لا يوجد في الكون دين سماوي، أو فكر فلسفي يرى في الانتحار ثمة حل أو طريقة لتصحيح أي شيء.

فهو كفر بالله، وضياع للحياة، وإعلان عن يأس وفشل وضعف المنتحر.



لكن الانتحار الذي سأحدثكم عنه هاهنا ليس انتحارا جسديا، ولا أقصد به إزهاق الروح، وإنما مقصدي هو الانتحار المعنوي، والقضاء على الثقة والهمّة وروح العمل والتحدي الذي رزقنا بهم الله جل وعلا.

فمن الناس من يمشون بيننا بأجساد خاملة، مات بداخلهم كل ما يدعو إلى التحدي والعطاء، وهؤلاء لا أصنفهم أحياء، إنهم أموات ولكن لا يعلمون!
إننا نحيا في زمن يعج بـ"الموتى الأحياء" الذين ارتضوا بالحياة الأدنى، على رأس كل واحد منهم عداد غير منظور يحسب الأيام والساعات، حتى إذا ما دنا موعده، أغمض عينيه بهدوء وذهب دون أي أثر له في الحياة!

وبئس حياة تلك التي نعيشها، دون أن نغرس فيها ثمرة للخير، أو بذرة للحق، أو شجرة للعلم يستفيد منها من بعدنا في الحياة، ونتعلق بها يوم يذهب كل شيء إلا الأعمال العظيمة تنقذنا من عذاب السعير.

الأديب الساخر جورج برنارد شو يُحرج البعض بقوله "طالما لدي طموح فلدي سبب للحياة، القناعة تعني الموت".

والقناعة هنا ليست الرضا، إنما هي توقف النظر للأمام، أن يكون لطموحك منتهى، ولتطلعاتك خط نهاية.
وبدوره يطلق أديب العربية الكبير مصطفى صادق الرافعي النار على الخاملين الضعفاء بمقولته العظيمة "من لم يُزد شيئا على الدنيا فهو زائد عليها".

إما أن تضع على جبين الحياة بصمة جميلة مشرفة، وإما أن تُثقل كاهلها بعبئك وحملك وهمومك..

إما أن تكتب لك فيها تاريخا مشرقا عظيما، وإما أن تُطوى حياتك، فلا يتذكرك أحدهم يوم يغيب جسدك.

بقعة ضوء: من الصفوة أقوام مذ تيقظوا ما ناموا، ومذ سلكوا ما وقفوا، فهمهم صعود وترقّ، كلما عبروا مقاما إلى مقام رأوا نقص ما كانوا فيه.. فاستغفروا.