الاســـم:	1-4_4.jpg
المشاهدات: 11
الحجـــم:	12.2 كيلوبايت



ثقافة الاختلاف
لقد خلقنا الله سبحانه وتعالى مختلفين فى أشياء كثيرة منها الشكل والطباع واللغة والاهتمامات وغيرها من الكثير.

لا شىء سوى أن نتعارف ونتشارك فيما بيننا ويعوض كل منا الآخر عما ينقصه، وذلك فى قوله تعالى: { يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}. (ص: 133)

وبرغم كل هذه الفروق والاختلافات بين البشر، أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن الله لا يفرق بين عباده إلا على أساس التقوى فقط، وذلك فى قوله صلى الله عليه وسلم: " لا فرق بين عربى وأعجمى إلا بالتقوى".

ومن هذا المنطلق، يجب علينا ترسيخ فكرة الاختلاف بداية من الخلق وصولا إلى أقوالنا وأفعالنا, ومن الهام جدًا تدريس رأى الإمام الشافعى رضى الله عنه، عندما قال: رأى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب".

فإذا أخذنا هذا فى الاعتبار لن يثور كل منا من أجل رأيه بل سيكون عليه أن يستمع لرأى الآخرين, وإذا ما أصر على رأيه فعليه أن يقدم الأدلة والبراهين على صدق كلامه, هذا ان لم يقتنع برأى الآخرين لأن لديه ما يثبت خطأ هذا الرأى.

وأهم من إثبات الرأى طريقه إثباته، فيجب أن يكون هذا باللين والرفق فى الكلام, لأن الكلام اللين يغلب الحق البين.

أما فيما يتعلق بالأمور الاجتهادية التى تحتمل أكثر من رأى، فكل إنسان يستطيع أن يأخذ بالرأى الذى يميل إليه قلبه.

وهناك ما يسمى بالقاعدة الذهبية فى فقه الاختلاف لدى علماء المسلمين, حيث يقولون: نجتمع فيما اتفقنا فيه ويرحم بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه: مثال: هل مصافحة الرجال للنساء والعكس تنقض الوضوء؟ الإمام أبو حنيفة قال إنها لا تنقض الوضوء، أما الإمام الشافعى فقال إنها تنقض الوضوء.

المغزى من هذا الاختلاف، أن العلماء فى اختلافهم رحمة، والبعد عن التشدد فى أمور الدين لأن الدين يسر.

وإذا كان حال العلماء الاختلاف, فما بال غير العلماء؟ ما بال كل إنسان منا يتشبث برأيه ويتعصب له، ويفترض الكذب فى الآخرين ويقلل من آرائهم.ولننظر معا إلى بعض من أقوال السلف الصالح، لنتعلم فكرة الاختلاف:-

روى أن هارون الرشيد قال للإمام مالك رضى الله عنهما: (يا أبا عبد الله، نكتب هذه الكتب ونفرقها فى آفاق الإسلام لنحمل عليها الأمة؟).قال: يا أمير المؤمنين، (إن اختلاف العلماء رحمة من الله على هذه الأمة، كل يتبع ما صح عنده، وكل على هدى وكل يريد الله).وقال الإمام مالك أيضًا: (شاورنى هارون الرشيد فى أن يعلق الموطأ فى الكعبة، ويحمل الناس على ما فيه. فقلت: لا تفعل، فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا فى الفروع، وتفرقوا فى البلدان، وكل مصيب، فقال الرشيد: وفقك الله يا أبا عبد الله).

ومن الضرورى، أن نوضح أن الاختلاف هنا هو مجرد اختلاف فى أراء حياتيه وليس عقائد ثابتة. إذن لابد لنا من ترسيخ هذا المفهوم لدى الجميع إلا وهو أن نتفق فى الجوهر ونختلف فى المظهر، وأن نتعلم ثقافة الحوار والاختلاف, ونتعلم فكرة الرأى والرأى الآخر, لأن كل منا له عقله وتفكيره، ولا يحب أحد منا أن يقلل الآخرين من شأنه أو يسفه آرائه.