عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 33
إبدأ من الصفر !!!!
نهره ضابط المرور: هذه ليست مشكلتي… السيارة عليها مخالفات بقيمة 5000 دولار.
أجابه الشاب في حيرة: لكنني اشتريتها منذ بضعة أيام، ولم أستكمل دفع أقساطها بعد، كانت سيارة جدي، ولم أرتكب بها مخالفة واحدة، ربما ارتكب هذه المخالفات قبل أن يموت، إنه….
قاطعه الضابط: لا شأن لي بقصتك… أمامي سيارة ارتكبت مخالفات… فمن المسئول؟؟ من أحاسب الآن؟؟ لا شأن لي بجدك الذي مات… ولن أقاضيه في قبره… أنت الآن تستقل هذه السيارة، وعليك أن تدفع فواتير المخالفات.
عاد الشاب بذاكرته إلى الوراء متذكراً جده، لم يدر هل يدعو له أم عليه، لكنه ثاب إلى رشده وعلم أنه وحده المسئول، حين رفض نصيحة عِز!!
فلكم أخبره صديقه عِز أن يبتعد عن السيارات المستعملة، فالأفضل أن يشتري سيارة جديدة “Zero”، حتى وإن كلفته مبلغاً أكبر، لأنه وحده الذي سيدون تاريخها، ابتداء من تاريخ قطع الغيار إلى تاريخ المخالفات، إلى تاريخ الكيلومترات المقطوعة.
خرج الرجل من عند الضابط مستقلاً سيارته الحمراء الجديدة القديمة، فهي جديدة بالنسبة له، لكنها طاعنة في السن.. فجأة رأى شباباً يهرولون نحوه، يحملون في أيديهم هراوات، أما وجوههم فنسجت خطوط القسوة ملامحها، إذا بهم يهتفون، ها هو صاحب السيارة الحمراء رقم 1950، ها هو قاتل صديقكم!! حاول أن يقنعهم أنه لم يكن هو سائقها، كان من الصعب أن يفهموا أن سائقها ليس سائقها، أما هراواتهم… فقد وجدت جسداً طرياً تطحنه!!
أحياناً يلتحق الشباب ببُنى مؤسسات أو مشاريع قديمة، ثم يفاجَئون في نهاية العام أن عليهم دفع فواتير أشياء لم يفعلوها، أوتصعقهم أعداد الخصوم الذين يتربصون بهم، ليس بالضرورة بسبب طبيعة المشروع؛ بل أحياناً بسبب طبيعة ممارسات من سبقهم.
قد يظنون أن بإمكانهم إقناع خصومهم أنهم مختلفون عمن سبقهم، وأن المخالفات التاريخية ليسوا صناعها، لكن ترى هل سيقنعونهم بإسقاط الفواتير السابقة؟!
ربما يتخوف البعض من البدايات الجديدة محتجاً بالمقولة السائدة “هل نبدأ من الصفر؟”
وأقول لِمَ لا؟؟!! فلنبدأ من صفر الأطروحات، فأطروحات السابقين ربما كانت مناسبة لعصرهم لكنها لا تناسبنا اليوم، ولسنا في حاجة لدخول معركة الاعتذار والتبرؤ منها.
ولنبدأ من صفر الفواتير المطلوب دفعها، فأي منطق يقول بدفع فواتير كهرباء لم نوقدها؟! ومياهاً لم نشربها؟! ولنبدأ من صفر العلاقات، فليس بالضرورة أن حلفاء آبائنا هم حلفاؤنا، أو خصومهم هم خصومنا، فكل مشروع له خصوم، ومشاريعنا ستولد خصومها، ولسنا في حاجة إلى نصنع بأيدينا تحالفاً يضم خصوم الآباء وخصومنا، فلنؤسس علاقاتنا على أسس جديدة.
والبداية من الصفر لا تعني بالضرورة هجر كل أطروحات وعلاقات السابقين، لكنها تعني حرية الاختيار، اختيار الأفكار والحلفاء والخصوم، في ضوء فهم جديد للواقع ومتطلباته.
ولا ينبغي أن نعيش أسرى وهم “البدء من الصفر“، فهذا محال عملياً، لأننا سنبدأ من الخبرة التاريخية لأطروحات وممارسات السابقين، مستفيدين من نجاحاتهم وإخفاقاتهم، إننا سنبدأ من الصفر من حيث تأسيس بنائنا من جديد، الذي ربما يختلف شكلاً ونوعاً عما أسسه السابقون، لكننا في نفس الوقت نبدأ من القمة التي وصلت إليها مشاريع من سبقونا، أي إننا نبدأ من “صفر القمة“. من آخر نقطة في قمة التجربة البشرية، وأول خطوة في تحركنا نحن.
فالاستمرار في مشروع تراكمت فواتيره وعداواته- رغم وجود فوائد له- لا يعني التغلب على خرافة “البداية من الصفر“، ففي الوقت الذي تعتب فيه على مشاريع جديدة تنطلق من الصفر، ستجد نفسك في مشروع ضخم أنهى رحلته وفي طريقه إلى الصفر. أليس هذا المشروع الذي تخشى هجره قد بدأ أيضاً من الصفر يوماً ما، وكانت هذه الجدة هي سر حيويته وجذب الناس إليه؟!
إن البداية من “صفر القمة” تعني البداية بدون تاريخ مؤلم، مستحضراً في وعيك تاريخ من سبقك، دون أن يكون في ملف سيارتك مخالفات إشارات لم تكسرها، أو زيادة في سرعة لم تخترقها، أو مداعبة أحد المشاة لتطرحه قتيلاً بمقدمة سيارة لم تركبها، فلست مضطراً لتحمل تبعات ممارسات غيرك، لأنك ستخلق علاقاتك الجديدة مع العالم المحيط بك، وستكون مسئولاً فقط عن طريقة قيادتك، عن فكرك وطرحك وممارستك.
والبداية من “صفر القمة” تعني تسطير تجربة جديدة قد تزيد درجة قوة المجتمع، وتسجيل قصة نجاح تضاف إلى ذاكرته التاريخية، ومحاولة أخرى لاكتشاف أداة جديدة لتطويره، فالمجتمع في ظل أدواته السائدة معروف مصيره، فماذا لو أضيفت له تلك الأداة الجديدة التي ربما ترتقي به؟!
أحياناً يكون البدء من القديم ممكناً، لكن عندما يصيب العطل محرك السيارة إضافة إلى فواتير المخالفات والأقساط المرعبة؛ حينها تصبح السيارة الجديدة “Zero” أكثر فاعلية.*
إن المجتمعات الحية تحسن توليد المشاريع، وتحتفي بكل مولود جديد يبدأ حبوه من الصفر، مقدمة خبرتها في المشي بصدر رحب، فخورة بهذه الوفرة في رصيد تجاربها، فأصحاب المشاريع يدركون مدى استفادتهم من الجهد الذي يبذله غيرهم، شاكرين لهم توفير عبء المعاناة في البحث عن طرق جديدة لا يلبث كل المجتمع أن يستعملها. أما النابهون فيبنون على هذه الطرق الجديدة أفكاراً أخرى يهدونها للمجتمع، معلنين أن مشاريعهم ليست إلا أدوات خادمة له.
وهناك مجتمعات ابتليت بأناس يتحدون مستقبلهم، يجيدون عرقلة أنفسهم بنصب الفخاخ للمشاريع المجاورة، فهم أشبه بأولاد يلعبون الكرة في الشارع، فإذا ما أوشك الهدف أن يصيب مرماهم ركلوا الأحجار التي تحدد المرمى، وإذا سمعوا عن ولادة مشروع جديد دارت أعينهم من الخوف، ثم وجهوا نداءاتهم إلى فروعهم في كل مكان… ”شَنْكِلُووه“!!
المفضلات