إن الفطرة السليمة سجلت وصاياها في هذا الكتاب بعد تجارب واختبارات ، وما انتهت من تسجيله جاء صورة أخرى للحِكَم التي جرت على لسان النبي العربي الكريم محمد بن عبدالله منذ قرون. وبذلك اتفق وحي التجربة ووحي السماء"
هذا ما سطرته يد الشيخ محمد الغزالي رحمه الله تعالى في مقدمة كتابه " جدد حياتك". والكتاب الذي يشير إليه هو "دع القلق وابدأ الحياة" لمؤلفه الأمريكي ديل كارنجي وهو من الكتب المعروفة.
وقد بدا المقدمة بقوله:" أحب أن ألفت الجاهلين بالإسلام والقاصرين في فقهه إلى الخاصة الأولى في هذا الدين ، وهي أنه دين الفطرة"
ثم :" وقد شُغفت من أمد بعيد ببيان المشابه بين تراث الإسلام المطمور وبين ما انتهى إليه جلة المفكرين الأحرار في أغلب النواحي النفسية والاجتماعية والسياسية وأحصيت من وجوه الاتفاق ما دل على صدق التطابق بين وحي التجربة ووحي السماء"
وما الفطرة التي يذكرها الشيخ؟
يعني كما أوضح الفطرة السليمة ،"فأصحاب الصحة النفسية والعقلية وأصحاب الأمزجة المعتدلة والطباع المكتملة هم وحدهم الذين يُسمع منهم ويؤخذ عنهم. أما المعلولون والمنحرفون وذوو الأفكار المختلة والغرائز المنحلة فهم كالثمار المعطوبة في عالم النبات أو الأجنة الشائهة في عالم الحيوان ليسوا أمثلة لسلامة الفطرة......."
ويذكر أن اصحاب القلوب الكبيرة والفطر السليمة لا تستغني عنهم الأمم أبدا وأن الحياة بدونهم باطل
ثم يتحدث الشيخ رحمه الله عن قضية أخرى مهمة وهي أن كثرة البضاعة من نصوص السماء لا تنفع من كان مريض الفطرة كما أن المكبر لا ينفع من فقد بصره. فهؤلاء مع محفوظاتهم الدينية الكثيرة يهبطون بها بدلا من أن ترتفع بهم ويذكر أن تاريخ هزائم رجال الدين كبير ولا يعني هذا هزيمة الدين بل هزيمة التدين المزيف وانتصار الفطرة السليمة فصاحبها هو الذي يُحسن تصور الدين ومن ثم يحسن تقديمه للناس أما من كان الدين في راسه مشوها فما الذي سيقدمه للناس؟
ومع حسن التصور للدين هناك ضميمة أخرى إلى جانبه وهي صدق العمل بالدين فالمثل العليا لا يضيرها شيء، كما يقول ، كأن يكون نقلتها أول الناس خروجا عليها.
ثم يتحدث عن نتاج الفطرة في الغرب ويورد قول القائل:" الناس رجلان : رجل نام في النور ورجل استيقظ في الظلام"
ويذكر أن نتاج الفطرة في البلاد غير المسلمة نتاج واسع الدائرة متفاوت القيمة.
ثم يتحدث عن "دع القلق وابدأ الحياة" وعن عزمه بعد قراءته للكتاب أن يرده إلى اصوله الإسلامية ، لا لأن الكاتب نقل شيئا عن الإسلام بل لأن خلاصات الكاتب تتفق مع الايات الثابتة في القرآن والأحاديث.


2

أذكر قصة قرأتها أن رجلا أراد أن يرحل من بغداد- كما أذكر- للتجارة والضرب في الأرض ابتغاء فضل الله جل وعلا وودعه إبراهيم بن أدهم وبعد يومين عاد الرجل إلى بغداد فلما سأله إبراهيمُ عن السبب ذكر أنه نزل في غار يستريح بعد مسير فرأى طائرا كسيحا لا يرى فتعجب وسأل نفسه "ترى من يطعمه ؟"فإذا بطائر آخر يأتيه ويغذيه فقال الرجل في نفسه "ها هو الطائر الكسيح يأتيه الرزق وهو في مكانه"، فعدت إلى بغداد ،فعلق ابن أدهم عليه بقوله" لماذا رضيت أن تكون الطائر الكسيح لا الطائر الصحيح الساعي في الأرض؟؟؟"

وقصة أخرى عن شابين ذهبا مندوبين لمصنع أحذية إلى قرية للترويج لأحذيتهم فوجدا الناس جميعا في القرية يمشون حفاة فعاد المندوب الأول محتجا بأن الناس حفاة وبالتالي لا سوق هنا وظل المندوب الثاني في القرية محتجا بأن الناس حفاة والسوق واعد.

وأذكر ثالثة وهي أن رجلا سأل توأما أحدهما متشائم والآخر متفائل عن سر التشائم والتفاؤل فأجابه المتشائم بأنه عاش حياة لم يواجه فيها سعادة إلا أعقبتها تعاسة وأما المتفائل فذكر بأنه لم يقع له موقف سيء إلا أعقبه موقف بهيج.

أردت أن ابدأ فصلا في كتاب "جدد حياتك" بهذه القصص الثلاث والفصل عنوانه " حياتك من صنع أفكارك" وقد أورد الشيخ الغزالي فيه قول المتنبي:
وما الخوف إلا ما تخوفه الفتى******وما الأمن إلا ما رآه الفتى أمنا

وأورد حديثا للترمذي:"فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط"

وحديثا في البخاري فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد مريضا يتلوى من شدة الحمى فقال له مواسيا:"طهور" فقال الأعرابي" بل هي حمى تفور على شيخ كبير لتورده القبور" فقال "فهي إذن"
وأذكر حديثا له صلى الله عليه وسلم :" تفاءلوا بالخير تجدوه"
كما أذكر ولعل هذا له علاقة بالموضوع أنه صلى الله عليه وسلم كان يغير أسماء بعض من يدخل في الإسلام كما تعلمون لما قد يكون له من تاثير سلبي على صاحبه وقد ذكر ابن القيم في زاد المعاد بدون إسناد أنه عليه الصلاة والسلام غير اسم رجل من مضطجع إلى منبعث كما أنه صلى الله عليه وسلم قال كما روت عائشة رضي الله عنها:"لا يقولن أحدكم : خَبُثت نفسي ، ولكن لِيقل : لقِسَت نفسي" متفق على صحته( يقول البغوي في شرح السنة:"لقست نفسي وتمقست :إذا غثت ومعنى قوله : خبثت هذا أيضا ولكنه كره لفظ الخبث فأرشدهم إلى استعمال اللفظ الحسن وهِجران القبيح منه")
فسعادة الإنسان أو شقاوته أو قلقه أو سكينته تنبع من نفسه كما يقرر الشيخ الغزالي
وقد قرأت حكمة أعجبتني: ليس هناك طريق إلى السعادة . السعادة هي الطريق.
وانظر إلى قوله جل وعلا:" ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم"
"ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم" سورة التوبة 98-99
فحياتك من صنع أفكارك . اسمع هذين البيتين:
إن لا يكن عظمي طويلا فإنني*** له بالخصال الصالحات وَصُول
إذا كنت في القوم الطوال علوتهم***بعارفة حتى يقال : طويــــــل

ونستطيع أن نصنع من أنفسنا مثلا رائعة في الحياة بتغيير وتجديد أفكارنا ومشاعرنا فلماذا تحبسك فكرة وتستنزفك مشاعر معينة تقيدك عن الانطلاق وبناء الحياة والعمل المشترك والتعاون المبدع.ما الذي يحبسك؟؟؟ أفكارك . غيرها ، تتغير ويتغير سلوكك وتتغير رؤيتك للحياة ونتائج عملك بالتالي.
قرأت أن فتاة اصابها الشلل النصفي فاستسلمت فترة لليأس ثم سمعت شخصا يقول:" المعاق هو الذي يركز على الأمور التي لا يستطيع أن يفعلها" فكأنها نشطت من عقال وبدأت تركز على ما يمكن أن تفعله.
ما الذي يعيقنا في رؤوسنا؟
ما يقوله الناس عنا أي المرآة الاجتماعية؟
ما نظنه قدراتنا ومواهبنا؟
قائمة "ما ينبغي" و"ما لاينبغي"؟
ما حدده لنا السابقون ورسموه لنا من مسارات؟
التحديات والصعوبات الحياتية؟
اليأس؟
الإحباط؟
كل ذلك؟؟؟؟
حياتك من صنع أفكارك . ومن يملك أن يغير أفكارك؟؟؟ أنت ،وأنت وحدك .
أوردت هذه الحكمة من قبل:
لا تمتنع عن الضحك خشية أن يصفك الآخرون بالغباء
ولا تمنع دموعك خوفا من أن ينعتك الناس بالحساس
ولا تمتنع عن المبادرة خشية أن يقول الناس عنك بأنك فضولي
ولا تتوقف عن التعبير عن مشاعرك خشية أن تظهر حقيقتك
ولا تخشى من عرض أفكارك وأحلامك أمام الناس خوفا من فقدانهم.


الذي يحب الآخرين قد لا يحبه الآخرون
والذي يعيش – حتما - سيموت
والذي يضع الآمال قد لا يحققها كما أنّ الذي يحاول قد يُخفق
إلا أن المغامرة لا بد منها، لأن أعظم مغامرة عدم المغامرة. والذين لا يغامرون لا يفعلون شيئا ولا يملكون شيئا وليسوا بشيء ولن يصبحوا شيئا
قد يتجنبون الألم إلا أنهم لن يتعلموا الإحساس والتغيير والنضج والحب والحياة
لقد استعبدوا أنفسهم ووضعوا حريتهم في حصون
من يغامر هو الحر حقا.
إنني لا اشك أن كثيرا من المرضى ، هم كذلك بسبب افكارهم عن الحياة والناس وأنفسهم وأن كثيرا من الضحايا هم كذلك لأنهم اختاروا أفكارا جعلتهم كذلك كالتاسف على ما فات والشعور بالدونية وإرضاء الجميع بلا إرادة واختيار.
فغير أفكارك ، تتغير حياتك.