بسم الله الرحمنالرحيم
((وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69))) النحل
الحمد لله الذي لا تزال نعمه ولطائفه تتوالى على العالمين
قال رسول الله e((مثل المؤمن مثل النحلة، إن أكلت أكلت طيباً ، وإن وضعت وضعت طيباً ، وإن وقعت على عود نخر لم تكسره)). رواه البيهقي رجاله رجال الصحيح
وقال r))والذي نفس محمد بيده إن مثل المؤمن لكمثل النحلة ،أكلت طيباً ، ووضعت طيباً ، ووقعت فلم تكسر ولم تفس)) – رواه الإمام أحمد وصححه الألباني
وفي شعب البيهقي عن مجاهد قال صاحبت عمر بن الخطاب من مكة إلى المدينة فما سمعته يحدث عن رسول الله إلا هذا الحديث )) إن مثل المؤمن كمثل النحلة ، إن صاحبته نفعك ، وإن شاورته نفعك وإن جالسته نفعك ، وكل شأنه منافع ، وكذالك النحلة كل شأنها منافع ))– البيهقي في الشعب
وعن رسول الله B)) مثل المؤمن مثل النحلة ، لاتأكل إلا طيباً ، ولاتضع إلا طيبا))ً – صحيح

لماذا شبه الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمن الحق بالنحلة ؟
وأثناء رحلة البحث عن الإجابة عن هذا السؤال جاءت اللقطات التالية :
· اللقطة الأولى ( يظهر فيها حسن تعامل النحل مع أوامر ربه )
قال تعالى : " وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون * ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا "
امتثالا لهذه الآية لا نجد النحل في غير الأمكنة الثلاثة التي حددها الخالق لمخلوقه . حيث تسكن أولا في الجبال ثم الشجر ثم البيوت وأن أجود أنواع العسل هو الجبلي ثم بقية الأنواع على الترتيب نفسه . حقا إنها صورة تعكس أرقى درجات السمع والطاعة للخالق من مخلوق .
فكيف هو تعاملنا نحن نبني البشر مع أوامر ربنا عز وجل....؟
· اللقطة الثانية ( ويظهر فيها كيف أن النحل يعمل بحركة ونشاط )
فمن أجل أن تقوم النحلة بإطعامنا كيلو جرام واحد من العسل فإنها تقول بـ 600 ألف إلى 800 ألف طلعة وتقف على مليون زهرة وتقطع مايزيد عن 10 أضعاف محيط الكرة الأرضية رغم الرياح والأنواء وكأن الرسول صلى الله عليه لما شبه المؤمن الحق بالنحلة أراده أن يتخلق هذا الخلق و أراده أن يتحلى بثقافة النحل في السمو وعلو الهمة والتعامل مع الأمور بجدية ..


· اللقطة الثالثة ( ويظهر فيها كيف أن النحل يجيد توظيف الطاقات )
فمن النحل من يعمل العسل , وبعضها يعمل الشمع , وبعضها يسقي الماء , وبعضها يبني البيوت وبعضها يقوم بأعمال التكييف والتبريد والتهوية , وبعضها يقوم بالاستكشاف والاستطلاع وبعضها يقوم بالتلقيح , فلقد علمنا النحل من خلال هذه اللقطة أنه من لا يجيد توظيف الطاقات يغرق في العثرات .
· اللقطة الرابعة ( ويظهر فيها أحد طبائع النحل العجيبة )
فالنحل يرفض رفضا باتا أن يوجد في مملكته عاطل عن العمل لأن العاطل يضيق المكان ويفني العسل ويعلم النشيط الكسل .
وهذه مهارة إدارية راقية ما أحوجنا أن نتمثلها واقعا فلو علم كل عامل في مؤسسته أن مصيره الإقصاء ما لم يؤدي ما هو مطلوب منه لعاد ذلك بمردود إيجابي على الأمة .
· اللقطة الخامسة ( يظهر فيها كيف أن النحل يفضل العمل في هدوء وبعيدا عن أعين الناس )
يروى أن أرسطو صنع بيتا من زجاج لينظر إلى ما يصنع النحل فأبت أن تعمل حتى لطخته بالطين من الداخل حتى تنأى بنفسها عن الظهور وكأنها وعت خطورة آفة الرياء والنفاق وحب الظهور وحب الرياسة وكلها آفات مهلكات .
لطخت بيتها بالطين من الداخل بحثا عن الإخلاص ( الإخلاص ألا تطلب على عملك شاهدا غير الله )


· اللقطة السادسة ( ويظهر فيها مجموعة الآفات التي تعوق النحل عن العمل )
هذه الآفات هي :
- الظلام .....فإياكم من ظلام الغفلة..
- الغيوم ....فحذار من غيوم الشك
- الرياح ....فانتبهوا من رياح الغيبة والنميمة والظن
- الدخان ...فابتعدوا عن دخان الحرام
- الماء ....فلاتقتربوا من مستنقع الرزيلة
- النار....فاتقوا نار الهوى


· اللقطة السابعة ( ويظهر فيها مجتمع النحل وهو يعيش وينتج ويعمل في جماعات )
العيش جماعي رائع وتكافل عجيب فإذا ما انعزلت إحداها عن جماعتها لسبب من الأسباب فإنها تسارع إلى أن ينضم إلى جماعة أخرى من طبيعتها إذا قبلتها فنفعت وإن لم تقبلها فإنها تموت نعم تموت , تموت ببعدها عن الجماعة .
فكأنها تدرك أن ( الجماعة رحمة والفرقة عذاب )
وكأنها تعلم ( أن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار )
وكأنها وعت قول سيدنا علي رضي الله عنه ( كدر الجماعة خير من صفو الفرد )


· اللقطة الثامنة ( ويظهر فيه حسن استخدام النحل إلى الوقت )
فالنحل لديه قدرة فائقة على الاستخدام المزدوج للوقت فهو لا يضيع وقته أبدا فيما لا فائدة منه بل يستغل كل ثانية فيما هو نافع فمثلا في طريقها الذي قد يصل إلى عشرات الكيلو مترات من مكان رحيق الأزهار إلى خلاياها تجري النحلة عدة عمليات كيميائية بالغة التعقيد لتحويل الرحيق إلى عسل ويتم هذا في الطريق ولا تنتظر حتى تعود .
وهذا ما يجب أن يتحلى به المؤمن الحق فالوقت سلاح ارتقى من أتقن حسن استغلاله وتعس من عطله .
· وفي النهاية ........
هذا عرض سريع لعدد من اللقطات السريعة
ولعل الرسول صلى الله عليه وسلم لما شبه المؤمن الحق بالنحلة كان يدعونا أن نتمثل هذه الصفات واقعا في حياتنا :
- فمن خصائص ملكة النحل أنها لا تلدغ أحدا في مملكتها
- أنها تتصف بالعدل والإنصاف بين أعضاء مملكتها
- ملكة النحل لا تسمح لمتطفل ولا لعدو أن ينتهك حرمة بيتها
- ملكة النحل ترعى صغارها وتهتم بهم اهتماما لا حدود له
- إن اتخاذ القرار في عالم النحل عملية تحكمها أرقى درجات الشورى والتشاور
- النحل دائما ما يتنزه عن النجاسات والأقذار
- النحل لا يأكل إلا طيبا
- النحل لا يأكل من كسب غيره
- النحل لا يأكل إلا قدر شبعه
- إذا قل غذاء النحل ( العسل ) قذفه بالماء ليكثر خوفا على نفسه من نفاذه
- النحل لا يشرب من الماء إلا ما كان صافيا عذبا ويجد في طلبه مهما بعد
- النحل أصغر المخلوقات حجما وأضعفها بنية إلا أنها الأكثر عطاء وتأثيرا
- بيت النحل تنطبق عليه أرقى المواصفات الهندسية في العمران والبنيان
- النحل يسير في سبيل جمع الرحيق بسرعة 60 كم /ساعة وهو ما يعادل عشرة أمثال سرعة الإنسان
- يعرف عن النحل قلة أذاه
- يعرف عن النحل النظافة الكاملة والتامة
- النحل يوفر الجهد والوقت على بعضه البعض فإذا ما وقعت على نحلة على زهرة وامتصت رحيقها فإنها تترك علامة أن هذه الزهرة مص رحيقها من قبل حتى توفر الجهد والعناء على بني جنسها
إن حشرة بهذه الصفات وهذا القدرات وهذا السمو وهذا الرقي لجديرة بأن يشبه بها المؤمن الحق كما يريده الله ورسوله ولما قال صلى الله عليه وسلم كل الذباب في النار إلا النحل ) جاء هذا الكلام وكأنه يحمل في طياته بشارة للمسلم الذي تعرف على طبائع هذه الحشرة وتعلم منها وسلك مسلكها أن يحرم جسده على النار فكما استثنى رسول الله النحل من بين الذباب من دخول النار فلعل الله أن يستثني المسلم العامل بهذه الأخلاق السامية وهذه الطبائع وهذه المهارات من بين بقية البشر ويحرم جسده على النار .