عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 24
تناقضات الذات ..
تناقضات الذات ..
فكرة تناقضات الذات self-discrepancy تاريخ طويل في التراث النفسي ،، كما يشير هيغتر وزملائه ..
وهذه الفكرة ليست غريبة أيضا على الفكر الإنساني عموما .فالبشر كثيرا ماينظرون إلى أنفسهم بطريقة معينة ويسلكون بطريقة مناقضة لنظرتهم لأنفسهم ..
نأخذ مثلا ،، الطالب الذي قضي وقتا لابأس به يتخيل نفسه حاصلا على مرتبة من مراتب الشرف ويعلم أن أباه ومن حوله يريدون ذلك منه ،، ولكنه يعتقد في الوقت نفسه بأن هذا لن يحصل ،، ولهذا الإعتقاد نفسه تأثير على مايمكن أن يبذله هذا الطالب من جهد في دراسته .وتقترح نظرية تناقض الذات self-discrepancy theory،، التي طورها توري هيغتر ،، أن هناك ثلاثة انواع من التفكير حول الذات الحالية .
هو أن الفرد يفكر في نفسه كما هو الآن فعلا ( الذات الواقعية actual self)،، وكما يرغب أن يكون ( الذات المثالية ideal self)،، وكما يجب أن يكون ( الذات الواجبة( ought self) ..
وكل من هذه الذاوات يمكن أن تتشكل من منظروين : منظور الفرد نفسه ومنظور الاخرين المهمين كالابوين والاصدقاء كما يعتقد الفرد في قرارة نفسه !
هناك ست تمثيلات لحالات الذات تتخلص في التالي :
الذات الواقعية : منظور الفرد نفسه ومنظور الاخرين
الذات المثالية : منظور الفرد نفسه ومنظور الاخرين
الذات الواجبة : منظور الفرد نفسه ومنظور الاخرين ..
ومفهوم الذات الحالي هو تمثيل الفرد لذاته الواقعية من منظوره ( وأحيانا يضاف إليها منظور الاخرين ) وباقي التمثيلات هي عبارة عن موجهات الذات ؟self-guides وتقترح النظرية أن عدم التناسب بين الذات الواقعية وأي من موجهات الذات ينتج عنه خبره انفعاليه مؤلمه أو غير مريحة لدى الفرد ،،وتعمل بمثابة دافع إلى التغيير . ويجب أن نلاحظ هنا أن هذه التمثيلات الذاتية تعتمد على إدراك الفرد نفسه وليس على معايير خارجية .. وتفترض نظرية تناقض الذات أنه بقدر ما يكون هناك تناقض بين الذات الواقعية ( التي تمثل مفهوم الذات الحالي ) وأي من موجهات الذات ( الذات المثالية والذات الواجبة ) فإنه سيعاني من مشاكل انفعاليه تتناسب مع نوع التناقض . والفرضيتان الرئيسيتان عن العلاقة بين نوع التناقض ونوع الصعوبات الانفعاليه هما كالتالي :
1- سيكون الفرد عرضه لمشاكل انفعاليه تتعلق بالاكتئاب depression( مثل الشعور بالحزن أو العار ) عندما يكون هناك تناقض بين الذات الواقعية والذات المثاليه من منظوره او منظور الاخرين . فلو كان الطالب كما في الجدول يتمنى أن يتفوق ويعتقد بأن والده يتمنياه أن يتفوق ايضا ،، ولكنه يعتقد بأنه غير متفوق ،، فالانفعالات المحتملة ستكون من نوع اكتائبي .
2- سيكون الفرد عرضة لمشاكل انفعالية تتعلق بالقلق anxiety ( مثل الشعور بالخوف ) عندما يكون هناك تناقض بين الذات الواقعية والذات الواجبه . وهذا يجسد الفكرة العامة بأن معارضة المعايير الاجتماعية المهمة يولد شعورا بالقلق والخوف ،، ربما لانها ارتبطت بالرفض او العقاب بأنواعه . ويجب أن تفهم كل من هاتين الفرضيتين بطريقة كمية وليست نوعيه ،، أي زيادة حجم التناقض وسهولة استدعائة إلى ذهن الفرد تؤديات إلى زيادة احتمالية تعرض للخبرة االنفعالية التي تتعلق بنوع التناقض .
لقد قدمت نتائج دراسات عديدة دعما لهاتين الفرضيتين (higgins et al.,1986,1987) حيث بينت أن هناك علاقة بين نوع التناقض ونوع الانفعالات السلبية التي تصاحبه . وتعتمد هذه الدارسات على قياس نوع وكم تناقض الذات لدى كل فرد ،،
وقياس الانفعالات المختلفة لدراسة العلاقة بينهما . ويطلب من المفحوص أن يحدد 10 صفات لذاته تتوفر فيه . بالاضافة إلى ذلك ،، يطلب منه أن يجيب على نفس الاسئلة ولكن من منظور أشخاص مهمين بالنسبة له ( كالوالدين والاصدقاء ،، على سبيل المثال )
وتحسب درجة التناقض بين مفهوم الذات الواقعية وكل من الذات المثالية والذات الواجبة بتعداد درجة الاختلاف بين صفات الذات الواقعية والصفات المذكورة للذات المثالية ( تناقض الذات الواقعية \الذات المثالية ) والصفات المذكورة للذات الواجبة ( تناقض الذات الواقعية \ الذات الواجبة )..
إن هذه النظرية والدارسات التي أثارتها توضح مسألتين هامتين ،، وتتعلق الأولى بالفروق بين استجابات الناس لنفس حوادث الفشل . فالرسوب مثلا لايؤدي إلى الاستجابات نفسها عند كل الطلاب الذين يمرون بهذه الخبرة ،، وذلك لأن هذه الحادثة لاتدرك بالطريقة نفسها من قبل جميع الافراد ،،
وليست مهمة بالدرجة نفسها عند كل الطلاب من حيث أهميتها في تقييم الذات ،، وتتعلق المسألة الثانية بنوعية الانفعالات التي تنشأ نتيجة للتعرض لمثل هذه الخبرة ،، هل تنتج لدى الفرد انفعالات اكتائبية ( مثلا الحزن ) أم انفعالات قلق ( مثل الخوف )
وفي مثال الرسوب ،، هل نتوقع أن تكون المشاعر التي يعاني منها الطالب الراسب مشاعر اكتائبية أم مشاعر قلق ؟؟ واستجابة من يهتم بهذا الطالب كالأب أو المدرس أو المرشد يجب أن تعتمد على معرفة بإجابة هذا السؤال ..ويجب أن نشير هنا إلى أن معايير التمييز بين المشاعر التي تتعلق بالاكتئاب والمشاعر التي تعلق بالقلق مدار جدل ساخن بين علماء النفس .
ولذلك فإن مصير فرضيات نظرية تناقض الذات المتعلقة بتمييز أنواع الصعوبات الانفعالية يرتبط بنتائج هذا الجدل ..ولكن إذا تركنا مسألة التمييز بين انفعالات الاكتئاب والقلق ،، فإن لهذه النظرية قوة وصفية وتفسيرية أيضا ،، فمن الناحية الاولى هي تصف كيفية وجود جوانب مختلفة من مفهوم الذات وتشير إلى احتمالات التناقض بين هذه الجوانب ،، وهي في هذا تتفق مع النظرة الحديثة لمفهوم الذات ،،
أما من الناحية التفسيرية فإنها قوية في تفسير المسالك التي يقوم بها الافراد من اجل الوصول إلى وضع مثالي ما ،، مثلا من الناحية الجسمية والتحصيلية ،، والاقتصادية او الدافعية ..
لنأخذ مثال ،، من يعانون من مرض القهم العصابي anorexia nervosa والشره العصابي bulimia nervosa ،،
فالافراد المصابون بالقهم العصابي ( عادة الفتيات الصغيرات وخاصة في الدول الغربية ) يجوعون انفسهم حتى يصل وزن الواحد منهم إلى وزن طفل صحيح لايتعدى العشر سنوات ،، ويشرف الكثير منهم على الموت . ومهما نحفت أجسامهم فإنهم ينظرون إليها أنها سمينة جدا . مثل هذا السلوك يمكن تفسيره بأنه نتيجة لتناقضات كبيرة بين الذات الجسمية الواقعية والذات الجسمية المثالية أو الواجبة ..
ومثله سلوك من يصابون بالشره العصابي ( انحصار الفرد في دوره من التجويع الشديد والافراط الشديد في الأكل ثم التقيؤ ) كما وجدت دراسة اخرى لسترومان وآخرون ،، بالاضافة الى نتائج تدعم الفرضيات الاساسية لتناقض الذات ،، أن هناك علاقة بين نوع تناقض الذات ونشاط الخلايا القاتلة الطبيعية ،، وهي جزء مهم من نظام المناعة عند الانسان ،، أي أن الانفعالات التي تصاحب تناقض الذات خفضت نشاط هذا النوع من الخلايا ،، بطريقة ما .
تتفق نتائج هذه الدراسة مع دراسات عديدة تؤيد المنحى التكاملي الجديد في تفسير الامراض العضوية ،، وينظر الفرد من جميع الجوانب النفسية والاجتماعية والبيولوجية،، ويعتمد هذا التوجه على الدراسات التي بينت علاقة اكيدة بين الحالات النفسية والحالات الجسمية الفزيولوجية ..
المفضلات