عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 24
توازن الشخصيه المسلمه
العادة ....
هي أن تعتاد على شيء ....... ويعني أن تألفه،
فإذا اعتدت على طعام معيّن، أو لباس معيّن ، أو سلوك معيّن ، فإنّك تألفه للدرجة التي يصعب أن تُقلع أو تتخلّى عنه .
وللعادة محاسنها ، ولها مساوئها .
وهناك عادات سيِّئة لا يقبلها الدين ولا الذوق العام ولا العرف السائد ، وإنّما تنشأ من الاعتياد على القبيح والضارّ والمسيء والمخدش للحياء والعقل والدين .
وهذا يعني أ نّنا قد نتصرّف أحياناً بوحي العادة تصرّفات غير مدروسة ، ولو تأمّـلنا فيها ، في مضارها ونتائجها ، فلربّما أعدنا النظر فيما اعتدنا عليه .
لذلك فإنّ الشاعر الذي يقول: «لكلّ إمرئ من دهره ما تعوّدا» ينظر إلى تمكّن العادة من النفس وتحكّمها فيها .
أنّ اعتياد أي عادة سيِّئة لا يقبلها الدين ولا العقل ولا الحياء يورث الشقاء والمتاعب .
ومنطق العادة و التقليد الاعمى ، هو منطق قديم اتبعه المشركون في تحريم ما احل اللّه ، وتحليل ما حرم الله ، و عبادة الاوثان .
قال تعالى :
(واذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل اللّه قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا).
ويـديـن الـقـرآن هذا المنطق الخرافي ، القائم على اساس التقليد الاعمى لعادات الاباء والاجداد، فيقول : (أو لوكان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ).
اي ان اتـبـاع الابـاء صـحـيح لو انهم كانوا على طريق العقل والهداية ، اما اذا كانوا لا يعقلون ولا يهتدون ، فما اتباعهم الا تركيز للجهل والضلال .
الانـسان الجاهل لا يستند الى قاعدة ايمانية يحس معها بوجوده وبشخصيته وباصالته، لذلك يستند الـى مـفـاخـر الابـاء وعاداتهم وتقاليدهم , ليصطنع له شخصية كاذبة واصالة موهومة . وهذه عادة الجاهليين قديما وحديثا في تعصبهم القومي وخاصة في ما يتعلق باسلافهم .
ادان القرآن المنطق الرجعي القائم على تقديس ما عليه الاباء والاجداد، لانه ينفي العقل الانساني ، ويرفض تطور التجارب البشرية ، ويصادر الموضوعية في معالجة القضايا .
هـذا الـمـنطق الجاهلي يسود اليوم - ومع الاسف - في بقاع مختلفة من عالمنا، ويظهر هنا وهناك بشكل صنم يوحي بعادات وتقاليد خرافية مطروحة باسم آثار الاباء ومؤامرة باسم الحفاظ على الماثر ، مشكلا بذلك اهم عامل لانتقال الخرافات من جيل الى جيل آخر.
لا مـانـع طـبعا من تحليل عادات الاباء وتقاليدهم ، فما انسجم منها مع العقل والمنطق حفظ، وما كان وهـمـا وخـرافـة لـفـظ استبعد .
والمقدار المنسجم مع الدين و العقل والمنطق من العادات والتقاليد يستحق الحفظ والـصيانة،
اما الاستسلام التام الاعمى لتلك العادات والتقاليد فليس الا....... الرجعية والحماقة .
وهذا اللون من التقليد الاعمى... هو السبب في تخلف البشرية لانه تقليد الجاهل للجاهل .
قال تعالى :
(ومثل الذين كفروا كـمـثـل الـذي ينعق بما يسمع الا دعاء ونداء).
(صم بكم عمي فهم لا يعقلون ) .
فهم يتمسكون بالتقاليد الخاطئة لابائهم ، ويعرضون عن كل دعوة بناءة .
لقد انتشرت هذه الحمى بشكل مذهل اليوم ، يكاد يحصد القيم والمبادئ ،
فهو ألفة لما اعتاد عليه الآخرون ، ومجاراة لعاداتهم وتقاليدهم حتّى ولو كانت مرفوضة دينيا وخلقيا ، فالتقليد مأخوذ من عقد القلادة ، فكما تطوّق القلادة الجيد ، تطوّق العادة والتقليد النفس فتأسرها،
فإذا نظرت إلى المقلّد ، رأيته لا يعمل بموجب وعي ومعرفة وعلم ويقين ومنطق عقلي ، فلقد رأى الناس هكذا يفعلون ،
وهذه هي حجّته الوحيدة في الدفاع عن نفسه ، فهو في ذلك يشبه الببغاء التي تحكي وتردِّد ما تُلقّن به .
لابدّ من الفحص والتدقيق وعدم الاعتماد على ما قاله الآخرون في هذه المسألة أو تلك ،
فالإسلام يطالب أتباعه بالخروج من أجواء الألفة لما كان عليه الآباء والأجداد ، والاعتياد والتقليد، إلى أجواء البحث والتفكير والتأمّل ،
ذلك أنّ الأجواء الأولى هي أجواء تدعو إلى الخمول والخدر والتبعية السلبية والضلال والتخلّف ، أمّا الأجواء الثانية فهي أجواء تدعو إلى التفكّر والغوص إلى العمق واستجلاء الأبعاد.
ولذلك ترى أنّ بعض المنغمسين في الشهوات ، لا يقدرون على اكتساب الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة ، بعكس الذين يتحكّمون بشهواتهم ويكبحون جماحها ، لان الجزء الاول قد تحكمت به العادة والتقليد واستعبدته
ولو تأمّلنا في عباداتنا لرأيناها وسائل جادّة ومؤثرة في كسر طوق العادة ، فالصلاة كسر لعادة الغفلة ، والصوم كسر لعادة الشهوة ، والزكاة كسر لعادة الحرص ، والزُّهد والجهاد كسر لحالة التعلّق بالدنيا .
و العادة ليست قدراً .. جرّب أن لا تنام الظهر حتّى لو اعتدت على ذلك من قبل ، فستتمكّن بعد ذلك ، أنت تعاني في البداية من صعوبة قابلة للتحمّل . وجرّب مثلا ، أن تمتنع عن أطعمة وأشربة معيّنة كالشاي أو القهوة أو المشروبات الغازية، وستجد أنّ بإمكانك أن تفعل ذلك. فأنت أقوى من عادتك .. أنت صنعتها وأنت الذي يمكنك أن تتخلّى عنها ، فإذا أرخيت لها الزمام أحالتك إلى عبد أسير .
إنّ النفس كثيرة الشبه بالطفل، فالطفل إن تتركه يعتاد اللامسؤولية فإنّه يشبّ عليها ، وإن تحمله يتحمل.
اننا بكسر العادات الضارة والابتعاد عن التقليد الاعمى ، واجتناب الوقوع تحت تأثيرها ... نبدأ بصناعة النفوس المقاومة الكبيرة .
وإذا كانت النفوسُ كباراً***تعبت في مرادها الأجسامُ
وإن ما نراه ونسمعه هذه الايام لا يدعو الى الطمأنينة،،،،
فالناس يتعلمون السلوك السيء بالطريقة ذاتها التي يتعلمون بها أي نمط آخر من أنماط السلوك الاجتماعي.
كما أن معظم سلوك الإنسان يتم اكتسابه عن طريق القدوة ، ومن خلال العادة والتقليد والمحاكاة،
ورغم أن بعض من الآباء ينظرون للسلوك السيء على اعتباره سلوكا منبوذا ، إلا أن آخرين غيرهم يعتبرونه جزءا ضروريا من الحياة ونمطاً سلوكيا يجب أن يتعلمه الأبناء، وخاصة الذكور ، كالعنف والشراسة والفظاظة.
فالعائلة هي التي تتولى تربية النشىء، بخاصة في السنوات الأولى من عمر الوليد. كما أن الوالدين هما مصدر عملية التنشئة الاجتماعية، إيجاباً أو سلباً، ومن هنا نشير الى ضرورة عدم تهميش دور العائلة في السلوك الجيد للفرد
فالعنف مثلا ، ما هو إلا سلوك مكتسب يتم تعلمه في المحيط الأسري. وهذا مصداق لقول الرسول صلى الله عليه وسلم "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" .
أن القيم التربوية التي تبني شخصية الإنسان في طفولته وشبابه المبكر يصبح من الصعوبة تبديلها دون زعزعة توازنه،
من هنا فإن ما يتم تلقينه للطفل من السلوك العدواني تجاه الآخر، بما فيها من لغة الكراهية، من الصعب انتزاعه منها بسهولة بعد ذلك ،
إن عمليات التطبيع الاجتماعي ونقل التراث من جيل لجيل والتي تتم عن طريق الأسرة لها تأثير عميق على مستقبل الافراد.
وكذلك ، فإن الثوابت الدينية التي يتلقاها الفرد من الصغر ، تظل راسخة في شخصيته وفي تعامله مع الآخرين، ويعتبر جزء من ثوابته الشخصية التي تظل معه حتى طوال حياته.
وهنا مثلنا التراثي القائل: من شب على شيء شاب عليه.
ان التكوين النفسي للإنسان هو عبارة عن مجموعة من المركبات الشعورية المعقدة ، التي من الصعب اختراقها ، لكي يستدركها العقل البشري ويهضمها تماماً لتعطي معطياتها وتأثيراتها على كيانه ككل.
فالجانب العقلي في الانسان أحد ملامح الشخصية المهمة لنفاذ الفكرة وثباتها لتطبع كبصمة البنان في الوجدان.
وأول غذاء يستقبله العقل المسلم هو العقيدة الاسلامية ،
ان نظرة سريعة إلى واقعنا الاجتماعي الذي نعيشه نستطيع التماس حقيقة الخلخلة العقائدية العميقة في الوجدان وتزاحم المتناقضات الشكلية في الطباع والسلوك والمواقف.
نسخ متكررة من المظهر الشكلي الباهت و البعد النفسي الواهن و الذي يمكن صبغه بملامح قابلة للتغيير عبر أي مؤثر خارجي.
هذه النسخ ، تتحدث باسم الدين وتناهض عبر حوارات سفسطائية كل أوجه القصور في الأطراف الأخرى ، لتتفجر عبر هذا الاحتداد الكلامي ، صراعات كثيرة على الساحة، تعود إلى تضارب فكري كبير وتنافر عاطفي يقودان إلى تعميق الفجوة بين التيارات المتصارعة.
وعندما نعود إلى حقيقة هذه الشخصيات، نكتشف ان إشباعها العقائدي ناقص ومبتور.
ويتطلب فهم التوحيد عن وعي وحب لله سبحانه ، بحيث يصل الشعور الى فكرة التوحد في حب الله وعبوديته لتنعكس واقعاً على تصرفاتنا وأخلاقياتنا،
فهذا الشعور ، يتطلب الحذر في النطق والتصرف والمعاملة والحكم والممارسة وإعادة كل الأشياء والمحسوسات والقضايا إلى الحكم العقلي الشرعي الخاضع برضا الله أو غضبه عن حب وقناعة.
فعلى سبيل المثال: اتهام الناس والتشهير بهم ونعتهم بأبشع النعوت دون فهم ما لهذه الرواسب والمخلفات السلبية التي تفكك أنسجة المجتمع وتمزق أواصره وتشعل جذوة الفتنة حتى تتحول إلى أمر يعتاده الناس بفعل الروتين والعادة والتكرار ..
فكما فعل فلان سأفعل وسيفعل علان .. فالعبث في سيرة الناس والتلذذ بعيوبهم وذكرهم بأسوأ الصفات أثناء غيابهم وتعميم مظاهر فاسدة على الجميع ، لهو عامل سلبي من عوامل الهدم للروابط الاجتماعية في حين أن المسلم الحقيقي الواعي لحقيقة دينه يحتوي بحكمة وسرية كل العناصر المشوهة التي تهدم كيان مجتمعه.
المظاهر الفاسدة على جميع صورها والتي يتناولها المجتمع الاسلامي جميعنا مسؤول عنها ومحاسب عليها .. لأن السلبية في الفعل وانعدام القدوة، والقيم المثالي الذي يحتفظ بخطه كنموذج فعال يحفظ الآخرين ويوجه مسيرتهم ومصالحهم بضمير وصدق بدءاً من رب الأسرة حتى آخر مسوؤل (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).
ناهيك عن بعض من تحول إلى جلاد يتلبس لباس الدين ويتمسح بمسوح الإيمان وهو يلقي التهم جزافاً دون الرجوع إلى مفهوم العقيدة الواعي الذي يرفض هذا التصرف.
فنحن لا زلنا بحاجة إذن الى هذا الزخم الهائل المتدفق بروح الاسلام ،
و كل مسلم ، بحاجة إلى وقفة صامتة مع ذاته ، ليفتح حواراً داخلياً مع نفسه ، ويقيم عقيدته،هل هي متوافقة مع سلوكياته أو مناقضة لما يعتقد ويقول، بين ما يتبنى من قيم ويتصرف؟.
فالعقيدة الراسخة لا يمكن أن يتسلل إليها أي فكر هدّام أو أي منطق دخيل على الفطرة، ولا تجدي كل محاولات التسلل النفسية التي يصطنعها الآخرون لإضعاف اسلامنا.
فنقطة الضعف هي في محور التفكير الذي يتبنى الاسلام عن قناعة وإيمان وتشبث إلى حد تتغلغل فيه الجذور إلى أرضية العقل وتنصب بمشاعر نفسية وعاطفية إلى أعماق الروح.
ولهذا يكن من السهل أن تهتز صورة بعض المسلمين في المجتمعات الأخرى، من السهل أن يتخلى المسلمون عن التزاماتهم الشرعية.
ومن السهل جداً أن نتنازل عن حقوقنا إلى الآخرين بتلقائية ساذجة لأننا فقط نتغنى بقشور هي عادات وتقاليد موروثة نظنها من صميم العقيدة وهي في الحقيقة موروث اجتماعي رهين الظروف الحالية .
وننسى أن العقيدة الاسلامية لها مناهل حقيقية أصيلة تمنحنا الزخم العقائدي والعاطفي كطاقة حرارية ملتهبة لا تفتر ولا تخمد بل يصل مفعولها النفسي إلى حد أن تقف أمام رغبات النفس كحصن منيع وسد قوي أمام أي تخلخل منيع أو اهتزاز في شخصية الانسان وبنيته العقائدية إلى حد الاستماتة والدفاع عن كرامة الانسان واعتباره.
وهي، بالتالي، تعبير صادق عن نمط من الوجود البشري وعن نظام من العلاقات التي يدخل البشر فيها مع بعضهم البعض في ذلك الوجود.
ان الجهل بحقائق نظام الوجود الاسلامي من حيث أساسه المعرفي وبناؤه الثقافي ، يتولد عنه الكثير من السوء في النظرة .....والخطأ في التقدير والمعرفة داخل عقر دارنا، وفي محيط عالمنا ،
فكفانا عبثاً وجدلاً وتهماً، ولنتفهم الشخصية الاسلامية متكاملة الأخلاق، متوازنة قولاً وفعلاً.
فنحن في مفترق طريق ، اختار البعض فيه خلع ثوب الاسلام ، ليقف في منتصف الطريق
ينظر إلى المستقبل......... نظرة ضبابية باهتة لا علامة لها ولا هوية.
المفضلات