في خياراتنا يكمن نموُّنا
ستيفن كوفي
إحدى أعمق الخبرات التي غيرت حياتي بشكل حقيقي والتي لعبت دوراً مفاهيمياً أساسياً في تأليفي للعادات السبع ، حدثت عندما كنت في إجازة في هاواي . ذات يوم كنت أتجوّل على مهل بين رفوف إحدى المكتبات ، وبما أنني كنت في حالة من التأمل والتفكر فقد التقطت أحد الكتب وقرأت فيه ثلاث جمل هزتني من الأعماق :

هــنـــاك مــســـافــة بــيـــن الــمـــؤثّـــر والإســـتــجــابــــة
في هـذه المسـافة تكمن حريتنا وقدرتنا على اختيار استجابتنا
فــي خــيــاراتــنــا تــلــك يــكــمــن نــمــوّنــا وســعــادتــنــا

عقلياً ، كنت تعلمت من مصادري أننا أحرار في إختيار إستجاباتنا لكل ما يحدث لنا . ولكن في ذلك اليوم بالتحديد ، وفي أثناء المزاج التأملي وحالة الإسترخاء التي كنت فيها ، فإن فكرة المسافة بين ما يحدث لنا واستجابتنا له صدمتني وكأنك ألقيت عليّ طنّاً من الآجر . منذ ذلك الوقت بدأت أفهم وأعتقد أن مقدار هذه المسافة تحدده إلى حد كبير موروثاتنا أو طبيعتنا الحيوية والطريقة التي تربينا بها والظروف الراهنة .
قد تكون هذه المسافة كبيرة جداً عند أولئك الذين نشأوا في بيئة منحتهم الكثير من الحب الغير مشروط والدعم ، وقد تكون صغيرة جداً عند آخرين نتيجة لتأثيرات وراثية وبيئية مختلفة ، لكن الفكرة الأساسية هنا هي أن هذه المسافة موجودة واستخدامها هو الذي يعطينا الفرصة لتوسيعها . بعض الناس الذين يملكون مسافة كبيرة جداً قد يختارون الإستسلام عندما تواجههم ظروف مناوئة ، ومن ثم يقلصون المسافة بين المؤثر والاستجابة ، والبعض الآخر ممن يملكون مسافة صغيرة قد يسبحون عكس التيار ، ويواجهون المؤثرات الوراثية والإجتماعية والثقافية القوية ، هؤلاء يتسع مجال حريتهم ويتسارع نموهم وتتعمّق سعادتهم .
إن الأشخاص الذين ذكرناهم في الحالة الأولى لا يفتحون معظم الهدايا الثمينة التي ولدت معهم ، وبالتدرج تصبح وظيفتهم في هذه الحياة محددة بظروفهم وليس بقدراتهم ، أما أصحاب الحالة الثانية فإنهم يبذلون جهداً عظيماً وثابتاً ، ويفتحون هذه الهدية العظيمة المتمثّلة في حرية الإختيار ، ويكتشفون القوة التي تفتح أمامهم كل الهدايا الأخرى التي حباهم اللّه بها منذ ولادتهم .