السعادة تصنع وكذلك الشقاء
هناك نفوس تستطيع أن تصنع من كل شيء شقاء، ونفوس تستطيع أن تصنع من كل شيء سعادة ،هناك المرأة في البيت لاتقع عينها إلا على الخطأ، فاليوم أسود لأن طبقا كسر، ولأن نوعا من الطعام زاد الطاهي في ملحه، أو لأنها عثرت على قطعة من الورق في الحجرة ،فتهيج وتسب ويتعدى السباب إلى كل من في البيت، وإذا هو شعلة من نار، وهناك رجل ينغص على نفسه وعلى من حوله ،من كلمة يسمعها أو يؤولها تأويلا سيئا ،أو من عمل تافه حدث له أو حدث منه ،أو من ربح خسره أو من ربح كان ينتظره فلم يحدث، أو نحو ذلك ،فإذا الدنيا كلها سوداء في نظره ثم هو يسودها على من حوله . هؤلاء عندهم قدرة على المبالغة في الشر، فيجعلون من الحبة قبة ،ومن البذرة شجرة ،وليس عندهم قدرة على الخير، فلا يفرحون بما أوتوا ولو كثيرا، ولا ينعمون ( بتشديد العين)بما نالوا ولو عظيما.
الحياة فن وفن يتعلم ،ولخير للإنسان أن يجد (أي يجتهد) في وضع الأزهار والرياحين والحب في حياته ،من أن يجد في تكديس المال في جيبه أو في مصرفه. ما الحياة إذا وجهت كل الجهود فيها لجمع المال، ولم يوجه أي جهد لترقية جانب الرحمة والحب فيها والجمال؟!
أكثر الناس لا يفتحون أعينهم لمباهج الحياة ،وإنما يفتحونها للدرهم والدينار، يمرون على الحديقة الغناء ( بتشديد النون) والأزهار الجميلة، والماء المتدفق والطيور المغردة ،فلا يأبهون لها وإنما يأبهون لدينار يدخل ودينار يخرج ،قد كان الدينار وسيلة للعيشة السعيدة ،فقلبوا الوضع وباعوا العيشة السعيدة من أجل الدينار، وقد ركبت فينا العيون لنظر الجمال فعودناها أللا تنظر إلا إلى الدينار.
إذا اعتقدت أنك مخلوق للصغير من الأمور لم تبلغ في الحياة إلا الصغير، وإذا اعتقدت أنك مخلوق لعظائم الأمور شعرت بهمة تكسر الحدود والحواجز، وتنفذ منها إلى الساحة الفسيحة والغرض الأسمى. إن الصعاب في الحياة أمور نسبية، فكل شيء صعب جدا عند النفس الصغيرة،ولا صعوبة عظيمة عند النفس العظيمة.
الثقة بالنفس فضيلة كبرى عليها عماد النجاح في الحياة وشتان بينها وبين الغرور الذي يعد رذيلة.
منقوول من كتاب (لاتحزن ) د/ عائض القرني