"اُسرتي ليست منسجمة معي، ولا تهتم بما أريد"..
"بدأت أكره مدرستي، ولا اطيع الدراسة فيها"..
"شخصية مدرستي لا تعجبني، وأتمنى لو لم أكن أدرس عندها"..
"هذا بعض الأقوال التي نسمعها من الشباب فتيانا وفتيات، وهم يتحدثون عن امور قريبة منهم وتحيط بهم داخل الأسرة وخارجها.. هذه الأقوال تعكس جانبا من رؤية هؤلاء إلى المحيط الذي يعيشون فيه..
المراهق كسائر الناس ينظر إلى الواقع من حوله من خلال نظارته الخاصة به، لكن نظارة البعض يشوبها أحيانا غبار من القلق والاضطراب..
فبعض الشباب قد يختارمن البداية نظارة خاطئة، فيرى الأمور لا تتوافق مع مزاجه.. أو يعتقد أن الأشخاص القريبين منه يريدون الإساءة إليه، ومثل هذا الشاب لا يرى العالم كما يحب أن يراه..
لايدعي أحد أن جميع ما يحيط بنا من أشياء هي جميلة أو تستحق من المديح، لكن من المؤكد أنها ليست قبيحة كلها، بل هناك الكثير من الأمور المفيدة التي تجلب السعادة للإنسان.. المهم هو نظرتنا إلى هذه الأمور أو إلى الحياة بشكل عام..
فهل أنظر أنا الشاب إلى الحياة بأنها مصدر سعادة أم مصدر شقاء.. هل أتذوق الجمال وأشعر بالمتعة أكثر، أم اني أشعر بالآلام الحياة وتعاستها.. هل أحس بالاطمئنان والاستقرار أم أحس بالإضطراب والتوتر والقلق..
الإجابة على هذه الأسئلة تختلف من شخص لآخر.. ربما نجد عددا ملحوظا من المراهقين يقولون اننا ننظر إلى الحياة كمصدر تام للسعادة، أو اننا لا نتذوق إلا الجمال ولا نشعر إلا بالمتعة، والتعاسة لا نعرف شكلها ولا لونها، ونعيش دائما في اطمئنان لا يشوبه أي اضطراب.
لكن الأمور من حولنا فيها الحسن والسيئ، وفيها الجميل والقبيح، وفيها النافع الضار، وفيها الممتع وفيها المؤلم.. ولادة طفل في الأسرة جميل وممتع، وموت أحد من الكبار مأساوي ومؤلم.. الصحة حسنة ونافعة، والمرض مؤلم على الأقل.. الصديق قد يكون وفيا معنا أويخذلنا عندما نحتاج إليه.. قد اصادف مدرسا ضعيفا أو مدرسة سيئة الخلق أوالعكس.. قد يكون أحد الأبوين خشن المزاج والأخر لين الطبع ناعم الكلام..
كل ذلك نراه من حولنا يوميا، ولكن لا يعني ذلك اننا أشقياء إذا واجهنا أمورا تسيء إلينا أو تضر بنا؛ لأن الحياة كلها مزيج من الخير والشر. والذي يجعلنا سعداء هو كيفية تفهمنا لهذه الحياة ونظرتنا إليها..
إذا إما أن أمسح أنا الفتى والفتاة غبار القلق والإضطراب عن عدسات نظارتي التي أنظر بها، أو أستبدلها بنظارة أخرى تتناسب مع رؤيتي الجديدة..
ما ذا يعني هذا الكلام؟!..
يعني أن نضع مبادئ جديدة للرؤية..
1- أن نرى الجانب المملوء من الإناء دائما.. لا الجانب الفارغ منه. هذه الحكمة تدعونا إلى مشاهدة الخير والجمال والحسن في الأشياء وفي الأشخاص، بدلا من التركيز على الشر والسيئ والقبيح.. أي انني إذا أردت أن أكون ايجابيا فعلي أولا وقبل كل شيء أن لا أكون سلبيا؛ لذلك ينصح بعض المتهمين للحياة أن يعدد كل شخص نعمه، وليس متاعبه ومشاكله..

2- أن نؤمن من الأعماق أن للكون مدبرا لا يخلق شرا مطلقا..
حتى الشيطان يمكن أن يوجد فينا شعورا بالتحدي أمام وساوسه مكائده.. فنشعر بسعادة لا توصف حينما ننتصر عليه ونحصل على درجات عليا عند الله سبحانه.

3- أن نبحث دائما عن المفيد في كل شيء وسنجده بين أيدينا بعد التدقيق والملاحظة والسعي.. من جد وجد، ومن زرع حصد..

الأشياء المهملة مثلا قد تكون لها فائدة مادية أو غير مادية.. قد نستفيد م أدوات عادية لصنع وسيلة نافعة، أو نستفيد من وقت ضائع لتعلم شيء مهم أو حرفة مفيدة، وقد نستمع إلى قول طفل صغير أو إنسان بسيط، فنخد منه كلمة حكيمة تنفعنا إلى آخر يوم من حياتنا.
حكي أن حدادا كان يجمع ذرات المعدن المتناثر في ورشته فيأخذها بعد فترة إلى مصنع للصهر، فيحول هذه الذرات إلى سبيكة معدنية ويبيعها بثمن مناسب، فكون بعد ذلك لنفسه ثروة لم تكن بالحسبان..

4- أن نعتقد أن في نفوسنا وعقولنا كنوزا لا تحصى .. وما علينا إلا كشفها وإخرجها إلى الواقع..
وتحسب أنك جرم صغير
وفيك أنطوى العالم الأكبر
فإذا لم نؤمن بهذه الحقيقة، فلنقرأ سيرة الأنبياء والأولياء والمخترعين والمفكرين والمصلحين الكبار الذين لم يملكوا من الدنيا إلا كنوزا من العلم والمعرفة، استخرجوها من نفوسهم، فاستطاعوا أن يغيروا الكثير من الأشياء في العالم وأصبحت ذكراهم خالدة في التاريخ.

5- أن نفكرفي البناء دائما وأبدا، لا بالهدم.. إذا فكر كل منا بالبناء، هذا يعني ننا نريد أن نقوم بأعمل ثم نريد أننقوم بأعمال أخرى تكملها، ومن ثم نبني فوقها أعمالا أخرى حتي يكون لنا في يوم ما عددا من الاتجازات.. وعندما نشعر بالإرتياح والسعادة.
وهذه طبيعة وضعها الله في كل إنسان، فهو يحب أن يرى نفسه قد حقق شيئا لنفسه واللأخرين، لتكون لحياته معني وقيمة وعطاء..
أما فكرة الهدم، فهي تني اننا نخرب العمال التي قمنا بها، أو التي قام بها غيرنا؛ لأننا نحسدهم أولا نحبهم، فمن أين تأتي السعادة ياترى لمثل هذا الإنسان.

6- أن نحب أنفسنا من دون غرور أو تكبر أو عجب..
وأن نحب الآخرين دون تبعية أو امتهان للنفس..
حبنا لأنفسنا يعني اننا نريد الخير لها، ولذلك لا نأخذها في طريق يضربها، ونوفر لها ما ينفعها من العلم والثقافة والأخلاق والصحة وما شابه ذلك.
حبنا للآخرين هو أن نتمنى لهم الخير، وإذا أخطأ وانسامحهم، وإذا كرروا إساءتهم حينئذ ندافع عن أنفسنا، ولكن لا نعادي إلا عملهم السيئ؛ لأن الحب ما زال في قلوبنا، وخلصنا هذا الحب والود والتقدير من الإصابة بأمراض الحقد والحسد والكراهية.

7- أن نتفاءل، فإن التفاؤل بداية كل عمل كبير وإنجاز مهم تفاءلوا بالخير تجدوه..
إننا نتفاءل لأن الحياة تمنح الانسان فرصا عظيمة للعمل والنجاح، فقد أنعم الله علينا نعما كبيرة لا تحصى، وهو يأخذ بأيدينا نحو الخير والعطاء.
ونتفاءل أيضا لأن كثيرا من الناس قد فشلوا، ثم واصلوا العمل والتجربة حتى كتب لهم التوفيق.

8- الواقع المر يتغير بالتدريج مهما كان عنيدا..
الصخرة مهما كانت صلبة، فإن قطرات الماء الرقراقة تستطيع أن توجد فيها ثقبا، ثم تحوله إلى حفرة، ثم تفتت الصخرة بمرور الزمن إلى حجيرات صغيرة، وهذا المنظر مألوف في الطبيعة..
لنأخذ البذرة والنواة مثلا، فإننا إذا وضعناها في جوف التربة الصالحة وأوصلنا إليها الماء واعتنينا بها، تصبح شجرة في الآجل من الأيام، ويقول المثل: "كل آت قريب"..
الأمر الآخر هو اننا كبشر نستطيع أن نتكيف مع الواقع مهما كان صعبا وقاسيا.. الانسان يعيش في قطب الشمال الذي تتجمد فيه البحار من البرد، كما يعيش في خط الاستواء الحار.. يعيش في الجبال الشاهقة كما يعيشفي الصحاري المحرقة..
فلماذا الجزع والخوف والقلق والضجر والتشاؤم..

9- المصائب فيها حكمة في النهاية..
مذكرات كثيرمن القادة والزعماء والمشاهير تحوى قصصا مأساوية عديدة وقعت لهؤلاء، من موت أحد أعزائهم وفقدان حبيب إلى قلوبهم، أو خسارة كبيرة لحقت بأموالهم وتجارتهم وما شابه.. إلا أن هذه المصاب جعلتهم أفرادا ناجحين في مواجهة مشاكل الحياة، فأخذوا أكبر نصيب منها. التف حولهم الناس واحترموهم أشد الاحترام.

10- الأخطاء والذنوب يمكن تصحيحها وتعويضها بالإتقان والعل الصالح.. معظم الأخطاء نرتكبها لقلة خبرتنا وتجربتنا، أو لأننا لم نتقن العمل جيدا ولم نبذل له فكرا أو جهدا كافيا.. فإذا أستفدنا من التجارب وخططنا للعمل جيدا وأتقناه فأن الأخطاء تقل كثيرا.
كذلك الذنوب والمعاصي التي قد نقترفها، فانها قابلة للتعويض إذا ندمنا عل فعلها وأتبعناها بعمل صالح..
جاء في القرآن الكريم: (إن الحسنات يذهبن السيئات).
أي أن نأتي بالحسن من الأعمال حتى تحل محل السيئ منها، ونزيل آثارها.. فإن إشاعة الخير هو أفضل طريق لقتل الشر في نفوسنا.

11- إننا مسؤولون عن أنفسنا وعن أعمالنا أكثر من غيرنا..
قد يعيننا الآخرون في عمل معين، أو يشاركوننا في همنا، ولكن يبقى كل شخص هو المسؤول في نهاية الأمر عن تسيير أموره، وتحقيق النجاح في شؤون حياته المختلفة، في دراسته أو في اختيار الصديق المناسب، أو كسب احترام الآخرين، أو التفوق في عمل من الأعمال.. ومثل يقول: "اقلع شوكتك بيدك".

12- أن نؤمن بأن النجاح مرهون بالعمل والصبر..
هناك حكمة انجليزية تقول ان الأعمال أعلى صوتا من الأقوال، أو الكلام المعسول لا يطهو الجزر الأبيض..
فهما كان كلامنا حلوا ومنمقا فانه يبني شيئا إلا إذا تحول إلى عمل وفعل.. فهل قول احدنا انني سأنجح في الامتحان وأحصل على درجة ممتازة يكفي للنجاح في هذا الامتحان، أم أن الدراسة والاجتهاد هما اللذان يوصلان إلى هذه الغاية..
النجاه لا يأتي بالتمني أو الحديث عن الامنيات، وإنما بالعمل والمداومة والصبر.

13- أن نرضى بنتائج عملنا وسعينا وإن كانت هذه النتائج قليلة وضئيلة حتى تحين فرصة أخرى للعمل والسعي.. هذا الشعور يجعلنا دائما في ارتياح.. إننا قد بذلنا جهدنا، وإن لم نحصل على الشيء الكثير، فلنجدد عزمنا وهمتنا، ونتوكل على الله سبحانه، ونحاول ونعمل مرة أخرى حتي ننال ما نريد، وتكون أعمالنا ومساعينا ناجحة..
هذه جملة من المبادئ التي تجعل نظرتنا نحن المراهقين إيجابية نحو الحياة، ومنطقة نحو التغيير، وتحبب لنا آفاق المسير في رحلة العمر الجديدة، الممتعة والمسؤولة، والتي بدأناها بعد مرحلة الطفولة..