موقوف
- معدل تقييم المستوى
- 0
استنجد بالطاقة الاضافية في ذاتك
كل الناس يعرفون أنهم يمتلكون الكثير من الطاقات المعروفة.
ولكن القلّة هم الذين يعرفون أن لديهم مخزوناً هائلاً من الطاقة الإضافية التي يمكنهم باستخراجها واستثمارها، أن يحققوا ما يشبه المستحيل في الحالات الحرجة.
إن البعض يعتقد أن كل إنسان يمتلك ذاتين في داخله:
واحدة نظرية، وأخرى عملية. ويرى أن نجاحنا يعتمد أحياناً كثيرة على التوازن بين هاتين الذاتين. |
وإذا لم نكن نؤمن بوجود "ذاتين"، كما يرى هؤلاء، إلّا أن مما لا شك فيه أن الله تعالى يزود الإنسان أحياناً بقدرة جديدة لم تكن لديه، وطاقة إضافية لم تكن في حسبانه، وبتلك الطاقة يستطيع التخلص من الكارثة أحياناً.
ولعل كل واحد منا يحتفظ في ذاكرته بمواقف كثيرة مرّت عليه، ولولا تلك الطاقة الإضافية لأصيب فيها بالموت المحقق.
وفي ما يلي قصة أحدهم في ذلك:
كان الليل قد انتصف، والصقيع أنزل الحرارة نحو عشرين درجة تحت الصفر. في ذلك الوقت كان "تيموثي غالوي"، وهو شاب من ولاية كاليفورنيا الأميركية، يقود سيارته على طريق منعزلة في الغابات عندما نظر فلم يرَ حوله سوى الثلج من كل جانب فتوقفت سيارته. وطوال الدقائق العشرين التي مضت عليه في الطريق لم يكن "غالوي" قد صادف أي سيارة في الشارع، فقدر أن الانتظار داخل سيارته لا طائل وراءه. فرأى أن أمله الوحيد هو الخروج من السيارة بحثاً عن نجدة، ولم يكن يرتدي سوى سروال وسترة رياضيين. لكنه ترك السيارة وشرع يركض في الطريق التي أتى منها وصفعه الهواء البارد، وشل جسمه، فتوقف وسط ذلك القفر وهو يخشى أن يموت ولا يراه أحد.
وبعد دقائق على تلك الحال قرر أن يقاوم الخوف عبر القبول به وتحويل أفكاره إلى أمور أخرى وقال لنفسه: "إذا كنت سأموت حقاً، فإن قلقي لن يبدل الواقع".
وفجأة فتح عينيه على الجمال الذي يحيط به، واستسلم لهدوء الليل، ووميض النجوم، وظلال الأشجار فوق الثلج. ومن غير أن يدري، وجد نفسه ينهض من جديد ويركض وقد تجدد نشاطه. وظل يركض نحواً من أربعين دقيقة حتى بلغ منزلاً يسكنه أناس طيبون استضافوه بكرم بالغ.
لم يدرك "غاليوي" آنذاك أن تلك الطاقة الداخلية الغريبة التي تولدت فيه على نحو مفاجئ ستكون أساساً لطريقة يبتكرها ويدعوها "الرياضة الداخلية"، ولكن بعد سنوات من العمل كرياضي وأستاذ للرياضة، تحقق من أن العامل الذي أنقذه تلك الليلة الرهيبة قبل سنوات إنّما كانت عبارة عن قوة كامنة لدى الناس جميعاً، قوة فاعلة إن هم عوّلوا عليها.
وفي السنين العشر التالية وضع أسس استخدام تلك الطاقة كي تُعين الناس في مرافق الحياة جميعاً. وشرح ذلك في حلقات دراسية ومقابلات تلفزيونية وكتب وضعها بمفرده أو بالإشتراك مع آخرين. وقد أعانت طريقته ألوف الأشخاص على التزام أنظمة حمية، وتحمل وظائف مملة، وإلقاء الخطب وسوى ذلك.
لقد اكتشف غالوي مبادئ "الرياضة الداخلية"، وهو على ملعب كرة المضرب (التنس)، وكان قائداً لفريق كرة المضرب في جامعة هارفارد. بعد أربع سنوات من الخدمة في البحرية عاد إلى رياضته كلاعب محترف في أحد النوادي، ولم ينقطع عن ابتكار وسائل لرفع شأن فريقه. وسرعان ما تنبه لصوت يهمس له وهو يلعب: "هيا، الآن احمل المضرب جيداً، هذه ضربة مسددة كتلك التي لم تستطيع ردها المرة السابقة..".
يقول الرجل: "أدهشني أن أكتشف أن في داخلي نداءين مختلفين، لربما ينطلقان من ذاتين مختلفتين: إحداهما تلعب كرة المضرب، والأخرى تقول للأولى كيف يجب أن تلعب".
وأطلق على تينك الهويتين اسمي: "الذات الأولى" و"الذات الثانية". الذات الأولى لغوية وذهنية، ووظيفتها إدراك الأصول التي تقوم عليها أي لعبة أو مهمة. وهي أيضاً تصدر الأحكام ويسرها أن تقرر ما هو الجيد، وما هو الرديء.
أمّا الذات الثانية فهي تجمع العقل والحواس والأعصاب والعضلات، هذا التجمع الذي يجعل تحقيق أي عمل ممكناً. وعلى رغم أن الذات الأولى تقرر إذا كنا نريد تعلم كرة المضرب، أو العمل على الآلة الكاتبة، أو بيع الأدمغة الإلكترونية، إلّا أن الذات الثانية هي التي تتولى تعلم هذه الأمور وتنفيذها. وغاية أي نشاط نقوم به هو تحقيق توازن سليم بين الذات الأولى والذات الثانية.
وقد لاحظ غالوي أنه عندما يلعب كرة المضرب على أفضل وجه، فإن الأصوات تختفي من ذهنه، وهذا يعني أن الذات الثانية ترمي الكرة وتردها على نحو تلقائي.
والواقع أننا اختبرنا جميعاً هذا النوع من الإنجاز الرائع في وقت أو آخر، في الأوقات التي "ننسى ذاتنا". فلماذا لا تكون كل أوقاتنا هكذا؟ لماذا لا نجعل من أوقاتنا كلها ظروفاً لإنجازات رائعة؟
من هذه الفكرة انطلق غالوي، وشرع يختبر نظريته على نفسه، وعلى تلاميذه في ملعب كرة المضرب. وسرعان ما تبين له أن تحقيق ما ينشد وقف على إسكات الذات الأولى. ذلك أن تعليماتها وشكوكها وهواجسها ونقدها تعمل على إرباك الذات الثانية. غير أن إسكات الذات الأولى ليس بالأمر السهل. فمعظمنا يظن أن هذا الصوت المدوي داخله هو ذاته الحقيقية. لكن الواقع أنه إذا استطعنا تنحية الذات الأولى في الوقت المناسب، فإن الذات الثانية تتمكن من تأدية دورها على غير وجه، بل هي تجترح المعجزات. ولكن كيف يمارس المرء هذه الرياضة الداخلية؟
في ما يأتي خمسة مبادئ في ذلك:
ركّز على النقطة المهمة:
مثلاً في لعب الكرة يكون هذا المبدأ في شكل "أبق عينيك على الكرة".
هذا المبدأ يطبّق حرفياً على حلبة الرياضة، لكنه يكتسب معنى مجازياً في ميادين الحياة الأخرى. وهو يشير إلى وجوب التركيز على الناحية الأهم في أي عمل نؤديه. ويعتقد غالوي أن التركيز لا ينبع من الإرادة، بل من العقل الذي يشغفه هذا العمل أو ذاك. وهذا يعني أن على لاعب كرة المضرب أن يدرب نفسه على "الافتتان بالكرة" إلى الحد الذي يكف معه عن بذل أي جهد لمراقبة حركتها، ويغدو تتبعه لها تلقائياً. وعندئذٍ يبصر كل خط أو خيط أو ثنية فيها. وعندما يحقق المرء هذا الأمر، يلازمه شعور غريب يفوق التصديق والوصف.
وفي "ألعاب" الحياة الأخرى، على المرء أن يقرر ما هي "الكرة". ففي أعمال البيع، مثلاً، قد يقرر البائع أنه هو الكرة. وهذا يجعله يركّز على مظهره وشخصيته. وربما قرر أن "الكرة" هي السلعة التي يحاول بيعها، فيركّز على حسناتها ويبرزها للآخرين. وقد يكون المشترى هو الكرة، يقول: "ركّز عينيك على البائع كما تركّزها على كرة المضرب، وسيبدو لك أن تفاضيل الكرة هنا هي أمور مثل احترام المشتري ومحاولة إرضائه".
ثق بنفسك:
إن ذاتنا الأولى، وهي المسؤولة عن اكتساب المعارف، ناقدة إلى أبعد حد. وغالباً ما تنقد الذات الثانية بعنف قائلة لها: "لا يمكنك أن تنجزي أمراً حسناً".
وهذا خطأ، فالذات الأولى، بدلاً من انتقاد الثانية، ينبغي أن تنظر بإجلال إلى الطاقة البشرية. وكما نثق كلنا بقدرة الذات الثانية على إنجاز أعمال يومية بسيطة مثل كتابة مقال، وإدخال خيط في ثقب إبرة، وقيادة سيارة، هكذا يجب أن نثق بقدرتنا على إنجاز الأمور الأخرى الأكثر تعقيداً.
ولكن كيف نتعلم أن نثق بأنفسنا؟
هذا يتم بالممارسة، لندع الأمور تحدث على سجيتها! لندع ذاتنا الثانية تعمل. وهذا يعني تعليق أحكام الذات الأولى، سواء كانت التحدي الذي يواجهنا آتياً من انعطاف مفاجئ في حلبة التزلج أم من كرة في ملعب.
وقد وجّه غالوي تلاميذه في ملعب كرة المضرب إلى رمي الكرة نحو علبة، من غير أن يجعلوا همهم تسجيل إصابة. وسألهم أن ينظروا أولاً إلى الكرة جيداً وهي تقطع طريقها نحو العلبة، ثم يراقبوا النقطة التي توقفت عندها وبعدها عن العلبة. وبعد رمي الكرات واحدة بعد الأخرى، صححت الذات الثانية حركاتها دونما جهد واعٍ، إلى أن تمكنت الكرة من إصابة الهدف.
ركّز على ما يحصل هنا والآن:
الذات الأولى لا يقر لها قرار حتى تفعل شيئاً نافعاً، مثل مراقبة الذات الثانية باستمرار. والتركيز على ما يحصل فعلاً أفضل من القلق على ما يمكن أن يأتي أو لا يأتي. فإذا كان المرء يتسلق جبلاً، مثلاً، فيجدر به التنبه لوضع قدميه عندما يبلغ رأسه تلة عوضاً عن الخوف من سقطة ممكنة، إن القلق هو خوفنا مما يمكن حدوثه. ولكن إذا ركّز المرء أفكاره على ما يحصل هنا والآن، فهو يمنح ما يريده تحقيقه أفضل تصيب كي يحدث فعلاً.
إن التنبيه لما نفعل يجب أن يكون إدراكاً موضوعياً لجميع العناصر التي ينطوي عليها الموقف. وإذا بلغ المتزلج قمة تلة، ربما توقفت ذاته الأولى لتقول: "هذه هي التلة اللعينة التي سقط منها زميلي أمس".
والحق أنه ليس هناك تلال "لعينة" وأخرى "مباركة"، إنما هناك تلال ذات خصائص مختلفة. والذات الثانية ترى تلك الخصائص على حقيقتها إذا نظرات إليها وهي متحررة من المخاوف والشكوك التي تثيرها الذات الأولى.
لا تجعل النجاح هاجساً مقلقاً:
يعتقد غالوي أن القلق هو أدهى خدعة تمارسها الذات الأولى على الذات الثانية. والقلق يصلّب العضلات ويوتّر الأعصاب، وفي هذا تكمن أكثر أسباب الإخفاق انتشاراً. ويقول هذا الرّجل إن الذات الثانية تؤدي عملها على خير وجه عندما تكف الذات الأولى عن جبهها بالأوامر المستحيلة.
وإذا استطاع المرء أن يتوقف عن إجهاد نفسه، فإن جهده يفيض عندئذٍ من غير تعب. وهذا يتيح للذات الثانية تحقيق الإمكانات التي حباها الله تعالى، فضلاً عن المعارف التي اكتسبتها. وقد وجد غالوي أنه كلما تضاءل قلقنا على نتيجة أفعالنا جاءت هذه النتيجة خيراً مما نظن.
ويقول: "الاستسلام فكرة جيدة نصف بها ما يحدث للاعب كرة المضرب، أو أي لاعب آخر، عندما يدرك أنه ليس ثمة ما يخسره. وهو عندئذٍ يكف عن القلق على النتيجة، ويستسلم لممارسة لعبته كغاية في ذاتها. ومن الغرابة أن هذا الأمر تتولد منه، في الغالب، أفضل النتائج الممكنة".
لا تشك في إمكاناتك:
الشك بالذات يسفر عموماً عن أسوأ العواقب. واللاعب الذي يقول لنفسه، وهو يرى الكرة تأتي نحوه، إنه لن يتمكن من ردها، يخفق فعلاً في ردها. ونحن لا نتغلب على هذا الشك إلّا بالتركيز على الحاضر.
وكما في الألعاب، كذلك في الأمور الجادة في الحياة. فربّنا منح البشر كل ما يحتاجون إليه في إدارة حياتهم وتطويرها، ومن يفشل في ذلك فهو بسبب سوء إدارته، أو عدم استخدامه لطاقاته، أو عدم ثقته بنفسه، أو تشاؤمه
|
المفضلات