أوضح الدكتور محمد المهدي -أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر ومدرب التنمية البشرية- أن هناك عدة استراتيجيات للتخلّص من الضغوط اليومية التي تواجهنا في الحياة أهمها: تجاوز المشكلة وعدم الوقوف عليها من خلال نظرة أكثر اتساعاً؛ حيث إن النظرة المتّسعة للأمور تقلل من أثر الضغوط على الأفراد، ومن الضروري أن يعي الفرد هدفه في الحياة.

مضيفاً أن الحصول على أقساط متتالية من الراحة من العمل يخفف كثيراً من التأثيرات السلبية للضغوط.

جاء ذلك خلال الندوة التي نظّمتها جمعية "مصر المحروسة بلدي" بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة الخميس الماضي.

وأوضح "المهدي" أن ممارسة الرياضة واتباع نظام غذائي، لا يعتمد على الوجبات السريعة المليئة بالزيوت والشحوم والألوان الصناعية، من أهم أساليب مواجهة الضغوط، أضف إلى ذلك الروحانيات من خلال الصلاة والأدعية؛ ناهيك عن حب الآخرين والْتماس الأعذار لهم هو وقاية للتخلّص من الضغوط؛ حيث إن الضغوط تنشأمن قانون الصراع، والاسترخاء ينشأ عن حب الآخرين.

وأشار المهدي إلى أن الضغوط الحياتية تعني في مضمونها الشقاء والتعب الذي نعيش فيه؛ مؤكداً أنها ذكرت في القرآن الكريم في سورة البلد؛ حيث يقول تعالى {لقد خلقنا الإنسان في كبد} موضحاً أن كلمة كَبَد تحمل كل معاني المشقّة والكفاح والمجاهدة؛ ولكن هذا الكَبَد هو الذي أنتج الحضارة التي يجني الإنسان ثمارها حالياً.

وأوضَح أن الضغوط تمرّ بثلاث مراحل، هي:
الإنذار؛ حيث تبرز مؤشرات نفسيّة مثل التوتر، أو جسدية مثل رعشة اليدين، وهنا يشعر الإنسان ببعض الأشياء التي تُنذر بالخطر.

بعدها تأتي مرحلة المقاومة؛ حيث تبدأ أجهزة الجسم في العمل كي تتكيف مع هذا الخطر.

ثم تأتي مرحلة الانتصار أو الإجهاد، وقد يخرج الإنسان من هذا الضغط أو يستسلم له؛ مشيراً إلى أن اتّباع استراتيجيات مقاومة الضغوط سالفة الذكر تلعب دوراً كبيراً في نجاح الفرد في التخلص من الضغوط؛ محذراً من أن عدم قدرة الفرد على التخلص من ضغوطه قد تصيبه ببعض الأمراض المزمنة والخطيرة مثل القلب والضغط وغيرها.

ولفت "المهدي" إلى أنه يلزم تغيير طريقة تفكيرنا في التعامل مع الضغوط وأنماط حياتنا وسلوكياتنا من خلال إدراك حقيقي وواقعي للمشكلات والضغوط من حولنا من أجل التعامل معها بإيجابية من خلال إدراك أن الحياة وعي وسعي، مسترشداً بقوله تعالى {يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه}؛ مؤكداً أن الوعي والسعي يجعلان الإنسان يشعر بالرضا، ومن يستطيع أن يقتنصهما في سلوكياته يستطيع أن يعمل كثيراً، وعندما تواجهه بعض الضغوط يستطيع اجتيازها؛ مشيراً إلى أن كثيراً من الناجحين يعملون كثيراً.

وأشار المهدي إلى أن بعض الضغوط التي تواجه الشباب التي توصّلت إليها بحوث علم النفس حديثاً سببها فقدان قيم الانتماء والإحساس بالاغتراب والخلافات مع الأبوين والبطالة والتدخين وكثرة الإغرءات التي يشاهدونها في وسائل الإعلام في ظل قلة إمكاناتهم؛ مما يجعلهم يشعرون بالسخط على الواقع.

مضيفاً أن الزواج والعزوبية والعنوسة وكبت الحرّيّات الدينية والاجتماعية والسياسية كلها ضغوط ومشكلات تواجه معظم الشباب؛ لذا يلزم اتباع استراتيجيات في التعامل مع هذه المشكلات.

وأوضح "المهدي" أن التغاضي عن بعض الاحتياجات من أهم أساليب مواجهة المشكلات؛ موضحاً أن الإمام ابن تيمية كانت له مواقف جريئة ضد التتار، وقد ذهب إليه الناس مرة ليواسوه؛ فأوضح لهم أنه مستعد لتقبّل كل أنواع الضغوط من التتار دون أن يغضب؛ مشيراً إلى أنه ليس من الضروري أن يحصل كل إنسان على كل احتياجاته؛ بل يمكن التغاضي عن بعضها حتى لا تتولد لديه مشاعر الإحباط عندما يفشل في الحصول على بعضها.

وتحدّث "المهدي" عن مصادر السعادة والرضا للإنسان؛ مشيراً إلى أنها تتلخص في إنجاز بعض المشروعات أو العلاقات المتميزة بالآخرين، أو من خلال التوافق مع القيم السائدة في المجتمع؛ مؤكداً أنه عند التعامل مع المشاكل يجب أن يكون الفرد حلّالاً لها وليس حمالاً للهموم.