فكر معي ملياً : إنك تعيش الحاضر ، ولا تستطيع أن تعمل أو تغير إلا في الحاضر .. أما الماضي فقد ذهب ولن يعود أي إنك لن تستطيع أن تغير فيه .. أما المستقبل فهو غيب لم يأت بعد
هل هذا كل شيء ؟ بالطبع لا .
إننا لا بد أن نعمل جادين لنستمتع بحاضرنا ولنبني مستقبلنا .. ولكي نصل لذلك لا بد أن نتعامل مع ماضٍ أتى وذهب ، وحاضر لا زلنا نعيشه ، ومستقبل يشغل تفكيرنا ويقلقنا .
والآن إلى التفصيل .

1. الماضي السحيق
هل تذكر ذلك اليوم الذي حضرت فيه للمدرسة وقد نسيت أن مدرس مادة ... طالبكم بواجب ، وعندما حان موعد تلك المادة بدأت تتلفت يمينا ويساراً وتسأل زملاءك بحركات عينيك ووجهك عن الواجب الذي لست تتذكره .. تخيل موقفك حينها .. كيف هو الإحراج البادي على وجهك هل تذكر تلك الكلمات القاسية التي وجهها المدرس نحوك ، هل تذكر عبارات السخرية التي أطلقها زملاؤك أثناء خروجك من المدرسة .
تذكر الآن ذلك اليوم الذي وقفت فيه أمام جميع زملائك ومعلميك وهم ينظرون إليك بإعجاب ويصفقون لك وأنت تستلم جائزة الطالب المثالي في المدرسة ، هل تذكر كيف ألقى مدير المدرسة تلك الكلمات التي أثنى فيها عليك وألقى بعبارات الثناء والمديح والإعجاب بأخلاقك وانتظامك واجتهادك .
إن كلا الموقفين من الماضي ، لكن ماذا يعني لك الموقف الأول وماذا يمثل لك الموقف الثاني .
باختصار أحب أن أذكرك بأن الأحداث التي نتذكرها من الماضي وتؤثر على حاضرنا ( وربما تساهم في صنع مستقبلنا ) هي إما أحداث أخفقنا فيها ـ موقف نسيان الواجب كمثال ـ أو أحداث نجحنا وتفوقنا فيها ـ موقف التكريم كنموذج ـ .
وفي كلتا الحالتين ليس من الطبيعي ـ فضلا عن أن يكون ذلك هو الصحيح ـ أن نعيش في ظل إخفاقاتنا الماضية أو أمجادنا الماضية .
إن ما لا بد أن نتفق عليه هو أن البكاء والنواح على إخفاقات ماضية حمق وبَلَه .. و الإعجاب والتصفيق والغرور بنجاحات سابقة حمق وبَلَه كذلك .
إن الماضي قد أتى وعشناه بكل تفاصيله ثم ذهب وولى ولم يعد موجوداً الآن ..
إنه ليس بأيدينا أن نغير الماضي .. ولكن الذي نستطيع عمله هو :
أن نستفيد من هذا الماضي
إن باستطاعتنا أن نتعلم من الماضي
نتعلم من إخفاقاتنا الماضية فندرس أسبابها لنجتنبها
ونتعلم من نجاحاتنا الماضية لنكررها ونعززها ونطورها
في حياتك المالية : تذكر كم مرة وقعت في ورطة مالية ، وكم مرة اضطررت للاستدانة من أحد المقربين منك ، هل وقعت ضحية لتلاعب أحدهم ، أو ضحك عليك أحد المحتالين ، إذاً إياك أن تُداس من نفس القدم مرتين ، احذر أن تقع في نفس الحفرة ، والمؤمن الفطن ( لا يلدغ من جحر مرتين ) والمؤمن ( ليس بالخب ولا الخب يخدعه )
وفي حياتك العائلية : كم مرة تعرضت حياتك العائلية لهزة كادت أن تُوْدي بها ، كم تذكر تلك المرة التي تشاجرت فيها مع زوجتك وعلت أصواتكما ثم لما جلست مع نفسك تبين لك أنك كنت المخطئ ، أو أنك تعجلت في كلامك أو في شكك أو ... الخ
استفد من أخطاء الماضي في عملك فلا تكررها .. تذكر لماذا في ذلك العام لم تحصل على تقدير عالٍ في أدائك الوظيفي ، ولماذا ساءت العلاقة بينك وبين زميلك في المكتب بسبب ... .
أرجوك كلما أحسست أنك تمر بتجربة قد مرت عليك من قبل تذكر : هل نجحت فيها من قبل أم لا ؛ فإن كنت أخفقت فعالج أسباب الإخفاق ، وإن كنت قد اجتزتها بنجاح فعزز نجاحك بدراسة أسباب النجاح الماضية .
تذكر دائما :
إن عمل الأشياء بنفس الطريقة سيؤدي إلى نفس النتائج
ولكن عندما نتصرف بطريقة مختلفة فسنحصل على نتائج مختلفة

إذاً القاعدة الأولى في طريق النجاح في حاضرك ومستقبلك هي : أن تتعلم من ماضيك ..

حينما تواجه مشكلة أو أي حدث قد مر عليك من قبل ما يشبهه اسأل نفسك هذه الأسئلة الثلاثة :
1. ماذا حدث في الماضي ؟ هل نجحت أم أخفقت ؟
2. ماذا تعلمت من هذا الحدث ؟
3. كيف سأتصرف الآن ؟ عزز نجاحك وتجنب إخفاقك .

ولكن انتبه فلا تقسُ على نفسك في العتاب واللوم والمحاسبة على ما فات .. وتذكر أنك حينها قد قمت بأفضل ما يمكنك فعله في حدود علمك وتجربتك في الحياة
وأنت اليوم تتصرف بأفضل ما يمكن أن تفعل في حدود علمك وتجربتك
الخلاصة إذاً
أن نتعلم من الماضي .. لنعيش حاضراً ممتعاً
فكلما تعلمت أكثر من الماضي قلت مرات الندم والأسف وزاد ما لديك من وقت لتعيشه في الحاضر

2. الحاضر ( اللحظة الممتعة )

إن القاعدة الذهبية لنستمتع بيومنا ولحظتنا هي : أن نعيشها بكل تفاصيلها .. عش يومك واستمتع بحياتك الحاضرة
ركز على حاضرك وعلى ما تواجهه الآن من أعمال ومهام ، هذا هو المهم الآن .
إن أمس قد انتهى بما فيه فلا تشغل نفسك بما عانيته فيه .. وإذا رزقك الله اليوم ماء باردا فما يضرك الماء الآسن الذي شربته بالأمس .. وإذا أكلت اليوم أكلاً شهياً فماذا سيضرك الخبز الجاف الذي عانيت من مضغه أمس ؟! .
أن تعيش حاضرك معناه : أن تكون عالي التركيز في حاضرك ، ان تتخلص مما يشتتك ، في اللحظة التي تعيشها عمل مهم فأفرغ له ذهنك وتفكيرك .. عندما تدخل إلى بيتك وتجلس مع زوجتك وأولادك لا تشغل فكرك بمتاعب عملك بل عش هذه اللحظة السعيدة معهم .. وعندما تضع قدمك على درج مقر عملك ركز على أداء واجباتك .. قبل ذلك كله إذا وقفت بين يدي ربك ورفعت يدك لتقول : الله أكبر ادخل في صلاتك عش آيات ربك واستمتع بصلاتك ... الخ .
تذكر دائماً أن :
( إن إشغال الذهن والتفكير بأمور شتى في وقت واحد مضيع للجهد )
قي صباح كل يوم جديد : اشكر ربك أن وهبك الحياة لتعيش هذا اليوم انظر في نفسك وفيما حولك ستجد نعما كثيرة سخرت لك ، وفي الحديث الشريف ( من أصبح آمنا في سربه ، معافى في بدنه ، معه قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ) ( إن الأمان والعافية وكفاية يوم واحد قوى تتيح للعقل النيِّر أن يفكر في هدوء واستقامة تفكيرا قد يغير به مجرى التاريخ كله بَلْهَ حياة فرد واحد ) جدد حياتك لمحمد الغزالي ص23
يروى أن رجلاً سأل عبدالله بن عمرو بن العاص : ألستُ من فقراء المهاجرين ؟ فقال له عبد الله : ألك امرأ تأوي إليها ؟ قال : نعم ، قال : ألك مسكن تسكنه ؟ قال الرجل : نعم ، قال عبد الله : فأنت من الأغنياء ، قال الرجل : فإن لي خادماً ، قال عبد الله : فأنت من الملوك .
ابدأ يومك وكأنه عالم مستقل بما يحويه من زمان ومكان .. وانظر إلى النعم التي بين يديك اليوم وقل دائما وفي كل صباح : ( اللهم إني أصبحت منك بنعمة وعافية وستر .. فأتم عليّ نعمتك وعافيتك وسترك )
( إن الحياة طويلة وجميلة فلماذا نضيعها في التحسر على ما فات أو الخوف من المستقبل المجهول )

3. المستقبل المنتظر
القاعدة للتعامل مع المستقبل تقول لك : اصنع مستقبل .. لا تقف مكتوف الأيدي تحركك الرياح والظروف .. بل اصنع أنت المستقبل الذي تريده وتحلم به .. وكيف يكون ذلك ؟
يكون ذلك بأن تحدد أولاً ما تريد أن يحدث لك في مستقبلك .. حدد ماذا تريد أن تكون لك ، اصنع لك رؤية في المستقبل .. تخيل نفسك بعد خمس سنوات ، بعد عشر سنوات كيف تريد نفسك أن تكون .. إن تصور مستقبلك الذي تريد أن تكونه هو الخطوة الأولى لصنعه .
الآن وقد حددت رؤيتك للمستقبل اسأل نفسك : كيف أستطيع أن أصل لهذه الرؤية ؟ ما هي الخطوات التي لو قمت بها فسأصل لهذا المأمول ؟ إن بينك وبين تحقيق المستقبل الذي تحلم به فجوة قد تكون كبيرة أو صغيرة ، وأنت من تحدد مساحة هذه الفجوة ، ولكي تتخطاها ابدأ من الآن واتخذ الخطوة الأولى .. اتخذ أول خطوة ولو كانت صغيرة .
إذاً : تخيل المستقبل ثم ضع خطة واقعية ثم قم بما يساعدك لتحقيقها .
لصنع مستقبل مشرق اسأل نفسك هذه الأسئلة :
• ماذا يمكن أن يكون عليه شكل مستقبلي ـ أو كيف أريد أن يكون مستقبلي ؟.
• ما هي الخطط التي تجعل هذا المستقبل يتحقق إن شاء الله تعالى .
• ما الذي سأفعله اليوم ( تحديداً ) لأجعله يتحقق ؟ ما هي الخطوة الأولى اليوم .
لا تنتظر غدا ، فربما لن يأتي أبدا .
نقاط مهمة :
• ارسم صورة واقعية لمستقبلك في ذهنك واكتب تفاصيل هذه الصورة على الورق .
• كلما تقدمت بك الحياة وازددت علما ومعرفة عدّل ونقّح هذه الصورة .
• اصنع كل يوم شيئاً ولو ظننت أنه شيء صغير لتساعد على جعل امستقبل الباهر يتحقق .
• في صباح كل يوم خطط ليومك .. وكن مرناً لتتعامل مع المفاجاءات .
• حدد موعداً نهائياً لكل عمل تقوم به ، وخطط كيف ستنجزه من خلال جدول .
• سجل المناسبات الشخصية المهمة ولقاءاتك بأصدقائك .
• تذكر دائما : أن ما هو مهم الآن قد يتغير دائماً
• دائماً وأبداً استعن بالله وحده وتوكل عليه .. واسأله أن يمدك بعونه وتوفيقه .
تمنياتي لك بوقت ممتع .. حاضر مليء بالعمل والانتاج ، ومستقبل مشرق مفرح .