ذه نبذه مختصرة عن شخصية متميزة وضعت نصب عينيها الهدف وسعت إليه رغم

العوائق، وصلت ماليزيا في عهد هذا الرجل ذرى لم تصل إليها أي دولة إسلامية أخرى أنه رجل

الفكر والإنجاز الدكتور / مهاتير محمد....
ولد محاضير محمد في 20 ديسمبر 1925 في مدينة ألو ستار بولاية قدح في شمال ماليزيا، وتعلم في مدرسة السلطان عبد الحميد في أكور ستار.
وفي السادسة عشرة من عمره فقد محاضير الهدوء الذي كان يملأ حياته وفقد في ذلك الوقت وظيفته ولم يستطع أن يكمل تعليمه بسبب الحرب العالمية الثانية واحتلال اليابان للملايو. وفي فترة الاحتلال كان الملايويون يمثلون 50% من السكان، بينما مثّل الصينيون 37% والهنود 12%، وكانت الخلافات الدينية واللغوية والاجتماعية حادة بينهم.
وعندما أراد العودة للخدمة بعد الاحتلال كانت مؤهلاته لا تتناسب مع متطلبات الوظائف، فاعتمد على نفسه حيث شارك في كشك صغير كان يبيع فيه القهوة والحلويات. وبعد رحيل اليابانيين وعودة البريطانيين إلى ماليزيا قرر محاضير العودة إلى المدرسة لإكمال تعليمه، وانخرط في العمل السياسي من خلال التحاقه بمجموعة مناهضي اتحاد الملايو الذي أنشأته بريطانيا عام 1946م وضم الولايات الإحدى عشرة التي كانت تحت الحماية البريطانية وسمي هذا الاتحاد فيما بعد بالاتحاد الفيدرالي الماليزي عام 1948. وفي نفس الوقت شنت الجماعات الشيوعية (ومعظمهم من الفقراء الصينيين) حملات عنف وإبادة لشل حركة الانتعاش الاقتصادي التي قد بدأت في الظهور منذ عام 1948. وأعلنت حالة الطوارئ وتواصلت أعمال العنف في البلاد لمدة 12 عاما والتي نتج عنها موت 11 ألف مواطن حتى عام 1960.
حصل على منحة لدراسة الطب في كلية الملك إدوارد السابع الطبية التي أصبحت بعد ذلك جامعة المالاي بسنغافورة، وكانت هذه الرحلة لها الأثر الكبير لتعرفه على أكثر المناطق تحضرا في الملايو. كما أن الدراسات الجامعية أدت إلى بعض التغيرات بالنسبة لمعرفته بالجنس الآخر فقد تعرف على سيتي حسمه التي أصبحت زوجته بعد التخرج عام 1956.



عمل بعد ذلك بالمستشفى العام في مدينة ألو ستارثم. وأنشأ عيادة خاصة وترك العمل الحكومي وانغمس في النشاط السياسي.

تزامن دخول محاضير في العمل السياسي كعضو في البرلمان لأول مرة عام 1964 مع فترة عصيبة شهدت اضطرابات سياسية مثل الصراع بين الأحزاب والجدال حول اللغة القومية... ما أدى إلى تصاعد الصراعات العرقية التي تفجرت في 13 مايو 1969. وفشل في الحصول على مقعد في البرلمان في هذا العام بسبب تصريحاته ضد الصينيين الذين أعطوا أصواتهم لمرشح حزب العمل الشعبي؛ لأنه كان يتبنى في البرلمان سياسات قومية تدافع عن المالايا وصفته بالتطرف؛ وهو ما زاد من شعبيته خاصة بين الشباب.

وبعد مواجهة عصيبة بين الاتحاد والأحزاب المعارضة تحول الاتحاد إلى تنظيم جديد هو الجبهة القومية التي ضمت بعض أحزاب المعارضة والتي فازت في انتخابات 1974 و1978، وفي عام 1974 فاز محاضير بعضوية البرلمان مرة أخرى وعين وزيرا للتعليم، ومن موقعه الجديد طبق ما أسماه "السياسة التعليمية الجديدة" ثم تولى وزارة الصناعة والتجارة بعد ذلك. وقد استكمل صعوده على السلم السياسي حتى وصل في النهاية إلى رئاسة الوزراء في 1981.
غير ان مهاتير سرعان ما اقنع قادة الحزب بقدراته، وصعد نجمه في الحياة السياسية بسرعة، وتولى رئاسة وزراء بلاده من عام 1981 لمدة 22 عاما، واتيحت له الفرصة كاملة ليحول افكاره الى واقع، بحيث اصبحت ماليزيا احد انجح الاقتصاديات في جنوب آسيا والعالم الاسلامي.

فقد تحولت ماليزيا من دولة زراعية تعتمد على انتاج وتصدير المواد الاولية، خاصة القصدير والمطاط، الى دولة صناعية متقدمة يساهم قطاعي الصناعة والخدمات فيها بنحو 90% من الناتج المحلي الاجمالي، وتبلغ نسبة صادرات السلع المصنعة 85% من اجمالي الصادرات، وتنتج 80% من السيارات التي تسير في الشوارع الماليزية.

وكانت النتيجة الطبيعية لهذا التطور ان انخفضت نسبة السكان تحت خط الفقر من 52% من اجمالي السكان في عام 1970، اي اكثر من نصفهم، الى 5% فقط في عام 2002، وارتفع متوسط دخل المواطن الماليزي من 1247 دولارا في عام 1970 الى 8862 دولارا في عام 2002، اي ان دخل المواطن زاد لاكثر من سبعة امثال ما كان عليه منذ ثلاثين عاما، وانخفضت نسبة البطالة الى 3%.

وجود رؤية للمستقبل
بالطبع لم يتحقق كل هذا من فراغ، بل كان وراءه مجموعة من السياسات التي جعلت ماليزيا تتمتع باحد افضل بيئات الاستثمار في جنوب آسيا حسب دراسات البنك الدولي. والاهم من ذلك هو ان الحكومة الماليزية كان لديها دائما تصور او رؤية للمستقبل.

ويرى عبد العزيز محمد المفوض الاعلى لماليزيا في بريطانيا في حوار مع بي بي سي آريبك اونلاين ان مهاتير لم يكن فقط سياسيا يتولى رئاسة الوزراء بل كان ايضا مفكر له كتبه ومؤلفاته، وصاحب رؤية لما ينبغي ان تكون عليه بلاده.

وابرز مثال على ذلك خطة 2020 التي يعتبر مهاتير مهندسها، والتي تقوم على فكرة ان تصبح ماليزيا بحلول هذا التاريخ دولة مكتملة البنيان الصناعي، وهو هدف يبدو شديد الطموح، لكن نجاح ماليزيا في النمو بنسبة 6.7% في الفترة من 1971 الى 1990، ثم بنسبة 7.1% في الفترة من 1991 الى 2000 يجعلها قادرة على تحقيق هذا الهدف اذا كررت نفس السيناريو.

سياسة الاتجاه الى الشرق
يقول مهاتير محمد في آخر تقرير له عن الموازنة العامة قبل تقاعده كرئيس للوزراء ان حكومته ادركت تماما اهمية اعتناق قيم ايجابية لتحقيق التقدم المنشود، ولهذا اعتنق منذ 22 عاما سياسة النظر الى الشرق، والمقصود بها اعتناق قيم العمل السائدة في اليابان وكوريا التي تقوم اساسا على الانضباط الشديد والاخلاص التام لجهة العمل، والحرص على اختيار المديرين ليكونوا قدوة لموظفيهم.


مهاتير اختار بدوي بعد خلافه مع سابقيه
وقد يبدو هذا مخالفا لمفهوم البحث عن قيم التطور في الغرب عموما والولايات المتحدة بشكل خاص، لكن مهاتير رأى دائما ان ثقافة العمل في اليابان بشكل خاص هي الانسب لثقافة وتكوين بلاده.

ازمة 1997
اكد مهاتير دائما رفضه لفكرة العولمة حسبما تقدمها او تفسرها الولايات المتحدة، ذلك لانها ستؤدي الى فتح اسواق الدول النامية امام الشركات الامريكية العملاقة التي لا تقوى مؤسسات الدول النامية على منافستها، وينتهي الامر باستمرار احتكار الشركات الكبرى.

ويرى مهاتير انه لا يجب ان تقبل اي افكار او سياسات لمجرد انها صادرة من الغرب، وطبق افكاره عمليا عندما رفض تطبيق السياسات التي اوصى بها صندوق النقد الدولي اثناء ازمة الاسواق الآسيوية التي طالت دول منطقة جنوب آسيا بما فيها ماليزيا.

فقد تعرضت العملة الماليزية، وهي الرينجيت، الى مضاربات واسعة بهدف تخفيض قيمتها، وظهرت عمليات تحويل نقدي واسعة الى خارج ماليزيا، وبدا ان النجاح الذي حققته على وشك التحول الى فشل.

وبعد بحث مستفيض للموضوع، اصدر مهاتير مجموعة قرارات تهدف الى فرض قيود على التحويلات النقدية خاصة الحسابات التي يملكها غير المقيمين، وفرض اسعار صرف محددة لبعض المعاملات، وهذا يخالف سياسة تعويم العملة التي يصر عليها صندوق النقد الدولي دائما.

ورغم ضغوط الصندوق، اصر مهاتير على سياسته التي اثبتت الايام انها كانت ناجحة حتى ان دولا كثيرة تدرسها وتحاول تكرارها. لكن وسائل الاعلام العالمية، حسبما يقول مهاتير، ترفض الاعتراف بالنجاح الذي حققته ماليزيا في مواجهة الازمة المالية الآسيوية، ولا تظهره بالشكل الكافي.

توزان بين الاعراق
من الامور اللافتة للنظر في تجربة ماليزيا قدرة المجتمع الماليزي على تجنب الصراعات والخلافات بين المجموعات العرقية الثلاثة المكونة للسكان البالغ عددهم 24 مليون نسمة، وهي المالايو الذين يمثلون 58% من السكان، والصينيون الذين تبلغ نسبتهم 24%، والهنود البالغ نسبتهم 7%.


مهاتير في اليوم الاخير لرئاسة الوزراء
ويقول عبد العزيز محمد انه اثر الصدامات العرقية التي وقعت عام 1969، ادرك الماليزيون ان استمرارها يعني ان يخسر الجميع، ومن ثم استطاع قادة المجموعات العرقية ايقاف هذه الصدامات بحيث لم تتكرر بعدها الى اليوم.

ويضيف ان التحالف الحاكم يضم 14 حزبا تمثل مختلف المجموعات العرقية، وهذا يعني ان المالايو، وهم الاغلبية، قبلوا المشاركة في السلطة لا الاستئثار بها. وهذه المشاركة هي التي ضمنت انتقال السلطة بسهولة من مهاتير الى خليفته اذ انه انتقال داخل اطار النظام وليس تغييرا للنظام.

مشكلات سياسية
اوضح تقرير خاص لمجلة الايكونومسيت عن تجربة ماليزيا في عهد مهاتير محمد انه على الرغم من النجاح الاقتصادي الذي تحقق، الا ان تركيز كل السلطات في يد مهاتير لم يسمح بتطور التجربة الديمقراطية في ماليزيا، كما لم يسمح بظهور اي زعيم قوي، وبدا الامر وكأن مهاتير لن يتقاعد ابدا.

لقد اختار مهاتير في عام 1986 صديقه لسنوات طويلة موسى هيتلم نائبا له، الا انه استقال بعد خمس سنوات بسبب خلافه المستمر مع مهاتير، ووصفه الاسبوع الماضي بانه "رجل عنيد جدا".

ثم اختار مهاتير انور ابراهيم للمنصب الشاغر، وتكرر السيناريو ليرحل ابراهيم بعد خمس سنوات اثر خلافات حادة مع مهاتير، لكن الرحيل هذه المرة كان مدويا اذ صحبته اتهامات لابراهيم بالفساد والشذوذ الجنسي انتهت به الى السجن حتى الآن.

ويرى كثير من المراقبين ان مهاتير قرر انهاء الحياة السياسية لابراهيم بهذه الاتهامات، التي انكرها ابراهيم باستمرار، بعد ان اشتد الخلاف بين الرجلين.

واخيرا وقع الاختيار على عبد الله بدوي لخلافة مهاتير، ويبدو ان بدوي تعلم من التجربتين السابقتين فعاش تحت ظلال مهاتير دون خلافات او مشكلات ظاهرة حتى تولى منصب رئيس الوزراء في مطلع شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2003.

وبالاضافة الى مشكلاته السياسية الداخلية اثار مهاتير ايضا جدلا سياسيا خارجيا مستمرا بآرائه التي ينتقد فيها الغرب بشكل عام والولايات المتحدة واستراليا بشكل خاص، واخيرا تصريحاته الشهيرة عن اليهود التي قال فيها ان اليهود يحكمون العالم بالوكالة ويرسلون غيرهم للموت نيابة عنهم.

ولكن هل يعني تنحي مهاتير عن منصبه انه سيتوقف عن ممارسة دور في الحياة السياسية الماليزية؟

يقارن تقرير "الايكونوميست" بين تجربة مهاتير في ماليزيا وتجربة رئيس وزراء سنغافورة السابق لي كون يو الذي حول جزيرته الصغيرة الى عملاق اقتصادي وصناعي، واستمر في الهيمنة على الحياة السياسية في بلاده بعد تقاعده.

ونظرا لان مهاتير عبر دائما عن اعجابه بتجربة لي كون فمن الممكن ان يسلك مسلكه ويستمر في ممارسة دور في الحياة السياسية لبلاده.

وهذا يعني انه ربما يكون هناك فصل آخر في تجربة مهاتير قد يتم عرضه في السنوات القادمة.