موقوف
- معدل تقييم المستوى
- 0
أنصاف الخطط... لماذا تعطيك أتمّ النتائج؟
أجد نفسي في بعض المواقف لا أنتظر شيئاً غير أقصى درجات الكمال
عندما أفتح علبة حاسوبي الجديد المتطوّر أو عندما أتلقّى نقودي من الصرّاف الآلي، مثلاً
لكنّني في معظم الأحيان أنتظر وجودَ النقص أو الخلل
و أعتقد أن هذه العقلية و الممارسة في عالم المنظمات هي خصلةٌ عظيمة
و أرجو ألاّ يسيء فهمي أحد، فأنا لا أنتظر النقص انطلاقاً من مبدأ
"إذا لم تنتظر الكمال فلن يخيب أملك"
إنني لا أدعوك عزيزي القارئ إلى القبول بالنقص و إنما أدعوك إلى أن تقصده قصداً
قبل بضعة أعوام طلبت مني شركة خدمات مالية كبيرة مساعدتهم في رسم عمليةٍ جديدة لإدارة أداء موظفيهم الألفين
لماذا تطلبون ذلك منّا؟
لماذا لا تريدون القيام بذلك بأنفسكم؟
كان هذا أول سؤالٍ طرحته على عملائي المحتملين
و ربما يستغرب البعض طرح هذا السؤال من استشاري محترف
و لكنني أعتقد على الدوام بأن من الأفضل قيام الشركات بشؤونها حيثما تستطيع ذلك
لقد حاولنا!
أجابتني المديرة بمرارة
حدّدنا معايير الأداء القياسية التي ننتظرها من موظفينا
و وضعنا النظام التكنولوجي لتسجيل مراجعات الأداء
صمّمنا و بعثنا أكداساً من رسائل التواصل المختلفة
و وصل الأمر إلى أننا كنّا –عملياً- نحن من ينشئ تقارير مراجعة الأداء للموظفين و الأقسام
و بعد سنتين من تدريب موظفينا ما تزال نسبة إنجاز الخطة لدينا لا تتعدى الخمسين بالمئة....
ثم أردفت على استحياء:
و الآن ندرس إمكانية منح علاوة للموظفين الذين ينفّذون بأنفسهم مراجعات الأداء تنفيذاً صحيحاً
بمزيدٍ من الدفع يمكنك أن تقود الجواد إلى النهر و لكن لا يمكنك جعله يشرب:
"أمهليني ستة أشهر!"
قلت للمديرة و مضيت إلى العمل
عندما راجعت وثائق عمل الشركة أعجبت به كثيراً بل شعرت بتهديد المنافسة و التحدّي
لم يفلت من عنايتهم الفائقة و ملاحظتهم الدقيقة أي تفصيل صغير
و لم تكن هذه العناية و الدقة محصورةً في "ماذا" يقدمون للموظفين
و إنما كانت أيضاً في "كيف" كانوا يسعون إلى جعل الناس يعملون بالنظام الجديد
لقد اتبعوا كل القواعد التقليدية في إدارة التغيير
كان لديهم رعاة للتغيير change sponsors
(أفراد من الإدارة العليا يبيّنون للموظفين أهمية إدارة الأداء)
و كان لديهم زعماء للتغيير change agents
(موظفون متميّزون يفترض أنهم قادرون على ضمان اعتناق كل من حولهم للتغيير)
و كان لديهم مواقيت إنجاز محددة و خطط تواصل و برامج تدريب
و بعد كل ذلك يبقى نصف مديريهم و حسب ينفّذون مراجعات الأداء على النحو المطلوب
جمعتُ فريق عملي الكبير و أعدنا تصميم مواد و استمارات العمل و برامج التدريب و رسائل التواصل
و أفلحنا في إعادة إطلاق برنامج التغيير في الوقت المحدد
و لم تكن النتيجة سوى فشل كاسح!
الناس يقاومون الأسلوب الجديد و يتذمّرون
و أعضاء فريقي ذاته اشتعل الخلاف و الانشقاق بينهم
و عندئذٍ بادرت إلى مزيد من الضغط و الإصرار
لأنني كنت واثقاً من إتقان المشروع الذي قمتُ على تصميم كل كبيرة و صغيرة فيه
كان مشروعاً كاملاً!...
و عندئذٍ خطر ببالي المطلب الجوهريّ الذي كنت عنه غافلاً
لا تذعن للنقص إذعاناً بل اقصده قصداً:
بالتأكيد كنت أعتقد بكمال عملية مراجعة الأداء المقترحة
لأنني رسمتها بنفسي و يسرّني جداً أن أستخدمها
و لكن الحقيقة هي أنني لست أنا المستخدم المفترض لتلك العملية!
و هكذا بدأت أتعمق في إدراك ما يلي:
• كمالي هو شيءٌ آخر غير كمال المديرين و الموظفين المتلقين لخططي
• و هم أنفسهم لا يوجد لديهم كمالٌ واحد
من هم؟ لا يوجد شيءٌ اسمه هم!
بل هناك ألفان من الأفراد يريد كلٌ منهم شيئاً مختلفاً عمّا يريده الآخرون اختلافاً صغيراً أو كبيراً
• كلما تعمّق لدي الاعتقاد بكمال ما أرسمه من خطط كلما اشتدّت ممانعتي لتعديله من قبل أي أحد
• الطريقة الوحيدة لجعل خطتي مجديةً لدى الجميع هي أن يتاح لكل من يطبقها تعديلها حسب ظروفه و احتياجاته
• الطريقة الوحيدة لجعل الناس يقبلون على استخدام الأسلوب الجديد هي طمأنتهم إلى إمكانية تعديله بأنفسهم
• الطريقة الوحيدة لتشجيع الناس على تعديل الخطة و لجعلها خطتهم هم هي أن أتعمّد رسمها غير كاملة
و هكذا أوقفت إطلاق برنامج العمل الجديد فوراً و غيرت كل شيء
ليصبح نصف صحيح و نصف تام
و ليفقد البرنامج كثيراً من بريقه وليصبح أكثر قابلية للتطبيق و النجاح أيضاً
و حتى التدريب لم أصممه مكتملاً
فبعد شرح الخطوات المطلوبة كنت أثابر على التوقف في منتصف كل تدريب لطرح السؤال التالي:
لماذا لا يمكن تطبيق ما نطلبه لديكم بنجاح؟ لماذا لا يفيدكم؟
و عندما تأتي الإجابات مثل:
معايير هذه الاستمارة كثيرةٌ كثرةً مربكة لا داعي لها
أو: ليس لدي ما أقوله عن موظفيّ لملأ كل هذه الاستمارات
و كذلك سوف يستغرق هذا وقتاً طويلاً جداً
كنت أتجاوب مع كل منها بهذا القول الواحد نفسه:
أجل
وجهة نظر جديرة بالاعتبار
و برأيكم كيف ينبغي العمل و التعديل لإنجاح الأمر؟
و بعد مناقشة وجهة نظر كل مدير كنا نتوصل إلى الأخبار السارة دائماً:
أجل! أعتقد أنه يمكنني التعهد بتنفيذ ذلك في قسمي بنجاح!...
بعد أن ناقشنا كل المشكلات التي كان الموظّفون يرونها مانعةً أو معرقلةً للتنفيذ واحدةً إثر واحدة
و بعد أن قام كل واحدٍ منهم بتغييراته الخاصة
أصبحوا ملّاكاً لنظام العمل و أصبحوا قابلين لتحمل مسؤولية العمل به
من يخشى الرحلة في سفينة لديه نصيب في صنعها و لأفكاره دور في توجيهها؟
ترى هل فكرة النقص المقصود محصورة في مبادرات التغيير الكبرى؟
لا بالتأكيد!
إنّ تسليم المشروع أو المهمة نصف مكتملة طريقةٌ عظيمة الجدوى
حيثما أردت أن يكون أحدهم معتنقاً اعتناقاً تاماً لأي مشروع أو مهمّة و مقبلاً على تحمل المسؤولية
- موظف جديد؟
توشك على استقبال موظف جديد؟
يمكنك هنا أيضاً الاستفادة من تعمّد تقديم توصيف وظيفي ناقص
ثم التوجه بالسؤال: لماذا لا ينفعك أو يكفيك هذا التوصيف؟
و بعد المضي في مناقشة وجهة نظر الموظف يمكن للمدير و للموظف التوصل معاً إلى
إعادة تصميم الوظيفة تصميماً صحيحاً على ضوء الظروف الحاضرة
و بالإضافة إلى ذلك يمثل هذا الأسلوب المشترك في توصيف الوظيفة رسالةً واضحةً و مبكرةً
تؤكّد التزام الموظف الجديد بالمسؤولية عن نجاحه في عمله
- تفويض مهمة جديدة؟
تريد تفويض أحدهم بمهمة؟
أيضاً سلمه خطة و عناصر المهمة ناقصة
و اطرح السؤال الذهبي: لماذا ترى أن هذه الخطة لا تفيدك أو أنها صعبة أو مستحيلة النجاح؟
ثم تابع النقاش لتصل إلى إجابة السؤال الذهبي الآخر:
و ماذا ينبغي أن يكون لديك و كيف يمكنك تغيير طريقة العمل حتى تنجح؟
تذكّر! التخلّي عن بعض الخطة أضمن لتنفيذ معظمها
هذا هو الجزء الأصعب في أسلوب نصف التمام المقترح:
عندما يغيّر أحدٌ خطتك فإن من الصعب عليك النجاة من الاعتقاد بأن الأسلوب الجديد هو أقل فاعلية و نجاحاً
حتّى تنجح عليك أن تقاوم إغراء الغرق في إيجاد و شرح مبررات أفضلية فكرتك و طريقتك
عليك أن تكتفي بالابتسام و تشجّع التغييرات الجديدة التي يراها الموظفون
و سوف تجد أن ما ينتج لديهم من الاندفاع و الالتزام و تحمّل المسؤولية
يستحق كل الجهود و التضحيات المبذولة من جانبك
إن كانت فكرتك هي الأفضل و الأتمّ على الإطلاق فإن التخلي عن بعضها و القبول بتغييرها هو أضمن لنجاحها
فما هو القول إذاً عندما يداخلها النقص الذي لا عصمة منه لأي مخلوق؟
و أسلوب تقديم الفكرة أو الطريقة ناقصةً
و استحثاث إكمالها و تعديلها لدى القائمين على تنفيذها
لا تنحصر مزاياه في التعاملات الداخلية بل هو أسلوب رائع في إبرام المبيعات
قدّم عرضك الرائع نصف تام و انصرف إلى استحثاث رأي و ملاحظات المتلقّي
ثم امضِ إلى إعادة تصميم العرض بالتعاون مع عميلك المحتمل
بعملك هذا تحوّل الزبون المحتمل إلى شريك متعاون ينتهي به الأمر إلى اعتناق الفكرة التي صنعها بنفسه
أو شارك في صنعها و العمل معك على إنجاحها
في أوقات الركود الاقتصادي كالتي نشهدها
حيث تشتد أهمية توليد المزيد من النتائج من الأقل من الموارد
فإن تقديم الخطط و العروض و المهمّات نصف تامة سوف يوفر عليك
نصف الوقت و الجهد و يقدّم لك أفضل النتائج
بعد شرح الطريقة و مزاياها لا بدّ من أنكم تسألونني:
ماذا كانت نتيجة تجربتك بالفعل مع برنامج مراجعة الأداء الذي حدثتنا عنه؟
بعد سنة واحدة من العمل بأسلوب نصف الكمال المقصود
بينت الأرقام أن خمسةً و تسعين بالمئة من المديرين
كانوا ينفّذون مراجعات الأداء في أقسامهم على أفضل وجه
أجل، لم أنجح تماماَ!
تماماً كما كنت أنتظر
المفضلات