يقول كاتب الإدارة الشهير فرد فيدلر: "القيادة هي استخدام النفوذ لإنجاز عمل معين". هذه المقولة يدعمها كتاب "العمل مع الذكاء العاطفي" وهو كتاب يبحث في أهمية تفهم الأفراد والتعامل معهم. يشرح الكاتب دانييل غولمان أنه بالرغم من أهمية المهارات التقنية، إلا أن الذكاء العاطفي Emotiona intelligence هو أمر أساسي وحاجة لا يمكن تجاهلها في القيادة الفعالة.


يمكن أن يطلق أحدهم على هذه الممارسة "الحكمة"، وآخر يمكن أن يطلق عليها "القيادة الفطرية". لا يهم ما هو العنوان الذي يوضع للمهارة، فإن نجاح القيادة يحتاج إلى مقدرة على فهم الأفراد والتعامل معهم بشكل فعال.


الذكاء العاطفي عامل أساسي في فن الإقناع:


القصة التالية مثال حي على الذكاء العاطفي:


يعاني صاحب مطعم للوجبات السريعة من مشكلة في انخفاض نسبة أداء إنجاز العاملين لديه, فقد كان معظمهم من الطلاب الشبان، والقليل فقط يبقى لديه للعمل لمدة فصل كامل.


في محاولة لحل هذه المشكلة، جلس وكتب كل ما يمكنه التفكير به بالنسبة لوضعهم. وجد الحقائق التالية: هم يريدون الذهاب إلى المدرسة؛ معظمهم ينشد موافقة المدرس وموافقة والديه؛ إنهم يحبون المال؛ يعملون ليشتروا أشياء، ولكنهم يفكرون في الجامعة. معظمهم يتفاخر بدرجاته التي يحوز عليها، متنافسون، يعملون ليطوروا أخلاقيات العمل. الجميع ينشد التميّز والبعض قلق من المستقبل.


بعد هذه الدراسة ركّز صاحب المطعم انتباهه على كلمات محددة: المال، أخلاقيات العمل، الافتخار بالدرجات، موافقة المدرس، موافقة الوالدين، متنافسون، التميّز، والجامعة.


وهنا لمعت في ذهنه فكرة: خطة مكافأة تعتمد على معدل الدرجات. أي طالب يعمل طوال الفصل ويحصل على معدل درجات يتراوح بين 2.5 و 3 يحصل على مكافأة مقدارها 15% من أجر الساعةعن جميع الساعات التي يعمل بها أثناء ذلك الفصل. يمكن أن ترتفع النسبة إلى 25% من أجر الساعة للطلاب الذين يحصلون على أكثر من معدل 3.


لم تكن التكلفة باهظة: أقل من 5% من تكاليف جدول الرواتب لهذه الفترة. أما الفوائد فقد كانت جمة:


· تشجّع الطلاب على العمل كامل الفصل.


· جذبت المكافأة طلاباً أفضل، ممن يميلون لأن يكونوا عمالاً أفضل.


· أصبح المدرسون والمرشدون ينصحون الطلاب ممن يرغبون في العمل بالعمل في مطعمه.


· الآباء يشجعون أبناءهم للعمل في ذلك المكان.


· علاقات شعبية على مستوى واسع، مجلات وصحف وربما مقابلات تلفزيونية ترغب في تغطية فعالياته.


مثال آخر:


على جانب من الأهمية يتناول أهمية التفهم والتعامل الفعال مع الأفراد إنه حالة "لويس غيرستنر" رئيس مجلس إدارة ومدير تنفيذي سابق في شركة IBM. في عام 1996 كان غيرستنر يقود شركته إلى النجاح من جديد بعد عقد من المشاكل. يقول المحللون في عالم التجارة والأعمال أن IBM عادت والتزمت بمثالياتها الصميمية في خدمة الزبون والأداء الممتاز، كما أنها تبنّت محاولات الآلاف من العاملين الموهوبين والمخلصين لانتشال الشركة من مأزقها. ومع كل هذا، فقد كان عامل النجاح الفعلي الواضح هو القدرة الشخصية للقائد "غيرستنر" في التعامل مع الأفراد. بشكل خاص كان غيرستنر جذاباً للغالبية العظمى من زبائنه.


في تورنتو عقد غيرستنر اجتماعاً لعشرين مديراً تنفيذياً:


على طاولة بشكل حدوة الحصان قدم غيرستنر عرضاً متواضعاً و قوياً بنفس الوقت ولمدة تسعين دقيقة، لم يكن هناك شرائح ضوئية ، ولم يكن هناك اتصال حاسوبي، ولا خطاب محضّر بشكل مسبق. تحدث غيرستنر عن العديد من المواضيع بما فيها التغيرات التي جاءت بها التقنية إلى عالم التجارة والأعمال والمجتمع بشكل عام. معظم المدراء التنفيذيين في الاجتماع كانوا متأثرين بعرضه الذي شعروا أنه شديد الصلة بهموم شركاتهم الخاصة. على سبيل المثال كان تعليق رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي لشركة ربرميد: "كان قادراً على الاتصال". كان غيرستنر قادراً على التأثير بالأفراد من صانعي القرار بحيث يجعلهم يفكرون ويتصرفون بما يعود بالفائدة على شركته.


في عام 1996 استطاع غيرستنز أن يقود شركة IBM للنجاح من جديد بفضل قدرته الشخصية في التعامل مع الأفراد لخص غولمان شخصية القائد الناجح وقدراته بعبارة "اللطيقون ينجزون أولاً". أظهرت الأبحاث التي تتناول نجاح القيادة أن أفضل الأوامر والقوى والشركات هي ليست تلك التي يقودها نموذج القائد الذي يرهب الموظفين أو العاملين لديه، ولكن تلك التي يقودها القواد المهتمون والذين يملكون الذكاء العاطفي. هؤلاء القادة لا يختصرون المشاكل القاسية سواء كانت شخصية أم تقنية. إنهم هادفون، حاسمون وعمليون، ولكنهم في المقابل إيجابيون حميميون ومتفهمون للآخرين. هم ديمقراطيون في شخصياتهم وحتى لطيفون في تعاملهم مع جميع الأفراد بغض النظر عن وضعهم وحالتهم. هم يقدرون الأعمال، واثقون بالآخرين، وحتى أنهم لطيفون في تعاملاتهم ، بالرغم من أن هذه الصفة عادة ما تكون مختبئة تحت مظهر جدي ومهيب. يؤكد غولمان على أن القائد الناجح هو قائد مهتم ويمكنه أن يتفهم الآخرين ويتعامل معهم بشكل فعال.


تتضمن عناصر الذكاء العاطفي: معرفة الذات، الضبط الدقيق، الاستمرارية، الثقة، التحفيز الذاتي ، العاطفة، والمهارة الاجتماعية. من الصعب عزل إحدى هذه الصفات على اعتبار أنها أكثر أهمية من غيرها، لأن كل عنصر من هذه العناصر له دوره الذي يظهر في حالات وأوضاع مختلفة.


على أن صفة مهيمنة من صفات القائد الناجح تبقى مهيمنة على رأس الهرم وهي القدرة على الإقناع. فهل يمكنك أن تبيع أفكارك إلى من حولك بسهولة؟