لعبقرية: أتُنال بالوراثة أم بالاجتهاد والكفاح؟

البعض من المفكرين والكتاب يعتقدون وراثية العبقرية، ومن أشهر من ألف في ذلك فرانسس غالتن: "العبقرية الوراثية"، والبعض الآخر يؤكد عدم وراثية العبقرية، فسقراط له أولاد غير جديرين به، وكان لشيشرون ولد غبي، وفي اعتقادي أن العبقرية غير محصورة بالوراثة دون غيرها.

و العبقرية غير مرتبطة بعمر معين، قد تظهر في الطفولة، وقد تتأخر إلى سن المشيب، ففي الستين ظهر نبوغ الفيلسوف (كانت)، وفي الثمانين كان زهير بن أبي سلمى لا يزال يبدع شعرًا.
اكتشاف الذات:
شرط أساسي في تحقيق العبقرية، يقول الله عز وجل: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) [الذاريات: 21].
وطالما ردد الفيلسوف سقراط هذه العبارة وجعلها شعارًا له وهي: "اعرف نفسك"، ومعرفة الذات هي المنفذ الأول لفهم الذات، والإبداع والعبقرية، وفهم الآخرين الذين من حولنا، وعملية اكتشاف الذات تحتاج إلى اختبارات، ونفس طويل؛ لأن الطريق مليء بالمشاق والإخفاقات المتراكمة التي تحتاج إلى تفتيت، والجهل بالذات جهل بالطبيعة الإنسانية وقوانينها. فالمبدع سوف يعاني من الألم، والألم بوابة للإبداع، إذا وُجّه الألم في مساره. والبعض يظن أن الإعاقة هي المشكلة الجسدية، وفي الحقيقة الإعاقة هي المشكلة الفكرية والسلوكية، وقصة هيلين كيلر التي انتصرت على العمى والصمم والخرس. أبلغ دليل. فالرغبة العارمة هي البوابة الأولى لدخول هذا العالم الذي ليس من السهل اقتحامه بسبب آلامه، والرغبة هي الوسيلة لتحسين مواهبك واكتشافها بشكل أكبر. يقول الفيلسوف سقراط: "ما نحن إلاّ ما نفعله مرارًا وتكرارًا".
هناك تساؤل يطرح بين المثقفين والكتاب وهو: ما سبب غياب العبقرية في العالم العربي؟
طبعًا الأسباب كثيرة ومتنوعة، ولكن من أشهرها:
هو انشغال الإنسان العربي بالبحث عن لقمة العيش. كما يقول أديسون في حوار له.
وكذلك لعدم تكريم وتقدير المبدعين، والناس أصبحت لا تعرف المبدعين إلاّ بعد مماتهم ورحيلهم، وكذلك العقد النفسية والعادات الاجتماعية التي تحتاج إلى تحرر وغيرها، وهي أكثر من أن تحصر هنا. والوطن العربي الإسلامي يحتفل بعدد كبير من الشباب المتميز والمبدع، لكنهم يحتاجون إلى تصحيح المفاهيم، وإضاءة المبادئ في أذهانهم وواقعهم، وتجنب الأفخاخ الداخلية والخارجية، فمن الأفخاخ الداخلية التركيز على نقاط الضعف، وتجاهل نقاط القوة، وعدم مكافأة الذات على أي إنجاز رائع، والخارجية: التسليم التام لآراء الناس، وخاصة الجهال.
في عام 1991م احتفل نيلسون مانديلا –الرئيس السابق لجنوب إفريقية- بعيد ميلاده الثمانين وقال في خطابه:
"إن خوفنا الأعمق ليس من أننا غير أكفاء؛ ولكن من أننا أقوياء إلى أبعد الحدود. إن ما نخشاه هو ما بداخلنا من نور لا ما بداخلنا من ظلمة".
كلنا يسأل نفسه: "من أنا حتى أصلح لأكون متميزًا ولامعًا وموهوبًا وفذًا؟
والأجدر أن نسأل أنفسنا: ما الذي لا نصلح لأن نكونه؟ نحن نصلح لكل شيء. إنك خليفة الله في الأرض. وتقليلك من شأن نفسك لا يخدم العالم. فنحن وُلدنا لكي نظهر عظمة الله الكامنة في داخلنا. ليست بداخل بعضنا فقط ولكن بداخلنا جميعًا.
وعندما نسمح لما بداخلنا من نور بأن يشرق، فنحن دون أن ندرك نسمح للآخرين بالقيام بنفس الشيء.
وعندما نتحرر من مخاوفنا، فإن وجودنا يحرر الآخرين تلقائيًا.
لا بد من استخدام الحيل التكيفية ، ومحاربة الإخفاق ، وعدم الاستسلام ،والقاعدة تقول: لا محاولات لا مكاسب.. ومن يظن أنه لن يخفق فهو يعيش في عالم السحر والخيال. ومن ذلك نستطيع أن نجعل من الأزمة فرصة ...
فعالم العبقرية غير مربوط بزمن معين، أو سن، أو نسل، وإنما يقوم ويتحقق بالكفاح الواضحة أهدافه، وبقوة الإيمان، والاستمرار .. والحياة واحدة؛ فاجعلها مشروعاً يُدوّن في التاريخ ..!!
فهل بدأت أخي في شق مسارك؟!