مخترع التلغراف .. من رسام فقير إلي مخترع مشهور

بدأ حياته فقيرا معدما , أحلامه تنسل منه هاربة .. تصيبه النائبة تلو الأخرى وهو صابر راضي.. وأخيرا.. وبعد أن شارف على الخمسين من عمره تبسمت له الدنيا وقدم للبشرية أحد أعظم الاختراعات في التاريخ الحديث .. التلغراف .. ليفتتح عصر تكنولوجيا الاتصال.

ولد صامويل مورس في مدينة شارلستون Charlestown بولاية ماشاستوس الأمريكية Massachusetts في 27 أبريل عام 1791.

لم يكن "مورس" طالبا متفوقا , لكنه أظهر نبوغا في الرسم , وزاد من موهبته التشجيع الذي صبه في نفسه كلا من مدرس الرسم ووالده .. واستمر يرسم ويتقن الرسم حتى تخرج من جامعة يلا Yale College عام1810 حالما بمواصلة شق طريقه في عالم الرسم ..إلا أنه يواجه مشكلة كبيرة .. رغم نبوغه في الرسم يعارض والده أن يستمر في دراسته للرسم ..فالأسرة فقيرة تحتاج إلي من يساند الأب في كفاحها للبقاء والعيش.. وهكذا تخلي الابن عن حلمه والتحق للعمل ككاتب بسيط في مكتبة المدينة.



وخلال أوقات الفراغ يجد أنامله تمسك الفرشاة .. ترسم وتلون وتبدع , ويلمحه الأب ويغير رأيه ويوافق على سفر ابنه إلي إنجلترا عام 1811 لدراسة الرسم.

وفي لندن يعمل مورس في الأكاديمية الملكية وينهل من علم الرسام الأمريكي الشهير بنجامين وست Benjamin West ( 1738 – 1820 ).

وبعد أربع سنوات من دراسة الرسم استقل السفينة عائدا إلي بلاده يحدوه الأمل في رسم لوحات تدر عليه وعلى أسرته الأموال الوفيرة .. وافتتح الشاب الحالم أستوديو في مدينة بوسطن .. ولشدة ما كانت دهشته وحزنه .. فقد اكتشف أن الجماهير تقبل على معرضه وتعجب بلوحاته .. دون أن يدس أحد منهم يده في جيبه لشراء إحدى تلك اللوحات الجميلة , فقد كانت المدينة تمر بحاله من الركود الاقتصادي .

وطاف "مورس" العديد من المدن الأمريكية بحثا عن عمل يعول به أسرته حتى استقر به الرحال في مدينة نيويورك عام 1823 .. وخلال رحلته تلك رحلت زوجته الأولي عن الدنيا. كانت صدمة كبيرة للشاب الحالم .. وصمم هو على تحقيق حلمه مهما كانت المشاق .. وتبسمت له الدنيا أخيرا ورسم لوحات لكبار رجال السياسة , وهو ما أهله ليصبح أول رئيس للأكاديمية الوطنية للتصميم والتي كانت تهدف إلي مد يد العون للفنانين ومساعدتهم على بيع لوحاتهم والارتقاء بذوق الجماهير.
وكما أعطته الدنيا العمل أخذت منه في نفس العام والده الذي توفي بعدما رأي ابنه قد نال من الشهرة ما لم يكن هو يحلم به , وعرف أنه اتخذ القرار السليم حينما سمح له بمواصلة دراسة الرسم , وبعد عامين من وفاة الأب توفيت الأم.
لقد كشرت الدنيا عن أنيابها للشاب .. وتوالت الصدمات على رأسه وقلبه .. فتدهورت حالته الصحية ونصحه المخلصون بالسفر إلي أوروبا للاستشفاء والسلوى.. وحملت السفينة جسد مورس المنهك دون أن يدري أن رحلته تلك ستغير مجري حياته للأبد.

في رحلة العودة – أكتوبر 1832 - قابل مورس طبيبا غريب الأطوار يدعي "تشارلز توماس جاكسون" Charles Thomas Jackson .. وأخذهما الحديث إلي أن تناقشا سويا في الكهرباء المغناطيسية.. وأكد جاكسون لـ"مورس" أن النبضات الكهربائية يمكن أن تنتقل لمسافات بعيدة عبر الأسلاك .

قال مورس بعدها: هنا طافت بذهني فكرة .. إذا كانت النبضات تنتقل عبر الأسلاك .. فلا يوجد عائق أمام نقل الرسائل عبر الأسلاك أيضا.
وعلى الفور - وهو على ظهر السفينة - بدأ في عمل اسكتشات للاختراع الذي ينوي تنفيذه. ورغم عمله كأستاذ للفنون في جامعة مدينة نيويورك إلا أن التلغراف لم يغب عن ذهن مورس .. حيث حضر العديد من الدروس والمحاضرات في الكهرباء.
وفكر في أن جهازه يجب أن يتكون من ثلاثة أجزاء رئيسية : المرسل الذي يفتح ويغلق الدائرة الكهربائية لإرسال إشارات , والمستقبل الذي يستقبل الرسالة , وأخيرا الكود أو ما أطلق عليه فيما بعد " شفرة مورس" والتي تترجم الإشارات إلي حروف وأرقام .

بحلول يناير عام 1836 انتهي مورس من تصميم جهازه. وفي سبتمبر 1837 أسس شركة مع الفريد فيل Alfred Vail والذي ساهم بكلا من المال والمهارات الميكانيكية . وملأ الاثنان براءة الاختراع. وكان عليهما أن ينتظرا حتى عام 1843 حينما وافق الكونجرس الأمريكي على تخصيص مبلغ مالي كبير لمد خط تلغراف بين العاصمة واشنطن ومدينة "بلتيمور".

وفي 24 مايو 1844 أرسل مورس أول رسالة تلغرافية في التاريخ: ماذا خلق الله؟
What hath God wrought!

وأصبح الرسام الفقير أعظم مخترعي أمريكا .. وهبطت عليه الثروة وهو في الخمسين من عمره ويتبرع بأكثرها في أعمال الخير.
وبعد مورس أسرع العلماء إلي مختبراتهم .. فقد افٌتتح عصر تكنولوجيا الاتصالات.