يؤكد رئيس مجلس إدارة شركة انجاز للاستشارات التدريبية وشركة الخليج للاستثمار البترولي الدكتور بشير الرشيدي على أهمية تقدير الذات الإنسانية، "الذي يفتقده الكثير من الأفراد في الشركات والمؤسسات"، مبينا ضرورة التدريب والاستشارات للارتقاء بمستوى الشركات لخلق كوادر مهيئة، "تعرف أهمية الفرد ومهتمة ببنائه وقادرة على العطاء وتملك كل مقومات النجاح والإبداع".
ويرى الرشيدي أن مناخ الحرية المتاح في الكويت قادر على خلق قادة حقيقيين يمكنهم إيصال شركاتهم إلى أعلى المراتب العالمية، مطالبا، في الوقت نفسه، الشركات المحلية بتعليم وتدريب الصف الثاني من القياديين "حتى تستطيع مواصلة المشوار". ويوضح الرشيدي في لقاء خاص مع "القبس" أن "القائد هو من يملك وقت فراغ ولديه وقتا للترفيه، أما من يعمل ليل نهار فهو غير مدرك لمعنى القيادة". ويستطرد قائلا: "على المديرين أن يعوا ان الشركات هي للتمتع بالحياة وليست حياة بحد ذاتها".
وفيما يلي تفاصيل الحوار:
من خلال احتكاكك المباشر مع الشركات الكويتية، هل ترى أنها قادرة على بناء قيادات ناجحة؟
- السوق الكويتي من اكثر الأسواق العربية إنتاجا للقيادات و المجتمع الكويتي حاضن للقيادات الناجحة. فهناك قناع يسمى مناخ الحرية. وهذا المناخ عادة يسمح لبذور المديرين أن تنمو ولهذه الإمكانات أن تستثمر ولتلك القيادات ان تقود في مجال الحرية. لهذه الأسباب مجتمعة، يعتبر المجتمع الكويتي مليء بالقيادات الحقيقية. وهناك أمثلة عديدة لقادة حقيقيين منهم عدنان البحر وسعد البراك وسامي البدر وغيرهم. وهؤلاء بمستواهم يوازون معظم القيادات العالمية واستطاعوا أن ينقلوا شركاتهم نقلات كبيرة وصلت الى العالمية. وهذه الخطوات ليست وليدة فراغ بل نتاج وجود قيادات حقيقية.
خلق القيادات
هل هناك مجالات متاحة للقيادات الوسطى ؟
- في الحقيقة استطاعت الشركات التي عايشتها مثل بيت التمويل الكويتي وشركة الاتصالات المتنقلة أن تخلق قادة كثر. فعلى سبيل المثال لا الحصر، استطاع بيت التمويل خلال الأعوام القليلة الماضية أن يخرج كوادر قيادية على مستوى عال، فمعظم الشركات الإسلامية في الساحة الكويتية هي من مدرسة "بيتك"، ومنهم سامي البدر ووليد الرويح وعدنان البحر وعدنان المسلم وغيرهم كثر. أما شركة "أم تي سي" فتعتبر جامعة لتخريج القيادات المتميزة في كل المجالات الإدارية وهذا النتاج هو نتاج بيئة صالحة لتخريج قيادات ناجحة. ويبقى في النهاية أن القضية ترجع إلى الإمكانات الفردية التي تنمو في هذه الشركات.
ما الدور المطلوب من القادة في شركاتنا ؟
- يجب على القائد ان يتمتع برؤية مستقبلية. والقضية هي كيف عليه أن يخترق هذا الزمن وينظر ببصيرة ويتوقع للمستقبل ويستطيع ان يبلور هذه الرؤية المستقبلية لأفراده. كما انه لا بد أن يتميز بطاقة انفعالية حماسية ليبثها في فريق العمل كروح معنوية بين أفراد المجتمع. ثالثا، عليه ان يملك روح العناية والرعاية للعاملين معهم. وفي حال لم يملكوا هذه الروح فلن يستطيعوا ان يرفعوا معنويات فريق العمل لتحقيق غاياتهم.
الإدارة والقيادة
أي المفهومين أهم: الإدارة أم القيادة؟
- الإدارة مختلفة عن القيادة، ولكل منهما مجاله الخاص. فالأخيرة سمة موجودة عند كل الناس لكن بدرجات متفاوتة، فهي تهتم بالنواحي المعنوية وتحديد الرؤية المستقبلية والأهداف واستشعار المسارات في البيئة الخارجية. أما الإدارة فمجالها هو المتابعة اليومية للعمل التنظيمي والتقويمي وتنشغل في بلورة الغايات وتغير الأحداث والمسارات. وخطأ اعتبار الإدارة مرحلة في القيادة. هما وظيفتان مختلفتان فيهما ترابط، وقد نجد كثيرا من المديرين قادة وكثيرا من القادة مديرين. لكن في نهاية المطاف، هما مختلفان تماما. فالقائد له وظيفته ومحيطه الخاص الذي يختلف تماما عن مجال الإدارة ومحيطها، والتداخل بينهما لا يعني التطابق.
هل للكاريزما الشخصية دور في نجاحات القائد؟
- الكاريزما هي نظرية من نظريات القيادة التي تقول ان هناك شخصيات لها جاذبية خاصة. لكنني أرى أن القضية تأتي بالتدريب ولا تولد مع الإنسان، على الرغم من وجود نظريات تقول إنها موهوبة وليست مكتسبة. لكنني أجد أن الجاذبية القيادية تأتي من خلال التدريب على كيفية جذب الآخرين إليك. وجذبهم يجب ان يكون من منطلق التأثير في مشاعرهم لتحقيق غايات معينة. فالإنسان عندما يرتبط ويتعامل مع مشاعر الناس يتجاوب معهم ويملك إمكاناتهم وطاقاتهم، هذه هي القيادة.
أهمية التدريب
هل القيادة مهنة؟
- بالفعل، القيادة مهنة وممارسة بحد ذاتها. ولا يشترط بمعظم قياديي الشركات ان يكونوا متخصصين بمجال عملهم نفسه. فمن أعظم قادة الولايات المتحدة في القرن العشرين هو الرئيس الأميركي رونالد ريغان، فهو أساسا، ممثل وليس له خلفية في مجالات متخصصة، استطاع أن يقود اكبر دولة في العالم لانه يملك الجاذبية واستطاع أن يحدد المسارات المستقبلية. ولو أجرينا بحثا بسيطا سنجد ان معظم قياديي الشركات الناجحة هم مهندسون، كما انه من الممكن ان نجد طبيبا قائدا وممثلا أو شاعرا. فإذا نظرنا الى إمارة دبي نجد ان من قادها نحو التقدم والتطور الشيخ محمد بن مكتوم هو خريج كلية عسكرية وهواياته هي الفروسية والصيد والشعر، وإذا نظرنا إلى التخصص لديه فانه لا يمت بأي صله لما يمارسه، وهو بالنهاية نموذج مشرف من القيادات ورجل يتمتع بجاذبية قيادية، لكن ليس لديه تخصصات قيادية. إذا، القيادة ليس فيها تخصص بل روح قيادية.
ما دور التدريب بتعلم القيادة؟
- الدورات القيادية من القضايا الأساسية لبناء المعلومات الرئيسية وكيفية التعامل مع الناس. فهي تزودك بالمعلومات والمهارات والاتجاهات. ويعتبر التدريب أداة لكنه لا يمكن ان تخلق قاعدة. وهنا أحب أن أشير إلى مثال بسيط هو عندما تذهب لمدرب سباحة ويشرح لك بالتفصيل كيفية السباحة والتنفس وقد تحفظها عن ظهر قلب. لكن في النهاية هذه النظريات لن تمكنك من السباحة وبالمقابل من دون هذه النظريات قد تسبح لكنك لن تجيد السباحة.
إذا، القضية قضية تدريب وممارسة، أما التدريب فهو عنصر أساسي لكي يأخذ المتدرب معلومات واتجاهات وينطلق بناء على أسس معينة، لكي لا تأتي خبراته ومعلوماته من خلال التجريب. في النهاية، كل شركة لا تجد فيها قسم للتدريب أو الموارد البشرية، ستكون نهايتها قريبة جدا.
طرق النجاح
كيف نحكم على قائد إن كان ناجحا أم لا ؟
- من سمات نجاح القائد أن نجد لديه وقت فراغ وهذه سمة أساسية. وليس قائدا من يعمل ليل نهار وحياته قائمة على العمل. فإن قيادته مشكوك بأمرها. وهو لا يعرف معنى القيادة. فالقيادة باختصار هي مثل قائد الأوركسترا يعزف من غير آلة بل لديه آلات عدة يعزف عليها.
هل الشهادة الجامعية مرتبطة بالقيادة؟
- الشهادة هي دلالة على وجود كم من المعلومات والمهارات وعلامة على مستوى الذكاء ومستوى الضبط الانفعالي، لكنها ليست أساسا لنجاح القيادة. فلدينا الكثير من القادة لا يملكون شهادة جامعية على رأسهم بيل غيتس.
ما رأيك باتجاه بعض الشركات الكويتية على تعيين مدير بتفضيل جنسية على أخرى؟
أنا شخصيا أدعو إلى عدم تفضيل المواطن أو جنسية معينة على جنسية أخرى، فهذه قضية معوقة لنمو الشركة، ويجب أن تكون الكفاءة هي المعيار. فالسوق كناية عن مباراة فيها غالب ومغلوب. ويجب ألا تكون هناك أولوية لجنسية على حساب أخرى لأن هذا المبدأ قد يدمر سوق العمل الخاص. لكن الأولوية بالجنسية تكون في المؤسسات الحكومية التي تريد أن تراعي المواطن وهذه قضية رعاية حكومية سياسية ليس لها دور في الإدارة.
لا تنغمسوا في العمل
ينصح بشير الرشيدي قادة الشركات الكويتية بأن يحافظوا على ذاتهم ويقيموا علاقاتهم لتحقيق غاياتهم، لأن "القيادة قائمة على محاور عدة منها محور الذات، فعليهم ان يحافظوا على ذواتهم من الانغماس في العمل ليل نهار، فهذه ظاهرة غير صحية قد تترتب عليها آثار نفسية على المدى البعيد وعليهم ان يعوا ان الشركات هي أدوات للتمتع بالحياة وليست حياة بحد ذاتها".
3 محاور لخلق قادة
يحدد رئيس مجلس إدارة شركة انجاز للاستشارات والتدريب 3 محاور لخلق قادة جدد في الشركات المحلية. واعتبر ان الشركات التي لا تدرب الصفوف الثانية والثالثة وتتناسى ضرورة وجود قيادات أخرى ستنتهي بشركات تعمل بنظام one man show . أما المحاور الثلاثة فهي:
1 التعامل مع الذات: من يستطيع ان يتعامل مع ذاته يستطيع إدارة علاقاته. ونعني بالذات التحكم بالانفعالات.
2 التعامل مع الآخرين: على المديرين ان يعرفوا حاجات الأطراف الأخرى. وإذا عرف المدير ما هي حاجة كل شخص، وكيف يتعامل مع كل فرد كإنسان، سيستطيع ان يستثمر هذه الإمكانية لتحقيق الغايات.
3 تحديد الرؤية المستقبلية: لا بد لأي شركة تريد الاستمرارية والنجاح ان تدرب الصفوف الأخرى على قضايا الذات والعلاقات والغايات.
المفضلات