مفاتيح التعامل مع عصبية الشباب

عصبية الشباب واندفاعهم يراها البعض ظاهرة طبيعية في هذه الفترة العمرية، وقد يكون ذلك صحيحا إلى حد ما. ولكن العصبية إذا زادت عن حدها فلا بد من التعامل معها على أنها ليست ظاهرة طبيعية على الإطلاق.. بل ظاهرة تحتاج إلى تعامل خاص يتيح من خلاله للشباب العصبي الإقلاع عن تلك العصبية أو تحجيمها على الأقل.

والشباب العصبي المزاج قد نراهم حادي الطباع، يتصرفون من خلال عصبيتهم معاندين، يريدون أن يحققوا مطالبهم بالقوة والعنف الزائد، لا يعتمدون على أنفسهم في معظم الأحوال، حركتهم دائمة، متوترين، وهذا التوتر يسبب إزعاجا كبيرا للمحيطين بهم.

ولعصبية الشباب أسباب كثيرة، منها أسباب نتيجة التكوين الموروث في الشخصية، وفي هذه الحالة يكون أحد الوالدين عصبيا فعلا، ومنها أسباب بيئية مثل نشأة هؤلاء الشباب في جو تربوي مشحون بالعصبية والسلوك المشاكس الغضوب.

ويمكن القول للوالدين ولكل المتعاملين مع الشباب من الجنسين: إن الحديث مع الشباب بفظاظة وعدوانية، والتصرف معهم بعنف، يؤدي بهؤلاء الشباب إلى أن يتصرفوا ويتكلموا بالطريقة نفسها.. بل قد يتمادوا للأشد منها تأثيرا. فالشباب يتعلمون العصبية في معظم الحالات من الوالدين أو المحيطين بهم.

كما أن تشدد الأهل مع الشبان والشابات بشكل مفرط، ومطالبتهم بما يفوق طاقاتهم وقدراتهم من التصرفات والسلوكيات، يجعل الشباب عاجزا عن الاستجابة لتلك الطلبات، والنتيجة إحساس هؤلاء الشباب بأن عدوانـا يُمارس عليهم، يؤدي إلى توترهم وعصبيتهم، ويدفعهم ذلك إلى عدوانية السلوك الذي يعبرون عنه في صورته الأولية بالعصبية، فالتشدد المفرط هذا يحول الشباب إلى عصبيين متمردين ثائرين.

ولا داعي للتعجب إذا علمنا أن التدليل المفرط للشبان والشابات يقود إلى العصبية والعدوانية أيضا. فالشباب المدلل بإفراط يشعرون بأنهم محور الكون، ويغالون في قيمة أنفسهم؛ لأن الوالدين لا يتيحان لهم فرصة استكشاف الواقع ومتطلباته. والدليل على ذلك أن رغبات الشباب المدلل أوامر.. وبالتالي يكونون غير قادرين على احتمال أي إحباط أو فشل يواجههم في حياتهم سواء في المدرسة أو الجامعة أو النادي أو في المحيط الأسري، وعند أول مواجهة يشعرون بأنهم مضطهدون ومظلومون من الآخرين، وأن الآخرين يحقدون عليهم. وهو إحساس وشعور يثير عدوانيتهم ويدفعهم إلى السلوك العصبي مع الآخرين. وهذا ليس قاصرا على الآخرين فحسب فهناك حالات من بعض الشباب المدلل عندما تصبح متطلباتهم على المدى الطويل على قدر من الغلو، وعندما يشعر الأهل بأنهم لم يعد بوسعهم أن يلبوا متطلباتهم، فإن الفجوة تزداد بين الأبناء وذويهم، وبذلك يبدأ الصراع بين الشباب والأهل في صورة عصبية وسلوك عدواني لتلبية رغباتهم التي اعتادوا عليها.

وهناك أسباب أخرى مختلفة لعصبية الشباب من الجنسين منها: ضيق المنزل، وعدم توافر أماكن للهو، وممارسة أنشطة ذهنية أو جسدية، وإهمال حاجتهم الحقيقة للاسترخاء والراحة لبعض الوقت.
ويلعب التفكك الأسرى دورا رئيسيا في عصبية الشباب. فالشاب أو الشابة يشعران بسرعة بهذا التفكك حتى لو حاول الوالدان أن يخفياه، وهذا التفكك يثير لدى الشباب قلقا نفسيا شديدا يعود إلى إحساسهم بصعوبة التوفيق بين حبهم لطرف وحبهم للطرف الآخر.. وإلى أي الأطراف ينحازون.. فهذا القلق يؤدي إلى ردود فعل عدوانية قد تتخذ العصبية شكلا لها.


والغيرة الأخوية قد تكون في بعض الأحوال عاملا من عوامل عصبية الشباب، وتأتي تلك الغيرة عن شعور الشاب أو الشابة بالحرمان من حاجة من الحاجات الضرورية، نتيجة وجود منافس يغتصب منه حقوقه في التمتع بتلك الحاجة، وعلاج ذلك يكون باستخدام الأسلوب التربوي الصحيح الذي يتسم بالعدل التام والمطلق ما بين الإخوة والأخوات، والحرص على أن يكون الحب هو أساس التعامل بين أفراد الأسرة، وأنه بدون ذلك الحب فليس لأحد أي حق من الحقوق.

كما أن الخلاف بخصوص أسلوب تربية الشباب والشابات وخاصة في فترة المراهقة، يمكن أن يكون سببا لعدوانية هؤلاء الشباب الذين سرعان ما يشعرون بالفطرة أن هناك خلافا حول تربيتهم، ويمكن أن يقوم الشباب باستعمال أحد الوالدين ضد الآخر ليصبح في وضع مدلل، وإذا لم تلب رغباته كانت العصبية والثورة النفسية هي رد الفعل لذلك.

ونأتي لكيفية التعامل مع الشباب العصبي بعدما استعرضنا الأسباب:

إن مفاتيح التعامل مع عصبية الشباب هي: الأمان، والحب، والعدل، والاستقلالية، والحزم. فلا بد للشباب من الشعور بالأمان في المنزل، الأمان من مخاوف التفكك الأسري، والأمان من الفشل في الدراسة والأمر الآخر هو الحب فكلما زاد الحب للأبناء زادت فرصة التفاهم معهم، فيجب ألا نركز في حديثنا معهم على التهديد والعقاب.

والنقطة الثالثة هي العدل في التعامل مع الأبناء فالسلوك التفاضلي نحو الأبناء يوجد أرضا خصبة للعصبية؛ لأن العصبية هي ردة فعل لأمر آخر وليست المشكلة نفسها.

والمفتاح الرابع هو الاستقلالية، فلا بد من تخفيف السلطة الأبوية عن الأبناء وإعطائهم الثقة بأنفسهم بدرجة أكبر مع المراقبة والمتابعة عن بعد، فشعور الاستقلالية شعور محبب لدى الأبناء خصوصا في هذه السن.

أما المفتاح الأخير فهو الحزم فيجب ألا يترك الشاب لفعل ما يريد بالطريقة التي يريدها وفي الوقت الذي يريده ومع من يريد. وإنما يجب أن يعي الشاب أن مثل ما له من حقوق فإن عليه واجبات يجب أن يؤديها، وأن مثل ما له من حرية فللآخرين حريات يجب أن يحترمها.

وإليك بعض الخطوات العملية :

1 - جلسة المصارحة والمناصحة: يمكن أن تعقد جلسة مصارحة ومناصحة مع الابن يفضل أن تكون بوجود الوالدين يتم فيها مصارحة الابن بأن هذا السلوك غير مرغوب فيه، وأنه أمر مقلق للأسرة جميعها. ويطلب منه ذكر أسباب سلوكه بهذه الطريقة وتذكيره بأنه لم يكن كذلك في السابق وأنه إذا كانت هناك أسباب حقيقية فنحن على استعداد للتعاون في التعامل معها.

ثم تكون المناصحة، وذلك بتوضيح السلوك المرغوب فيه تجاه الوالدين وتجاه الأخوات، مع تأكيد قيمة ودور الابن المنتظر منه في المستقبل. حتى يشعر بالحب والأمان والقيمة. ثم يتم عقد اتفاق بين الوالدين والابن على حسن السيرة والسلوك.

2 - جلسة تهيئة البيئة: وتكون هذه الجلسة مع الأبناء الآخرين وذلك لتأكيد الحب للابن والتنبيه على الأبناء بضرورة مراعاة مشاعر الابن، وعدم محاولة إثارته؛ لأن الأمر لا يخلو أحيانا من الإثارة المتعمدة، من قبل بعض الإخوة للابن العصبي. ويتم عقد اتفاق على ذلك، وهذا سيساعد على تهيئة جو أفضل لتخلص الابن من العصبية.

3 - فترة المراقبة: وتكون فترة لاختبار الابن لمدى محاولته الالتزام بالاتفاق الذي تم، ومدى التزام بقية الإخوة بالالتزام بعدم إثارة أخيهم.

ويستخدم في هذه المرحلة أسلوب التعزيز الايجابي والتعزيز السلبي، فإذا ظهرت عليه بوادر الالتزام أو على الأقل محاولة الالتزام كان هناك تعزيز ايجابي، وإن لم يكن كان هناك تعزيز سلبي، ويُقصد به حرمانه من بعض الأشياء التي يحبها تدريجيا. ولا ينصح بالعقاب والضرب فإنه يزيد الأمور سوءا، خصوصا لشباب هذه السن والمرحلة.

4 - جلسة المتابعة: وتكون هذه الجلسة بعد مرور فترة زمنية كافية قد تكون من (10) أيام إلى أسبوعين يكون فيها التذكير والتشجيع والتأكيد. فالإنسان ينسى وسرعان ما يرجع إلى طبعة وسلوكه، ومثل هذه الجلسة يمكن أن يقوم بها أحد الأبوين.

وهكذا حتى يتخلص الابن من هذه الصفة تدريجيا، ويُنصح بالصبر والدعاء للابن بالهداية والنجاح فللدعاء أثر كبير في إصلاح الأبناء، فاللهم.. اهده واجعله صالحا مصلحا بإذنه تعالى.

وتنظيم الأسرة لبعض البرامج والأنشطة الجماعية يساعد على تنمية قيم ومهارات التعاون والإيثار والتسامح، وهذه الأنشطة مثل الدروس الأسرية والرحلات الخارجية والزيارات العائلية وجلسات الشورى المنزلية. من خلال التجربة هذه الأمور مفيدة جدا ليس لحل مشكلة العصبية فقط وإنما لإحلال قيم إيجابية مرغوب فيها أيضا.