إن الحياة الدنيا في دين الإسلام ما هي إلا كما قال الله عنها: { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِعَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَاالْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّمَتَاعُ الْغُرُورِ(٢٠) } الحديد: ٢٠ قال الشيخ أبو بكر الجزائري في كتابه أيسر التفاسير عن هذه الآية: { أَنَّمَاالْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ } هذه حقيقتها وهي أمور خيالية قليلة النفع سريعة الزوال. فلا تغتروا بها ولا تقبلوا بكلكم عليها أنصح لكم بذلك. فاللهو كاللعب لا يُخلِفان منفعة تعود على اللاهي اللاعب، والزينة سرعان ما تتحول وتتغير وتزول والتفاخر بين المتفاخرين مجرد كلام ما وراءه طائل أبداً والتكاثر لا ينتهي إلى حد ولا يجمع إلا بالشقاء والنصب والتعب ثم يذهب أو يُذهب عنه فلا بقاء له ولا دوام وله تبعات لا ينجو منها صاحبها إلا برحمة من الله وإليكم مثل الحياة الدنيا إنها { كَمَثَلِ غَيْثٍ } أي مطر { أَعْجَبَ الْكُفَّارَ } أي الفلاحين الذين كفروا بذرة بالتربة ( نَبَاتُهُ ) الذي نبت به أي المطر { ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ } بعد أيام { مُصْفَرًّا ثم يهيج } : أي ييبس { ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا } يتفتت. هذه هي الدنيا من بدايتها إلى نهايتها المؤلمة أما الآخرة ففيها عذاب شديد لأهل الشرك والمعاصي، ومغفرة من الله ورضوان لأهل التوحيد وصالح الأعمال. وما الحياة الدنيا -وقد عرَضنا عليكم مثالها- إلا متاع الغرور؛ أي إنها لا حقيقة لها وكل ما فيها من المتع التي يتمتع بها غرور باطل".



إن الحياة الدنيا في دين الإسلام تعتبر مدة اختبارات وامتحانات تبدأ من حين يكون الإنسان مكلفًا أي: قادرًا على الاختيار الحر يملئ إرادته هو، وتنتهي بمماته أو بغياب قدرته على الاختيار، وهذه الاختبارات والامتحانات التي يمتحن بها الإنسان في الحياة الدنيا، تدور حول الاختيار بين خيارين الأول ما يحبه الله والثاني ما تميل له نفسك وتهواه، فأنت في كل حياتك بين أن تختار الله والدار الآخرة أو أن تختار الدنيا وما تحب نفسك، والفوز الكبير في الدنيا أن يوفق الله الإنسان في هذه الاختبارات، فيتحقق له الفلاح بالفوز بالجنة والنجاة من النار.



إن الدنيا في الهدي الإسلامي، دار عمل وهي أشبه ما تكون بالمزرعة، فما يزرع الإنسان فيها من أعمال يحصده في الآخرة قال الله تعالى: { يَاأَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ(٦) } الانشقاق: ٦ وذكر الشيخ الجزائري أن معنى { إِنَّكَ كَادِحٌ } : أي عامل كاسب للخير أو الشر.{ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا }: أي إلى أن تلقى ربك وأنت تعمل وتكسب فليكن عملك مما يرضي عنك ربك (( فَمُلاقِيهِ )) : أي ملاق ربك بعد موتك وبعملك خيره وشره.



إن الدنيا ليست دار جزاء بحيث يعرف فيها المرء النتيجة النهائية لما خاضه من اختبارات وامتحانات فيها، ولا هي دار جزاء بحيث يحصل فيها على كامل أجره عما قام به من أعمال، بل هي مجرد ممر لدار الجزاء الحقيقية ألا وهي الدار الآخرة، فقد قال الله تعالى : { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّمَتَاعُ الْغُرُورِ(١٨٥ ) } آل عمران: ١٨٥