ويزعم أنه يمتلك كذا أو يصنع كذا ، مما يحقق بطولة وهمية ، أو تعظيماً لشخصة على غير الواقع ، وغالباً ما يكون هذا الفشر مع أقرآن الطفل الذي يشعر في دخيلة نفسه أنه أقل منهم .وعلاج هذه الحالة المرضية ليس بمواجهة الطفل بأنه كذاب أو فشار ، وإنما على الوالدين دراسة الأسباب الدفينة التي تجعله يضخم الواقع بالوهم .
وأن يعالجاه بإعادة الثقة إليه واعتداده بنفسة على حجمها الطبيعي الواقعي في شئ يملكه بالفعل ويقدر عليه ، فلن يحتاج بعد ذلك إلى الإدعاء .
د ) : وقد يكذب الطفل ليستولي على مزيد من النقود ينفقلها في أشياء يشتهيها ولايحصل عليها في حدود ما يعطى له من المصروف .
ولعلاج ذلك الانحراف لابد من تقويمه بشئ من الحسم ولكن مع كثير من النصيحة ، وبالتلقين بانه الكذب أمر ردئ جداً يفقده ثقة والديه وثقة أحبائه ويدعو إلى احتقارهم له وهكذا حتى يكف.
كيف نحد من الكذب ؟
ما هي الوسائل العملية التي تعين الآباء على محو آثار صفه الكذب وتعزيز الصدق عند الأطفال ؟
إليكم بعض الوسائل العملية التي تعين الآباء على محو آثار الكذب عند الطفل وتقليل تأثير العوامل البيئية عليه وتنشئته على حب الصدق والصادقين :
1- ربط الطفل بقدوة صالحة تحثه على مكارم الأخلاق سواء في البيت أو المدرسة أو المسجد، فمثلاً يعتاد الوالدان الصدق ولايكذبون أمام الطفل ولو بالمزاح ، ففي الحديث روى أحمد ابن ابي الدنيا عن ابي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من قال لصبي : هاك ، ثم لم يعطه فهي كذبة ) .
2- اقتناء القصص القصيرة وأفلام الكرتون الهادفه ووسائل الإيضاح التي تحث الطفل على الصدق ، وأيضاً القصص الواقعية الحقيقية والبطولات الإسلامية كقصة خالد بن الوليد ـ وصلاح الدين .
3- تقبيح صورة الكاذب أمام الطفل ، وبيان أن الكاذب منبوذمن الجميع والصادق هو الأثير عند الكل ، وقد صح عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنه صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا اطلع على احد من أهل بيته كذب كذبة لم يزل معرضاً عنه ( أي مجافيا له ) حتى يحدث توبة
4- متابعة الطفل في المدرسة ومعرفة أصدقائة والتأكد من سلامة أخلاقهم
5- البحث عن مشاكل الطفل النفسية وعلاجها بصورة ملائمة فكل حالة الكذب لها ما رواءها من أسباب فلابد من دراسة الأسباب لاختيار الأسلوب المناسب في العلاج
6- اشتراك الطفل في الألعاب الرياضية حتى تزداد ثقته بنفسه
7- أن يعامل الطفل بمبدأ حسن النية وإحسان الظن والأ يواجه الطفل بكذبه دائماً بل الأصل أنه صادق ، مع العفو عن زلته إن صدق فإذا لم تنفع معه أساليب النصح فعلينا أن نستخدم حينئذ العقوبة الرادعة
لعلنا فيما سبق عرضه أستطعنا تسليط بعض الضوء على أهمية تدعيم وتعزيز فضيلة الصدق والارشاد بالإنسان الصادق والتعظيم من شأنه وفي المقابل مكافحة آفة الكذب التي فتكت بالمجتمع الإنساني والحرص على التقليل من آثارها وذلك بتهميش الكذب وأهله وعدم منحهم الفرصة للظهور لكي لا يتخذهم الآخرون قدوة لهم ... والله المستعان.
المفضلات