الذاكرة لدى الأطفال
لا يبدأ الأطفال في إظهار ما يدل على التكوين ما يسمى بالذاكرة الواضحة أو الواعية إلا في النصف الثاني من عامهم الأول، أما خلال النصف الأول، أو حتى في الرحم، فإنه تكون لدى الأطفال عدة أنواع من الذاكرة، يشتركون فيها مع الحيوانات المولودة حديثًا. فهم يظهرون نوعًا بدائيا من التعلم يُعرف باسم "التعود" حيث تتوقف استجابتهم لأي محفز رأوه عدة مرات من قبل ( انظر التعلم في الرحم).
وبإمكان كل من ذبابة الفاكهة أو الرخويات البحرية فعل ذلك أيضًا، ويمكن المولودين حديثًا لفعل الأشياء وربطهم بها ارتباطاً شرطيًّا– وذلك كما فعل العالم الروسي " بافلوف " حينما علم كلابه أن تسيل لعابها بصورة كبيرة وتشعر بالجوع عند سماع صوت الجرس، وذلك بقرع الجرس في كل مرة يقوم بإطعامهم خلالها، وحتى ذبابه الفاكهة يمكن أن تتكيف على فعل الأشياء وتعتادها. يتكون لدى الأطفال الصغار نوع بسيط من أنواع الذاكرة الإدراكية وذلك حينما يبدون اهتمامهم بالأشياء التي يروها من قبل أو سمعوها أو حينما يتعرفون على أصوات أمهاتهم أو حتى ألسنتهن ( أنظر التعلم في الرحم ). وكل أنواع الذاكرة هذه هي أنواع التلقائية ولا يقتصر على البشر فحسب، وقد تتعلق بما يعرف لدى البالغين بأنواع "الذاكرة الضمنية"، التي تعنى أنها مستقلة عن الوعي الشعور، فالذاكرة الضمنية تختلف عن الذاكرة الواضحة، وهي ذاكرة التي تمكننا من تذكر بعض الحقائق أو تواجدنا في مكان ما في وقت ما والتي يمكننا التحدث عنها والاستفاضة في شرحها. تتغير الأمور في النصف الثاني من العام الأول، فإحدى الحقائق المثيرة عن نمو تطور الذاكرة هي أنها لا تتضمن عملية انتقال من الذاكرة الضمنية، غير الواعية، غلى أخرى أكثر وعيًا. فالذاكرة الشعورية أو الواعية تكتسب مجموعة من القدرات التي تتعلق بالذاكرة التلقائية اللاشعورية والتي تظل معنا بقية حياتنا، وهكذا يبدأ العقل النامي في تجميع أنواع مختلفة من الذاكرة،
وأنواع مختلفة من التعلم بعضها بدائي ويشبه الحيوانات في طبيعته، وبعضها يقتصر فقط على البشر ويبدأ الرضع في النصف الثاني من عامهم الأول في تنمية بعض أنواع المهارات التي يُعتقد أنها تعتمد على الذاكرة الواعية؛ فعلى سبيل المثال، حينما يتراوح عمر الرضيع ما بين تسعة إلى اثني عشر شهراً تتولد لديه القدرة على تكرار سلسلة من الأفعال التي قام بها أحد الأشخاص من قبل حتى بعد مرور فترة من الوقت، وأيضًا يبدأ الأطفال تدريجيًّا خلال هذه الفترة في اكتساب بعض المهارات التي تعتمد على الذاكرة العاملة، وهو نظام ذاكرة قصير المدى لتخزين المعلومات واستدعائها،


والذاكرة العاملة هي التي تمكنك من تذكر أرقام الهاتف، أو القيام بعملية لمعرفة حاصل ضرب 9و 12 في ذهنك، وهى الذاكرة التي تتعلق بأساليب حل المشكلات أيضًا وليس مجرد استرجاع أو أدراك شيء ما، وتدريجيًّا وخلال مرحلة الطفولة وحتى خلال مرحلة المراهقة تتحسن قدرة الأشخاص شيئًا فشيئاً وذلك في معرفة وابتكار أساليب حل المشكلات والتي تعتمد على الذاكرة العاملة، وأحد الأسباب التي تكمن وراء البطء في اكتساب ذلك هو الاعتماد على ذلك الجزء من المخ الذي يعرف بالقشرة الخارجية التي تقع في مقدمة الجبهة والتي تستغرق وقتاً طويلاً كي تنضج ويكتمل نموها.

الذاكرة الطفولية
وهناك نوع آخر من الذاكرة يعتمد على القشرة الخارجية التي تقع في مقدمة الجبهة والتي يطلق عليها الذاكرة " الذاتية" أو الذاكرة المرحلية-وهى الذاكرة التي تجعلك تسترجع شعوريًّا الأماكن التي زرتها وما فعلته أو تلفظت به خلال إجازتك الأخيرة. فإذا ما شاهدك طفل في الرابعة من عمره وأنت تضع كرة رخامية صغيرة في صندوق، أو أخبرته بأنك فعلت ذلك، فسيتذكر ليس فقط أن هناك كرة رخامية صغيرة في الصندوق ولكن سيتذكر أيضًا كيف علم ذلك سواء كان رآه أو سمعه، أما الطفل الذي يبلغ ثلاثة أعوام، فقد يتذكر أن هناك كرة رخامية صغيرة في الصندوق ولكنه لن يسترجع كيفية علمه بذلك، مثلما قد تتذكر أنت كيف ومتى تعلمت أن باريس هي عاصمة فرنسا. ويطلق على هذا النوع من الذاكرة اسم "ذاكرة المصدر" والتي تنمو حتى بلوغ الطفل الرابعة من عمره.