لعل من أهم أسباب الشعور بالشقاء هو الكآبة التي تعتبر العدو الأول للسعادة..
فكم من أناس يملكون كل أسباب الرفاهية ولكنهم يعيشون منطوين على أنفسهم يعانون من الشعور بالإكتئاب والقلق.
إن (الكآبة السريرية) قد تكون شديدة الخطورة، وتتطلب عناية طبيب أو عالم نفساني مدرب على معالجة هذا الإضظراب، فإذا بقي مزاجكم العكر مسيطرا عليكم يوما بعد يوم، وأسبوعا بعد أسبوع، أو تحول كآبة واضحة فعليكم بمراجعة طبيب.
ولكن يمكنكم أيضا أن تساعدوا أنفسكم، وإليكم بعض الاقتراحات الصادرة عن مراجع رائدة في هذا المجال:
أولا: أشغلوا أنفسكم بعمل بناء
يقول أحد الخبراء: "إن الكآبة تتغذى من الجمود، والحركة عدوها الطبيعي"، فكلما تكاسلتم زادت ورغبتكم الكسل، ولمحاربة الجمود فلا بد من تدوين برنامج عمل ويومي من الصباح إلى المساء، دونوا كل شيء بما فيه أوقات الاستحمام ووجبات الطعام. لأنكم إذا كنتم تعانون الكآبة حقا فستبدو المهمات الصغيرة كبيرة في نظركم. جزئوا النشاطات المعقدة إلى خطوات صغيرة منفصلة، فتبدو لكم أكثر قابلية للحل.
وإذا تبين لكم أن تحضير برنامج اليوم مشروع مستحيل، فاعملوا بنظرية أن الحركة تتقدم على الحافز أحيانا، وهذا يعني أن عليكم ألا تتوقعوا الشعور بدافع إلى الحركة لكي تتحركوا، لأنكم إذا بقيتم فريسة الكآبة فلن تشعروا أبدا بدافع إلى الحركة، وعوضا عن ذلك عليكم أن تعدوا العدة وتخطوا الخطوة الأولى وإن كنتم في حال نفسية غير ملائمة.
لقد أثبت المتخصصون أن أفعالنا تترك أثرا بداخلنا، ففي كل مرة نقدم على الفعل، نكبر الفكرة الأساسية أو النزوع الأساسي الكامن وراءه. إن معظم الناس يفترضون العكس، أي أن طباعنا ومواقفنا تؤثر في سلوكنا. وفي حين أن ذلك صحيح إلى درجة معينة، فإنه من الصحيح أيضا أن طباعنا ومواقفنا (تتبع) سلوكنا. فقدرتنا على أن نفعل لأنفسنا طريقة جديدة للتفكير، لا تقل عن قدرتنا على أن (نفكر) لأنفسنا في طريقة جديدة للفعل.
هناك مبدأ أخلاقي يخصنا جميعا: هل نرغب في أن نغير أنفسنا تغييرا مؤثرا بصورة ما؟ وفي أن نرتفع بتقديرنا لذواتنا؟ وأن نصبح أكثر تفاؤلا وأكثر التزاما بمحيطنا الاجتماعي؟.
حسنا.. إن الاستراتيجية الفعالة لذلك هي أن ننهض ونبدأ بعمل هذا الشيء بالذات، ولا يقلقك أنك لا تشعر بميل نحوه، تحايل على الأمر، تظاهر بتقدير الذات، تصنع التفاؤل، تقمص روح الود والانفتاح على الآخرين وسوف ترى كم تتغير حياتك إلى الأحسن.
وهكذا فإن علينا مواصلة الحركة التي يمكن أن تطلق شرارة العواطف.
فأنت تشعر أنك في حالة مزاجية قلقة وعصبية، لكن عندما يدق جرس الهاتف فإنك تتصنع المرح وأنت تتكلم مع صديقك، والشيء الغريب أنك بعد أن تضع السماعة لا تعود تشعر بضيق الصدر. وتلك هي قيمة المناسبات الاجتماعية، فهي تدفعنا لأن نتصرف كما لو كنا سعداء وهو ما يؤدي في واقع الأمر إلى تحريرنا الشعور بالتعاسة.
إن من المسلم به أننا لا نستطيع أو نتوقع من أنفسنا أن تصبح أكثر تفاؤلية، وأكثر ثقة من الوجهة الاجتماعية في ليلة وضحاها، لكن بدلا من أن نسلم أنفسنا برخاوة لطباعنا وعواطفنا الراهنة، فإن بإمكاننا أن نتجاوز أنفسنا خطوة بخطوة. وبدلا من الانتظار حتى نشعر بأننا نرغب في إجراء تلك المكالمات مثلا، أو الوصول إلى ذلك الشخص، يمكننا أن نبدأ على الفور بذلك، وإذا كنا بالغي أو التواضع أو عدم الاكتراث فإن بإمكاننا أن نتظاهر واثقين من أن التظاهر سيتلاشى ما أن تبدأ أفعلنا في توليد الشرارة بداخلنا، الشرارة التي ستقودنا إلى السعادة.
ثانيا: ساعدوا الآخرين
يزداد إيمان الأطباء بجدوى مبدأ (حب الآخرين) كوسيلة ناجحة للتوصل إلى صحة أفضل، ومن شأن العمل الطوعي والخدمة الاجتماعية وغير هما من التصرفات الودية كالتبضع لأحد العجزة مثلا أن تعطي نتائج علاجية. يقول فلورنس برت الذي يشرف على متطوعين في مدينة نيويورك: "تجد أنك تلك الحنو والتفهم فتقول لنفسك: أستطيع أن أفعل شيئا فأنا لست نكرة" وإلى ذلك فإن الوحدة والابتعاد عن الناس سبب رئيس للكآبة.
ثالثا: اجعلوا الفرح بندا في جدول أعمالكم
كثير من الأشخاص المصابين بالكآبة يتخلون عن التسليات التي تمنحهم متعة مما يزيد الأمور تعقيدا. ولتغيير نمط حياتكم ضمنوا برنامجكم اليومي نشاطات مبهجة، ركزوا على التفاعل الاجتماعي وخصوصا اللقاءات مع الأصدقاء والمشاريع التي تشعركم بكفاياتكم كأن تبرعوا في مهارة جديدة وأحداث ممتعة.
حاولوا الابتسام أيضا؛ يقول جايمس د. ليرد الطبيب النفساني في جامعة كلارك بولاية مساتشوستس: "أظهرت الدراسات الواسعة أن تصرفنا يقولب عواطفنا".
إن كنتم تشعرون بالقنوط فلا تجروا أرجلكم بل سيروا بنشاط. لا تجلسوا مترهلين بل منتصبين. لا تعبسوا بل ابتسموا. فالمحاولة وحدها قد تنقلكم إلى مزاج جيد. ذلك أن التعابير والأوضاع والحركات التي تنم عن الفرح تشعركم بالسعادة.
رابعا: حارسوا الرياضة بانتظام
يقول أحدهم: "إذا ركضت فإني أشعر بتحسن لمجرد أني أنجز أمرا ما، ومهما يكن بؤسي كبيرا قبل الجري، فإنه يزول بعده وأشعر بالتحسين".
ويعتقد العلماء أن التمارين الرياضية كالمشي والجري والسباحة وركوب الدراجة تعزز الثقة بالنفس، وتزيد الإحساس بالعافية وتقوي العزيمة، وهي إذ تساعد المرء على الاسترخاء، تخفف من التوتر الذي يساهم الكآبة.
خامسا: زيدوا نهاركم إشراقا
"أنجيلا" كاتبة ناجحة حرصت على سكنى الأماكن المشرقة، وذات شتاء اضطرت إلى العمل في منطقة عائمة كالحة على الدوام، فطغى عليها الكسل ولم تستطع إنجاز مشروع كتاب. وكانت تعاني اضطرابا عاطفيا موسميا هو كآبة ناتجة من حساسية تجاه الضوء، وكان يتزامن فيها هبوط المزاج أشهر الشتاء المظلمة.
وقد أظهرت الأبحاث أن التعرض للضوء سواء أكان من الشمس أم من وسائل اصطناعية، يساعد في الشفاء من هذه الكآبة الموسمية التي تصيب قلة من الناس. وكشف بعض الاختصاصيين أن أجهزة ضوئية ساطعة خاصة قد تكون مفيدة لكنها يجب أن تستعمل في إشراف طبي.
ويمكنكم أن تدخلوا مزيدا من الضوء إلى منزلكم بإحلال جو أكثر إشراقا داخله، وباختياركم نشاطا خارجيا تمارسونه خلال النهار، كالمشي أو الجري، تحصلون على ضوء طبيعي خلال فترة معينة يوميا.
ولكن قبل أن تنصرفوا إلى المعالجة الذاتية لما ترتابون في أنه كآبة طفيفة، أخضعوا لفحص طبي للتأكد من أن صحتكم جيدة. ثم ضعوا هدفا تحققونه خلال أسبوعين، وتأكدوا أن قراركم مساعدة أنفسكم هو مفتاح شعوركم بالتحسين.