تعلم كيف تصطاد الآخرين !!!!

كنت دائماً ما اذهب لاصطياد السمك في الصيف, وكنت شخصياً شغوفاً بالفراولة والقشدة, ولكنني وجدت أن الأسماك تفضل الدود لسبب لا اعرفه, ولذلك عندما ذهبت للصيد لم أفكر فيما أرُيد أنا, بل فكرت فيما يريده السمك !!!!


فلماذا لا نستخدم هذا النظرية عند التعامل مع الآخرين ؟؟؟


لا يوجد ذلك الإنسان الذي يتمتع بالاكتفاء الذاتي, فكل منا بحاجة إلى أشياء بوسع الآخرين القيام بتقديمها, ونحن أيضاً لدينا أشياء يحتاج إليها الآخرون, وكل تعاملاتنا مع الناس إنما تستند إلى تلك الاحتياجات, والإنسان السوي بطبعه مدني, يألف الآخرين ويحتاج إليهم .


قال الرسول صلى الله عليه و سلم :

" المسلم إذا كان مخالطاً الناس ويصبر على أذاهم، خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم " صححه الألباني


مخالطة الناس مطلب ضروري لتسير عجلة الحياة


و هذه بعض القواعد و الفنون للتكيف أو التعايش في سلام مع الآخرين على اختلاف طباعهم و تنوع نفسياتهم .







أولاً / التغافل :


التغافل هو التغاضي وعدم التركيز على الأخطاء والزلات والهفوات الصغيرة, تكرماً وحلماً وترفعاً, عن سفاسف لأمور وصغائرها, وترفقاً بالآخرين .


قال الإمام أحمد بن حنبل- رحمه الله- : " تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل "

وهو تكلف الغفلة مع العلم والإدراك لما يتغافل عنه تكرماً وترفعاً عن سفاسف الأمور.

وقال الحسن البصري -رحمه الله- : " ما زال التغافل من فعل الكرام "

وقال الحسن -رضي الله عنه-: " ما استقصى كريم قط؛ قال الله تعالى: { عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ }[التحريم:3]

و قال عمرو المكي -رحمه الله- : " من المروءة التغافل عن زلل الإخوان "

وقال الأعمش -رحمه الله- : " التغافل يطفئ شراً كثيراً "

وقال الشافعي -رحمه الله- : " الكيس العاقل هو الفطن المتغافل "

و قال جعفر -رحمه الله- : ‏"‏ عظموا أقدراكم بالتغافل‏ "‏

و قال بعض العارفين : " تناسَ مساوئ الإخوان تستدِم ودّهم‏ "

قال الشاعر :

أحبُ من الأخوانِ كل مواتيِ **** وكلَ غضيضُ الطرفِ عن هفواتِ

و قال أخر :

ويغضُ طرفاً عن إساءةِ من أساءَ **** و يحلمُ عند جهلِ الصاحبِ

و قال أخر :

ليس الغبي بسيدٍ في قومه **** لكن سيد قومه المتغابي


إذان فالناس يكرهون من ينقب عن الزلات و لا ينساها

فلنتغاضى أو نتغابى حتى تسير الحياة سعيدة هانئة لا تكدرها صغائر الأمور و توافهها







ثانياً / كن متعاونا مع الآخرين :


( تريد الأخذ تعلم العطاء )


قال الرسول صلى الله عليه و سلم :

" ... من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته " صحيح البخاري

و قال الرسول صلى الله عليه و سلم :

" صنائع المعروف تقي مصارع السوء " حسنه الألباني

وقال ابن عباس -رضي الله عنه- :

" ما رأيت رجلاً أوليته معروفاً إلا أضاء ما بينه وبيني , ولا رأيت رجلاً فرط إليه مني شيء إلا أظلم ما بيني وبينه "

وقال ابن عباس -رضي الله عنه- : " المعروف أميز زرع, وأفضل كنز, ولا يتم إلا بثلاث خصال :

بتعجيله وتصغيره وستره , فإذا عجل فقد هنأ , وإذا صغر فقد عظم , وإذا ستر فقد تمم "

و قال عمرو بن العاص -رضي الله عنه- :

" في كل شيء سرف إلا في إتيان مكرمة أو إصطناع معروف أو إظهار مروءة "

وقال بعض العارفين : " صاحب المعروف لا يقع فإذا وقع أصاب متكئا "

وقد قيل : " من سمحت نفسه بالعطاء استعبد أبناء الدنيا "

و قال المهلب : " عجبت لمن يشتري المماليك بماله ولايشتري الأحرار بمعروفه "

وقال أيضاً : " ليس للأحرار ثمن إلا الإكرام فأكرم حراً تملكه "

قال المتنبي :

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته **** و إن أنت أكرمت اللئيم تمردا

و قال الشاعر :

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه **** لا يذهب العرف بين الله والناس







ثالثاً / كن رفيقاً , قدر عواطف الآخرين ولا تجرح مشاعرهم :

قال الرسول صلى الله عليه و سلم : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " صحيح البخاري

و قال الرسول صلى الله عليه و سلم : " إن الله يحب الرفق في الأمر كله " صحيح البخاري

و قال الرسول صلى الله عليه و سلم " ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه " صحيح مسلم

وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال:

" لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أخذ أبو طلحة بيدي فانطلق بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال يا رسول الله إن أنساً غلام كيس فليخدمك, قال: فخدمته في السفر والحضر والله ما قال لي لشيء صنعته لمَ صنعت هذا هكذا ولا لشيء لم أصنعه لمَ لم تصنع هذا هكذا ".


و تأمل في هذا الوقف النبوي و كيف كان الرسول صلى الله عليه و سلم يرفق بالصبيان :

" ... قال الناس : يا رسول الله ! إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها !

حتى ظننا أنه قد حدث أمر ، أو أنه يوحى إليك ؟

قال : كل ذلك لم يكن ؛ ولكن ابني ارتحلني، فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته " صححه الألباني

و هذا موقف أخر نتعلمه من معلم البشرية صلى الله عليه و سلم :

استأذن أبا بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على فراشه ، لابس مرط عائشة . فأذن لأبي بكر وهو كذلك . فقضى إليه حاجته ثم انصرف .

ثم استأذن عمر . فأذن له وهو على تلك الحال فقضى إليه حاجته . ثم انصرف .

قال عثمان : ثم استأذنت عليه فجلس . وقال لعائشة " اجمعي عليك ثيابك "

فقضيت إليه حاجتي ثم انصرفت . فقالت عائشة: يا رسول الله !

ما لي لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما كما فزعت لعثمان؟؟

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن عثمان رجل حي . وإني خشيت ، إن أذنت له على تلك الحال ، أن لا يبلغ إلي حاجته ". صحيح مسلم


و قال بعض العارفين : " بالرفق تدوم الصحبة "







رابعاً : تقبل النقد و تعلم كيف تنتقد الآخرين :


لكل حدث وجهان إيجابي و سلبي، إن لم تتمكن من رؤية الجانب الآخر, فذلك لا ينفي وجوده.


قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- : " رحم الله امرئ أهدى إليَّ عيوبي "

و قال أيضاً : " لا خير في قوم ليسوا بناصحين، ولا خير في قوم لا يحبون الناصحين "

و قال الحارث المحاسبي -رحمه الله- : " عُلم أن من نصحك فقد أحبك، ومن داهنك فقد غشك، ومن لم يقبل نصيحتك فليس بأخ لك "


وقال ابن حزم -رحمه الله- : " إذا نصحت فانصح سراً لا جهراً، و بتعريض لا تصريح، إلا أن لا يفهم المنصوح تعريضك، فلا بد من التصريح "

و تأمل كيف نصح الحسن والحسين رضوان الله عليهم :

يروى أن الحسن والحسين - رضي الله عنهما – رأيا رجلاً كبيراً في السن يتوضأ، وكان لا يحسن الوضوء، فأرادا تعليمه ، فذهب إليه، فادعيا أنهما قد اختلفا أيهما حسن الوضوء أكثر من أخيه؟ وأرادا منه أن يحكم بينهما، فأمر أحدهما بالوضوء، ثم أمر الآخر،

ثم قال لهما: أنا الذي لا أعرف الوضوء، فعلماني إياه !