ثقافة التغاضب

عندما يخبرنا القرآن ان الله عز وجل يحب أصنافا ً بشرية ك( الصادقين والصابرين والمتقين ... ) فانه بالمقابل لايخبرنا انه يكره آخرين ك( الكاذبين والمنافقين والكافرين ...) بل انه يعلمنا انه جل في علاه لايحبهم
والفارق بين الكره واللاحب فرق عظيم ، وثقافة الكراهية المنتشرة اليوم بين البشر تجعلهم لايفطنون الى هذه اللفتة السماوية بل انهم لازالوا لايتدبرون القرآن المجيد وهو يعلن انقضاء ثقافة الثأر واستبدالها بثقافة القصاص حتى ان القرآن سمى القصاص حياة {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة179
ومن بداهة نجاح رسالة الرحيم محمد عليه الصلاة والسلام انه عامل مخالفيه بمنظوره الاخلاقي هو ولم يعاملهم برؤيتهم الخلقية ، لقد رفض ان يعطي اوامره للملائكة الذي ارسلهم الله ليطبقوا الاخشبين على ظالمي رسولنا الرحيم ، قال بأبي هو وأمي : ( لعل الله يخرج من أصلابهم من يصدح بلا اله الا الله) .

وهو في هذا يعلمنا كيف نستغل لصالح قضيتنا جهد الجميع حتى الاعداء والظالمين لنا .
وهنا علينا أن نفرق بين الحمية لصالح ديننا والحمية لصالح شخوصنا وأنت أدرى اليوم بالكثير من المسلمين وهو يقاوم الاشرار ظنا ً منه ان يدافع عن الاسلام والحقيقة انه يدافع ىعن مصالحه هو فيخلط مابين الافكار والاشخاص ويخلط بين ماهو سماوي مقدس وبين ماهو أرضي غير معصوم .

خذ مثلا ً سيدنا يونس عليه السلام الذي قال الله ىتعالى عنه ( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ }الأنبياء87
وذا النون هو سيدنا يونس صاحب الحوت الذي ذهب مغاضبا لقومه أي غضبان عليهم مما قاسى منهم ولم يؤذن له في ذلك فظن أن لن نقدر عليه أي نقضي عليه ما قضيناه من حبسه في بطن الحوت أو نضيق عيه بذلك
إذ يظن الناس اليوم ان الغضب لله تعالى هو نفسه الغضب لذواتنا وشتان بين الشعورين .

الغضب لله تعالى يجعلنا نستنفر كل طاقاتنا الانسانية لصالح ديننا فخير لنا أن نتحمل الظلم من أن نمارسه
والغضب لله تعالى يجعلنا نعفو عن كثير ونكظم غيظنا
{.. وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }آل عمران134
اما كيف نفرق بين الغضب لله عنه لذواتنا فأمره يسير فلو شاهدت من يقبل ان يقول – كما قال الرحيم محمد عليه الصلاة والسلام – لمخالفيه ( إذهبوا وأنتم الطلقاء ) فأعلم انه هيأ ذاته لتغضب لله فلم تأخذه حمية التعصب لنفسه .

ومعلوم ان من دافع عن فكرة ما وهو غاضب فانه خاسر قضيته ولن يستفيد من نصيحة صادق ولانصيحة حاسد وخير الأفكار تلك التي خرجت من رحم المعاناة كما يقول نيتشه
وللغضب بداية من شعور يخنق القلب بضبابيته ثم تتحول المشاعر الى كلمات تترجم الانفعال بقارس الكلام ثم يتطور الامر الى تهديد خفي أوشتائم وهجوم شخصي والغاضب ينسى ان ينقض الأفكار التي قدمها الخصم ، وقد يستفحل الامر فيزداد الغضب حجما ً ووقعا ً
وهي نار و جعجعة وغبار..

والناضج من استمسك بعروة النصح وقاوم هواه وتحمل النقد وراجع نفسه، وآدم دخل الجنة مع زوجه حين قالا ربنا إننا ظلمنا أنفسنا.
ورسولنا الرحيم محمد عليه الصلاة والسلام مدحه القرآن بصيغة الاستجابة للرشاد فقال {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }آل عمران159
ثم وجهنا من خلاله فقال ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم...