بـين إدارة الـوقت وإدارة الذات

روي عن الحسن البصري (رحمه الله) أنه قال: "يا ابن آدم، إنما أنت أيام، كلما ذهب يومٌ ذهب بعضك" .. وهذا (البعض) يتبعض أيضاً إلى ساعات ودقائق وثوانٍ.. كلما ذهبت دقيقة أو ثانية ذهب بعضك؛ فالوقت هو الحياة، وهذا معنى مشترك يعرفه الناس جميعاً، ولكن الإسلام زاد على ذلك المعنى حين جعل الوقت بمثابة رأس مال يحاسب عليه الإنسان؛ حيث قال رسول الله : "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه..."(1) وتزداد المحاسبة حين يزداد رأس المال؛ قال (تعالى): أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير {فاطر: 37}، وقال المصطفى : "أعذر الله إلى امرئ أخَّرَ أجله حتى بَلَّغَه ستين سنة"(2).
ولكن الوقت يزيد عن المال؛ فالمال يُدخر ويُقايض وقد يُعوَّض إذا أُهدر، ولكن الوقت لا سبيل لادخاره أو مقايضته أو استرجاعه، إضافة إلى ذلك: فإن الوقت هو المورد الوحيد الذي نُرغم على صرفه سواءً أأردنا أم لم نرد!

(1) أخرجه الترمذي، 2-76، والطبراني في المعجم الكبير، وصححه الألباني في (صحيح الجامع)، ح-0037.
(2) أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب من بلغ ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر

لذا: فالإسلام يحثُّ المسلم على الاستفادة القصوى من الوقت حتى في أشد الظروف صعوبة؛ فعن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله : "إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل"(1).
كانت هذه نبذة عن قيمة الوقت، فماذا عن قيمته في حياة مسلمي زماننا؟.. يبدو أنه المورد الأكثر تبديداً في ثرواتهم، وإذا وقع هذا التبديد في أرصدة الدعاة والمصلحين تعدى الضرر إلى فئات كثيرة، ولكننا إذا نظرنا إلى الممسكين بطرف الحضارة اليوم رأينا أنهم يستثمرون أوقاتهم ـ في الشر والخير ـ بدقة محسوبة، فما هو السبب في هذا التباين؟ إنه ليس راجعاً إلى فروق عنصرية أو صفات جسمانية أو ذهنية موروثة، بل لأن الغرب استطاع أن يضع وينفذ نظاماً تربوياً يبث في أبنائه من خلاله ـ ضمن ما يبث ـ مبادئ إدارية فعالة، قام عليها نظام حياتي تُمَارس فيه أسس إدارية سليمة، بل أصبحت هذه الأسس والمبادئ علوماً قائمة بذاتها لها فروع وفنون تسمى (علوم الإدارة)، ويبرز من هذه العلوم فرع يسمى (إدارة الوقت)(2).
وقفة مع الذات:
عزيزي القارئ..! حتى لا نبدد وقتك ونحن نتحدث عن الوقت وأهميته: تمهل قليلاً وتأمل هذه الأسئلة، ثم أجب عليها بصدق واصفاً حالك:
هل تردد كثيراً: "ليس لديَّ وقت لإنجاز ما أود القيام به"؟
هل تتأخر دائماً عن مواعيدك؟ وهل تأخذ المهمات التي تقوم بها وقتاً أكبر مما تحدده لها؟
هل تتضارب مواعيدك مع بعضها؟
هل تقدم تنفيذ العمل الذي تحبه أو الأكثر إلحاحاً على العمل الأهم؟
هل تفاجئك الأزمات، وبعدها تتصرف وتتخذ الإجراءات حسبما يتفق لك وتسمح به الظروف، وليس بما تخطط له؟
إذا كانت إجاباتك على كل ما سبق بـ (لا) فأنت لست بحاجة إلى إكمال قراءة هذا المقال، أنت بالتأكيد أحد شخصين: إما إنك منظم جداً تعرف كيف تستثمر وقتك جيداً، وإما إنك صاحب أهداف متدنية ولا تجد ما تشغل فراغك به، فإذا كنت كذلك فابحث لنفسك عن هدف يملأ عليك حياتك.
البيان 128