مع تنامي أعباء العمل يواجه الكثير منا ضغوطات وأعباء متزايدة تثقل كاهلهم وتصيبهم بالتوتر الدائم.لكن الخبراء يؤكدون أن هناك طرقاً عدة للتعامل مع هذه الضغوط اليومية واحتواء تبعاتها وما تفرض من توتر وإحباط في بعض الأحيان.
فعلى سبيل المثال غادر دانيال جونزاليس رئيس شركة التحكيم الدولي “موجان اند هارستونز” مطار ريجان الدولي بواشنطن مؤخراً بعد إنهاء رحلة عمل دامت 3 أيام في الأرجنتين متوجهاً لحضور اجتماع مهم في صيغة الأوراق المالية والبورصات.
وخلال رحلة الطائرة كان عليه متابعة التفاصيل الخاصة بخمس عشرة قضية تحكيم أخرى. فكيف يستطيع جونزاليس وغيره من كبار التنفيذيين أصحاب المسؤوليات والمهام المتعددة الصمود أمام كل هذه الضغوط المتنامية؟
يقول الخبراء إن تفادي التوتر يكمن بالنسبة للعديد من الناس في نجاحهم في الحفاظ على سيطرتهم على تفاصيل عملهم، فعندما يسافر جونزاليس لمدة تتراوح بين 30 و40 أسبوعاً كل سنة متنقلاً من قارة إلى أخرى يحرص على استخدام الحاسوب النقال والبلاكبيري للحفاظ على سيطرته على تفاصيل مهام عمله المختلفة. ويقول جونزاليس إنه بهذه الطريقة يتمكن من التفاعل مع أية مستجدات تطرأ بغض النظر عن الوقت أو عن مكان وجوده.
وتظهر غالبية الأبحاث العلمية بالفعل أن التوتر الناجم عن العمل غالباً ما يكون أكثر حدة عندما يكون لدى المرء متطلبات كثيرة في ذات الوقت الذي لا يملك فيه القدر الكافي من السيطرة على مجربات الأمور.
فالعامل الصغير لديه مهام محددة وواضحة تماماً وعدد ساعات عمل ثابت، غير أنه يعاني بالرغم من ذلك الكثير من التوتر الناجم عن العمل نظراً لأنه لا يتحكم في مصير عمله. ويؤكد الخبراء أنه كلما ازدادت سيطرة المرء على مجريات عمله، قلت لديه مشاعر التوتر الناجمة عن العمل. لكن ساعات العمل الطويلة سيكون لها لا محالة تأثيرها في المرء طال الوقت اللازم لظهور هذا التأثير أو قصر. إذ أظهرت دراسة حديثة في كاليفورنيا أن الأشخاص الذين يعملون لأكثر من 51 ساعة في الأسبوع لديهم امكانية بنسبة 29% للتعرض للتوتر والضغط النفسي مقارنة بنسبة 14% للموظفين الذين يعملون لأقل من 40 ساعة في الأسبوع. وبالطبع فإن مثل هذا النوع من التوتر المفرط يمكن أن يؤدي إلى إصابة الإنسان بأمراض القلب والاكتئاب.
وأكدت دراسة أخرى أن مشاعر التوتر الناجم عن ضغوط العمل يكلف الشركات الأمريكية أكثر من 300 مليار دولار سنوياً تتمثل في تكاليف الرعاية الصحية وتكرار الغياب عن العمل وتراجع العائدات الإجمالية.
إذ أظهرت أن ربع الموظفين في الولايات المتحدة على الأقل يحصلون على اجازة راحة نفسية على الأقل لمرة واحدة نتيجة التوتر الناجم عن ضغوط العمل.
ويقول راس نيومان المدير التنفيذي لاتحاد الأطباء النفسيين في الولايات المتحدة إن أول خطوة يمكن القيام بها لمواجهة التوتر الناجم عن العمل تتمثل في اكتشاف الأسباب المؤدية إلى التوتر بشكل محدود وواضح. ويضيف قائلاً: غالباً ما تكون مشاعر الناس بالتوتر عامة، إلا أن لها في واقع الأمر أسبابها المحددة، ولن يتمكن المرء من معالجة التوتر بالأسلوب الصحيح ما لم يكتشف أولاً أسبابه الرئيسية”.
إن عملية تحديد أسباب التوتر تتسم في الكثير من الحالات بالصعوبة، لذا ينصح دكتور بول روتش رئيس مؤسسة مكافحة التوتر في الولايات المتحدة بكتابة كل ما يحيط بالموقف الذي يبعث على التوتر من ظروف للمساعدة في اكتشاف أسباب التوتر الرئيسية.
وبهذه الطريقة يمكن للمرء مراجعة ما كتب من ملاحظات بعد ساعات عندما تزول حدة التوتر لاكتشاف المصدر الفعلي للتوتر. وبمجرد أن ينجح المرء في اكتشاف أسباب قلقه وتوتره عليه أن يقوم باتخاذ بعض الخطوات السريعة والذكية لمواجهتها، وينصح نيومان بالقيام ببعض التمارين الرياضية بداية للاسترخاء، ليقوم المرء بعدها بتقسيم مسببات التوتر إلى شقين، شق يستطيع السيطرة عليه وشق خارج نطاق سيرته. وبالطبع سيكون عليه في الخطوة التالية وضع حد للأسباب التي يمكنه السيطرة عليها.
أما بالنسبة للأسباب الخارجة عن نطاق سيطرته فيمكنه محاولة تخفيف حدة انعكاساتها بقدر الامكان، فعلى سبيل المثال ان كان التوتر ناجماً عن القيادة لساعات طويلة للوصول إلى العمل، يمكن للمرء تخفيف حدة التوتر عن تمويل رحلة القيادة الطويلة المملة إلى رحلة ممتعة من خلال شراء سلسلة من الكتب المسجلة على شرائط يمكن الاستماع لها مثلاً أو التشارك مع زميل آخر يقطن بالقرب منه في القيادة لتخفيف ثقل الرحلة.
ومن جانبه يرى مات جراوتش الأستاذ في جامعة سانت لويس أن تجاوز أوجه القصور كذلك يمكن أن يسهم في تخفيف حدة التوتر الناجم عن العمل، ويسوق هنا مثالاً مهماً إذ يقول إنه كان في أحد المستشفيات ووجد أن الممرضات يواجهن مشكلة لدى طباعة الوثائق الخاصة بكل مريض، فبعد إعدادها على الحاسوب وطباعتها كان على الواحدة منهن أن تجوب المستشفى من طابق إلى آخر للعثور على الوثيقة التي قامت بطباعتها. ويقول جراوتش إن هذه المشكلة كانت تؤدي إلى إهدار الساعات يومياً، وكان هذا الخطأ التقني البسيط، الذي يسهل تلافيه ببساطة، يفاقم مشاعر التوتر لدى الممرضات دون داعٍ.
أما جونزاليس فيقول إن ترتيب الأولويات هو السر الحقيقي في نجاحه في تأدية عمله بالرغم من الضغوط الحادة التي يعانيها. وهو يؤكد أن التنظيم والتخطيط المسبق ساعده دوماً على إنجاز المهام المسندة إليه بغض النظر عن الضغوط التي يواجهها وما يمكن أن يطرأ من مستجدات غير متوقعة.
ولدى لويد جريف مؤسس شركة الدمج والحيازة “جرين اندكو” في لوس أنجلوس طريقة فريدة في تجاوز حالات التوتر وهي اللجوء إلى الدعاية، فعلى حد قوله عندما يصل التوتر إلى أقصاه خلال اجتماعات العمل يرى أن المنقذ الوحيد هو إلقاء الدعابة المناسبة لإشاعة جو من الاسترخاء يمكن من بعده العودة إلى مناقشة القضايا الأكثر سخونة في جو مريح، ويقول رويتش إن طريقة تعامل الناس واستقبالهم لمشاعر التوتر تتفاوت بشكل لافت، فالبعض يصاب بالذعر والبعض الآخر يستمتع بالتجربة. ويجيد الرياضيون التعامل مع حالات التوتر، إذ يقول جمال أونيل لاعب كرة السلة في فريق انديانا باسرز إن التوتر أمر عادي في الألعاب الرياضية