توجد أشياء كثيرة في الأرض وفي السماء أكثر مما في فلسفتك (أيها الإنسان).. هذه جملة منقولة عن شكسبير تصلح أن تلخص جميع الأشياء التي يطرحها الباراسيكولوجي (علم النفس الغيبي).



أيها الإخوة القراء: ما سبق هي كلمات من مقدمة المجلد الخامس في موسوعة (هويسمان Huisman) في علم النفس، والذي خصص لعلم النفس الغيبي.



نعود لكم من جديد في موضوع (غير مألوف) لنتعرف معاً على بعض ما يجول في نفس الكثير من بني البشر من أفكار غريبة بل وأحداث غريبة أيضاً.

إن فكرة الغيب واستكشافه ومعرفة ما يأتي به ومحاولة التحكم به تبدو كأنها فكرة مرغوبة لدى الإنسان؛ لذا نلحظ دائماً نتاجات كثيرة حولنا تتعلق بالغيبيات؛ وأقصد بالنتاجات ما هو فكري منها: كالقصص والروايات والأفلام السينمائية والتي لها رواج أكبر مما أستطيع أن أعبر عنه لدى محبيها، ومنها نتاج (عملي) إن استطعنا أن نسميه هكذا: كمحاولة اتباع بعض الممارسات مثل السحر والاتصال بالجن، بل وحتى تعلم بعض الطقوس الدينية للديانات الشرقية كالبوذية، وإدخالها في عدد من البرامج التدريبية العملية لتحقيق قدرات أكبر لدى الإنسان مثل تعلم التخاطر عن بعد. (1)



وبعيداً عن عالم الجن والسحر والشعوذة، هل نصدق أن الإنسان لديه قدرات كامنة في نفسه تخوله لإحداث أشياء غير مألوفة؟ وما هو موقف علماء النفس منها؟



لنرى ماذا يمكن أن نجد في هذا المقال.



تعريف علم النفس الغيبي parapsychology:

من مباحث علم النفس التي تتجاوز الإطار العادي لعلم النفس، مثل الاتصال عن بعد والقراءة في الأفكار والمعرفة القبلية لما يمكن أن يقع. (2)



ويعرفه الدكتور ميشيل دانيالسMichael Daniels : بأنه دراسة علمية للظواهر الخارقة للعادة، ونراها في الخبرات والتجارب التي لا نستطيع تفسيرها ضمن ما نعرفه من المبادئ العملية، وتثير الدهشة والعجب لدينا، وهي تعتبر قليلة ونادرة نسبياً ويختص بها بعض الأفراد الاستثنائيين.(3)



إذن هو مبحث خارج عما هو مألوف في علم النفس، فليس شيئاً يقاس أو يجرب، وهو يندرج تحت ما يسمى: الإدراك فوق الحسي-أي فوق ما تدركه حواسنا العادية، أو علم نفس الخوارق. وهذه المصطلحات تدل على الظواهر غير المألوفة عقلاً لدينا وسنأتي إلى تفصيلها لاحقاً.



موقف علماء النفس منها:

يعلق أحد علماء النفس قائلاً: (أنا شخصياً غير مقتنع بالإدراك غير الحسي؛ لأنه غير معقول وهو يجهد عقولنا ويعمل ضد قوانين الطبيعة). هكذا يمكننا باختصار أن نلخص وجهة نظر المعارضين لمثل هذه الفكرة. (4)



ولننتقل إلى المؤيدين الذين يحبون ويرغبون بوجود الخوارق حقيقة في حياتنا من العلماء وحتى الأدباء وكتاب القصص:



قصص ما وراء الطبيعة:

ولنبدأ بكتاب القصص فمن أشهر المؤلفات العربية في هذا الموضوع تلك التي يكتبها د. أحمد خالد توفيق وهو مولع بقصص ما وراء الطبيعة وله فيها الكثير من المؤلفات التي يحبها ويتعلق بها قراءه، وقد جعل من شخصية (د. رفعت إسماعيل) بطلاً في رواياته, هذه الشخصية التي تجوب العالم وتلتقي فيه مع أشخاص مرعبين ومصاصي دماء وأصحاب قدرات خارقةٍ وغير ذلك، وهي ممتعة جداً بالنسبة للقراء حتى وصفها بعضهم بأنها تثير في النفس إحساساً بحب خوض المعارك وعدم الرهبة من أي شيء وأنها تحبس الأنفاس من فرط الغموض والرعب والإثارة.(5)



عالم النفس المولع بما وراء الطبيعة:

هو كارل يونغ (1875-1961) كان مهتماً بما وراء الطبيعة وبالظواهر الروحية، وهو اهتمام لا يشاركه فيه الكثير من علماء النفس، فقد كان يقول بقدرة الإنسان على رؤية ما هو واقع وراء نطاق البصر، واستشراف الأحداث، ولم يكن يونغ يعتقد بسببية العلاقة، ولكنه يعتقد بحدوث هذه الظواهر ويحاول تفسيرها.



ومن الأفكار التي أوجدها في نظريته حول تطور الشخصية فكرة (التزامن) التي تعني: الحوادث التي تحدث في نفس الوقت. مثلاً: قد نفكر في الاتصال بصديق حبيب وبعيد، وعندما نقترب من سماعة الهاتف إذا بمتصل هو ذلك الحبيب..

وجاء تفسير يونغ لمثل هذه الأحداث بألفاظ مبهمة حيث قال: إن هناك نظاماً مجهولاً أو قوة في العالم أبعد من السببية. ونموذج النفس قادر على إظهار ذاته بشكل متزامن في نفس شخص ما وفي العالم الخارجي.



وكان يونغ يلجأ دائماً إلى ما وراء الطبيعة والتصوف والدين، ووجه له الكثيرون الانتقاد بسبب قبوله للأساطير والتصوف في تقارير مرضاه كشواهد علمية، وهذا ما يرفضه العلماء الماديين، حيث إنها لا تقاس عندهم ولا يمكن دراستها إحصائياً.



ولكن نظريته الآن تلقى رواجاً كبيراً في الولايات المتحدة خاصة لدى فئة الشباب، مع تزايد الاهتمام بالأديان الشرقية والتصوف ورفضهم المتزايد للمادية، وأصبحت مبيعات كتبه في تزايد. (6)



الظواهر الروحية التي يدرسها علم النفس الغيبي:

تنقسم الظواهر التي يدرسها علم النفس الغيبي أو الخوارق إلى قسمين:

· الظواهر العقلية: وهي التي لا تتخذ مظهراً مادياً ومنها:

1. القدرة على سماع أشياء بوضوح.

2. القدرة على رؤية أشياء بوضوح.

3. الإلهام: وهو يتمثل في قدرة روح معينة على إظهار معلوماتها عبر عقل وسيط.

4. الكتابة التلقائية: وهي التي تحدث عندما يكتب المرء بيده أفكاراً غريبة عنه أو يقوم بأعمال فنية دون أن يكون لديه إلهام سابق بها.

5. التفوه بالغيب: حيث يتحدث الوسيط عن أشياء لا يعلمها أو ينبئ عن أمور تثبت صحتها فيما بعد.



ويحاول علماء النفس دائماً تفسير هذه الظواهر علمياً، خاصة وأنها أحياناً لا تكون صادقة في التنبؤ، حيث تحتوي على الغش والخداع من وجهة نظرهم، أو تندرج تحت الهلوسات السمعية والبصرية وغير ذلك.



· الظواهر الفيزيائية (المادية): وهي التي تتخذ أشكالاً مادية وتحدث أثراً مادياً وأهمها:

1. تحريك الأجسام الصلبة بغير وسيلة مادية.

2. الكتابة التلقائية:بمعنى تحريك القلم تلقائياً دون أن تمسكه يد.

3. الصوت المباشر: وهو صوت يصدر من شخص (الوسيط بتعبير أهل هذا الفن) يختلف عن صوت الوسيط كلياً.

4. الأضواء المجهولة المصدر.

5. التجسدEctoplasm : وهو ظهور الروح متجسدة في جسم مرئي أو شبه مرئي (شبح). (7)



وقد باتت هناك العديد من الهيئات الغربية التي تدرس الظواهر الروحية وتحصيها وتثبت حصولها حقيقة منها:

1. المعهد الأمريكي للبحث الروحي.

2. الكلية الأمريكية للعلم الروحي والبحث.

3. معمل الباراسيكولوجي في ديوك.

4. وهناك معامل البحث الروحي في جامعات كامبردج ولندن وأكسفورد وأكستر-بريطانيا.

5. ومعاهد مماثلة في فرنسا مثل: المعهد السيكولوجي العام والمعهد الدولي لما وراء الروح. (Cool



الوحي وتفسير الظواهر الغريبة:

سنأخذ ثلاثة أمثلة لظواهر روحية تعرض الوحي لتفسيرها وذكرها العلماء المسلمون وهي: العرافة والسحر وتحضير الأرواح: (9)

1. العرافة: العراف هو مدعي معرفة الغيب بأسباب كمراقبة النجوم والخط في الرمل، ويستخدم في الإخبار طرقاً: مثل قراءة الكف والقراءة في الفنجان.

وقد بين الشارع الحكيم أن الغيب لا يكون إلا لله (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله) (النمل 65)، لكن أخبرنا أن للشياطين القدرة على استراق السمع وأنهم يأخذونها من السماء بعد أن تتلقاها الملائكة، ومنهم من يتبعه الشهاب الثاقب ومنهم من يلقيها على الكاهن ويخلطها بالكذب. (10)

2. السحر: وهو نوعان سحر حقيقي ومجازي، وما يهمنا هو السحر الحقيقي، إذ السحر المجازي هو ضرب من الخداع يسهل تفسيره. والسحر الحقيقي أنواع لها تأثيرها على الإنسان وقد أخبرنا الله –عز وجل- أن السحر من تعليم الشيطان للإنسان (وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) (البقرة 102)، فالسحر اتفاق بين الساحر والشيطان مقابل عبادة يمارسها الساحر لذا هو من الكفر البواح.

3. تحضير الأرواح: وهي ظاهرة روحية يتم فيها سماع أصوات ورؤية صور وتشكيلات جسدية، وليس هناك نصوص شرعية قاطعة لتفسيرها، لكن الكثير من العلماء يثبتونها ويدللون على أنها شكل من أشكال اتصال الجن بالإنس من خلال وسيط بينها وليست أرواحاً إنسية.(11)

ولا نغفل هنا لأمر أقره الشرع وهو وجود الكرامات ذات المصدر الرباني وهي الخارق للعادة الذي يجريه الله على أيدي الصالحين من عباده إكراماً لهم وتأييداً. كما في قصة أصحاب الكهف.



كيف يحاول علم النفس تفسير مثل هذه الظواهر؟

لنأخذ نموذجاًً منسجماً قدمه علم النفس واقترح حوله بعض التفسيرات: التخاطر:



التخاطر:

هو تبادل الأفكار والخواطر بدون وسائل مادية أي بدون كلام أو مراسلة كتابية، فهو إدراك من غير طريق الحواس. وحاول علماء النفس مناقشة هذه الحالة كالتالي:

هل هناك قدرة على إرسال موجات تحمل رسائل مفهومة يستقبلها الدماغ الآخر ويحللها؟ وكيف يتم الاتصال بين شخصين دون سائر الناس؟

وقد ذكرت موسوعة (Huisman) ثلاث نظريات للإجابة عن السؤال:

1. أنه تأثير روح في روح أخرى بطريقة مباشرة وغير مادية، ولا يوجد ما يؤيد هذه النظرية علمياً للنفي أو التأكيد.

2. أنه تأثير دماغ على دماغ آخر بحركة غير مباشرة، لكنه بسبب مادي مثل اهتزاز الموجات، وهي نظرية بدأت تضعف؛ حيث لا تفسر جميع الحالات كما في التخاطر المتقدم (أي أن يلتقط المتلقي الرسالة قبل إرسالها) والتخاطر المتأخر (أن يلتقط المتلقي الرسالة بعد فترة من إرسالها).

3. أنها تأثير روح على دماغ آخر بواسطة إشارات غير مادية بالمعنى المعروف، كما هو تأثير الروح على دماغ صاحبها.