خامساً:من الثالثة حتى السادسة:


( يكون استقبال الطفل للمعلومات،واستفادته منها، واقتداءه بأهله-في هذه المرحلة- في أحسن حالاته)( 17) ،كما يكون شغوفاً بالاستماع للقصص ،لذا يجب الاستفادة من هذا في تأليف ورواية القصص التي توجهه للتصرف بالسلوك القويم الذي نتمناه له ، وتكون هذه الطريقة أكثر تأثيراً،إذا كانت معظم القصص تدور حول شخصية واحدة تحمل اسماً معيناً،لبطل أو بطلة القصة<يفضل أن يكون ولداً إذا كان الطفل ولداً،والعكس صحيح> ،بحيث تدور أحداثها المختلفة في أجواء مختلفة، وتهدف كل منها إلى تعريفه بالله تعالى على أنه الرحيم الرحمن الودود الحنَّان المنَّان الكريم العَفُوّ الرءوف الغفور الشكور التواب،مالك الملك...كما تهدف القصة إلى إكسابه أخلاقيات مختلفة إذا قامت الأم برواية كل قصة على حده في يوم منفصل- لتعطيه الفرصة في التفكير فيها،أما إذا طلب قصة أخرى في نفس اليوم فيمكن أن نحكي له عن الحيوانات الأليفة التي يفضلها مثلاً- فيصبح الطفل متعلقا بشخصية البطل أو البطلة وينتظر آخر أخبار مغامراته كل يوم، فتنغرس في نفسه الصغيرة الخبرات المكتسبة من تلك القصص.
وإذا كانت الأم لا تستطيع تأليف القصص فيمكنها الاستعانة بالقصص المنشورة ،منها على سبيل المثال لا الحصر سلسلة" أطفالنا"،وقصص شركة " سفير" للأطفال،وقصص الأديب التربوي"عبد التواب يوسف"،وسلسلة "أخلاقيات من حكايات"التي تنشرها "المصرية للنشر والتوزيع" بالقاهرة(ت5720027 )- وهي سلسلة مفيدة يشرف عليها المركز الفني للطفولة وتحكي قصصاً تغرس القيم ا لدينية في قلوب الأطفال بلطف - هناك أيضاً قصص الأنبياء المصورة للأطفال المتاحة لدى "دار المعارف" بالقاهرة...وغير ذلك مما يتيسر.
وفيما يلي قصة سمعتها كاتبة هذه السطور من معلمة ابنتها التي كانت تحفِّظها القرآن، وهي تفيد حب الله والثقة به تعالى، وحسن التصرف، وأخذ الأسباب ،ثم التوكل عليه .
كانت" ندى" تجلس بجوار والدتها التي كانت تقوم بتغيير ملابس أختــها الرضيعة" بسـمة" ، بينما اكتشـفت الوالدة أن" بسـمة" حـرارتها آخذة في الارتفاع،فحاولت إسعافـها بالمواد الطبيعية المتاحة بالمنزل،مثل كمادات الماء البارد وغيرها،دون جدوى؛ولما كان الوالد مسافراً،فقد طلبت الوالدة من" ندى" أن تظل بجوار أختها حتى تذهب إلى الصيدلية القريبة من منزلهم لتشتري لها دواء يسعفها،فقالت" ندى": "سمعاً وطاعة يا أمي"
وبينما كانت" ندى" تغني لأختها بعد خروج الأم انقطع التيار الكهربي وساد الظلام الغرفة،فشعرت "ندى" بالخوف الشديد، ولم تدر ماذا تفعل...ولكنها تذكرت قول والدتها لها:"أن الله تعالى يظل معنا أينما كنا وفي كل الأوقات من الليل والنهار، وهو يرانا ويرعانا ويحمينا أكثر من الوالدين لأنه أقوى من كل المخلوقات، ولأنه يحب عباده المؤمنين؛ فظلت تربُت على" بسمة" التي بدأت في البكاء،ثم جرت إلى الشباك ففتحته ليدخل بعض الضوء إلى الغرفة،فإذا بالقمر يسطع في السماء ويطل بنوره الفضي ، فيرسل أشعته على الغرفة فيضيئها،ففرحت "ندى" وقالت لبسمة :"أنظري هذا هو القمر أرسله الله تعالى ليؤنسنا في وحدتنا ويضيء لنا الغرفة حتى تعود أمنا ويعود التيار الكهربي،أنظري كم هو جميل ضوء القمر لأن الله هو الذي صنعه،فهو خافت لا يؤذي العين،كما أنه يشيع في النفس الاطمئنان،هل تحبي الله كما أحبه يا بسمة؟" وظلت تحدِّث أختها وتغني لها حتى عادت الأم،فأعطت الدواء لبسمة،ثم اثنت على" ندى" التي أحسنت التصرف ،ثم وعدتها بأن تذهب معها إلى المكتبة لتشتري لها أحد كتب الأطفال عن القمر لتعرف عنه معلومات أكثر،كما قامت بتلاوة سورة" القمر" عليها مكافأة لها على ما فعلت.
وينبغي حين نتحدث عن الله معهم في هذا العمر أن نكون صادقين ،(ونبتعد عن المبالغات،فالله موجود في ا لسماء ونحن نرفع أيدينا عندما ندعوه،وهو يستحي أن نمدها إليه ويردها فارغة،لأنه حييٌ كريم،وهوأكبر من كل شيء،وأقوى من كل شيء وهو يرانا في كل مكان ويسمعنا ولو كنا وحدنا،وهو يحبنا كثيراً،وعلينا أن نحبه لأنه خلقنا وخلق لنا كل ما نحتاجه،فهو يامر جنوده فينفذون أوامره،فيقول للسحاب أمطر على عبادي كي يشربوا ويسقوا زرعهم وماشيتهم،فينزل المطر، وهو الذي يُدخل المسلمين الذين يحبونه الجنة-وهي مكان فيه كل ما يحبه ويشتهيه الإنسان مثل اللعب والحلوى والمتنزهات وحمامات السباحة...إلى آخر ما يحبه الطفل-.. هذه الجنةلا يدخلها ويتمتع بنعيمها إلا المسلم الذي يحب الله تعالى و يصلي ويصوم ويتصدق ويصدُق مع الناس، ويطيع والديه،ويحترم الكبار،ويجتهد في دراسته،ولا يؤذي إخوته أو أصحابه، والله تعالى يحب الأطفال،وسوف يعطيهم ما يريدون إذا ابتعدوا عن كل ما لا يرضيه... وينبغي عدم الخوض في تفاصيل الذات الإلهية مع الطفل خشية من أي زلل قد نُحاسَب عليه "( 18)
سادساً:مرحلة ما بين السابعة والعاشرة:
وهي مرحلة (غاية في الأهمية،لذا لا يصح التهاون بها على الإطلاق،ففيها تبدأ مَلكاته العقلية والفكرية في التفتح بشكل جيد ، لذا فإنه يحتاج في هذه المرحلة إلى أن نصاحبه ونعامله كصديق،ومن خلال ذلك نغرس في نفسه فكرة العبودية لله تعالى بشكل عميق،فإذا أحضرنا له هدية مثلا وقال:"شكراً"،ذكرنا له أن الله تعالى أيضاً يستحق الشكر فهو المنعم الأول،فنقول له:"ما رأيك بعينيك،هل هما غاليتين عليك؟!،وهل يمكن أن تستبدلهما بكنوز الأرض؟!"،وكذلك الأذنين واللسان وبقية الجوارح...حتى يتعمق في نفسه الإحساس بقيمة هذه الجوارح ،ثم نطرح عليه السؤال "مَن الذي تكرَّم علينا وأعطانا هذه الجوارح؟ وكيف تكون حياتنا إذا لم يعطها لنا؟!" لذا فإن هذه الجوارح هي أغلى الهدايا التي منحنا الله عز وجل إياها-بعد الإيمان به-ومن الواجب أن نشكره هو وليس غيره على عطاياه )( 19)
ومن الضروري بناء قاعدة تعليمية اختيارية لدى الطفل من خلال تشجيعه على القراءة،ومكافأته بقصة أو موسوعة مبسطة أو كتاب نافع أومجلة جذابة مفيدة بدلاً من الحلوى ،ولكن قبل أن نشتري له ما يقرؤه يجب أن نتصفحه جيدا، فنبتعد مثلاً عن مجلة "ميكي" و"سوبرمان" و"الوطواط"،وأمثالها من المجلات التي تحكي قصصاً تحدث في بيئة غربية وتنقل عاداتهم وتقاليدهم الغريبة علينا... مما يؤثر بالسلب في أطفالنا،ونستبدلها مثلاً بمجلتي:"ماجد"،و"سلام وفرسان الخير" اللتان تصدران في الإمارات العربية، وكذلك مجلتي:"العربي الصغير"، و"سعد"اللتان تصدران في الكويت؛ومجلة "بلبل"التي تصدر عن مؤسسة أخبار اليوم بالقاهرة... فهذه المجلات تبث القيم الدينية والأخلاقية في الطفل بشكل لطيف محبب إليه،كما تقوم بتثقيفه وتعليمه.
،ويمكن اصطـحابه إلى مكتبـة تبيع أو تقتني كتـباً نعلم أنهـا جـيدة،ثم نتركـه يخـتار بنـفسـه.
ولا بأس من أن نقص على الطفل في هذه المرحلة قصة النبي "يحي" عليه السلام ليكون قدوة له،
(فقد كان يحيي في الأنبياء نموذجا لا مثيل له في النُُسُك والزهد والحب الإلهي... كان يضيء حبا لكل الكائنات، وأحبه الناس وأحبته الطيور والوحوش والصحاري والجبال، ثم أهدرت دمه كلمة حق قالها في بلاط ملك ظالم، بشأن أمر يتصل براقصة بغي.
ويذكر العلماء فضل يحيي ويوردون لذلك أمثلة كثيرة،فقد كان يحيي معاصراً لعيسى وقريبه من جهة الأم (ابن خالة أمه)..
وتروي السنة أن يحيي وعيسى التقيا يوما.
فقال عيسى ليحيي: استغفر لي يا يحيي.. أنت خير مني.
قال يحيي: استغفر لي يا عيسى. أنت خير مني.
قال عيسى: بل أنت خير مني.. سلمت على نفسي وسلم الله عليك.
وتشير القصة إلى فضل يحيي حين سلم الله عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا.
ويقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه يوما فوجدهم يتذاكرون فضل الأنبياء.
قال قائل: موسى كليم الله.
وقال قائل: عيسى روح الله وكلمته.
وقال قائل: إبراهيم خليل الله.
ومضى الصحابة يتحدثون عن الأنبياء، فتدخل الرسول عليه الصلاة والسلام حين رآهم لا يذكرون يحيي. أين الشهيد ابن الشهيد؟ يلبس الوبر ويأكل الشجر مخافة الذنب. أين يحيي بن زكريا؟
وقد كان ميلاده معجزة.. فقد وهبه الله تعالى لأبيه زكريا بعد عمر طال حتى يئس الشيخ من الذرية.. وجاء بعد دعوة نقية تحرك بها قلب النبي زكريا.
وكانت طفولته غريبة عن دنيا الأطفال.. كان معظم الأطفال يمارسون اللهو، أما هو فكان جادا طوال الوقت.. كان بعض الأطفال يتسلى بتعذيب الحيوانات، وكان يحيي يطعم الحيوانات والطيور من طعامه رحمة بها، وحنانا عليها، ويبقى هو بغير طعام.. أو يأكل من أوراق الشجر أو ثمارها.
وكلما كبر يحيي في السن زاد النور في وجهه وامتلأ قلبه بالحكمة وحب الله والمعرفة والسلام. وكان يحيي يحب القراءة، وكان يقرأ في العلم من طفولته.. فلما صار صبيا نادته رحمة ربه:

"يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا "
فقد صدر الأمر ليحيي وهو صبي أن يأخذ الكتاب بقوة، بمعنى أن يدرس الكتاب بإحكام، كتاب الشريعة.. ورزقه الله الإقبال على معرفة الشريعة والقضاء بين الناس وهو صبي.. كان أعلم الناس وأشدهم حكمة في زمانه درس الشريعة دراسة كاملة، ولهذا السبب آتاه الله الحكم وهو صبي.. كان يحكم بين الناس، ويبين لهم أسرار الدين، ويعرفهم طريق الصواب ويحذرهم من طريق الخطأ.
وكبر يحيي فزاد علمه، وزادت رحمته، وزاد حنانه بوالديه، والناس، والمخلوقات، والطيور، والأشجار.. حتى عم حنانه الدنيا وملأها بالرحمة.. كان يدعو الناس إلى التوبة من الذنوب، وكان يدعو الله لهم.. ولم يكن هناك إنسان يكره يحيي أو يتمنى له الضرر. كان محبوبا لحنانه وزكاته وتقواه وعلمه وفضله.. ثم زاد يحيي على ذلك بالتنسك.
وكان يحيي إذا وقف بين الناس ليدعوهم إلى الله أبكاهم من الحب والخشوع.. وأثر في قلوبهم بصدق الكلمات وكونها قريبة العهد من الله وعلى عهد الله..
وجاء صباح خرج فيه يحيي على الناس.. امتلأ المسجد بالناس، ووقف يحيي بن زكريا وبدأ يتحدث.. قال:" إن الله عز وجل أمرني بكلمات أعمل بها، وآمركم أن تعملوا بها.. أن تعبدوا الله وحده بلا شريك.. فمن أشرك بالله وعبد غيره فهو مثل عبد اشتراه سيده فراح يعمل ويؤدي ثمن عمله لسيد غير سيده.. أيكم يحب أن يكون عبده كذلك..؟ وآمركم بالصلاة لأن الله ينظر إلى عبده وهو يصلي، ما لم يلتفت عن صلاته.. فإذا صليتم فاخشعوا.. وآمركم بالصيام.. فان مثل ذلك كمثل رجل معه صرة من مسك جميل الرائحة، كلما سار هذا الرجل فاحت منه رائحة المسك المعطر. وآمركم بذكر الله عز وجل كثيرا، فان مثل ذلك كمثل رجل طلبه أعداؤه فأسرع لحصن حصين فأغلقه عليه.. وأعظم الحصون ذكر الله.. ولا نجاة بغير هذا الحصن.) ( 20)
أما الفتيات فنحكي لهن-على قدر فهمهن- قصة السيدة "مريم" وكيف كانت ناسكة عابدة لله تعالى وكيف نجحت في الاختبار بالغ الصعوبة،وكيف أنقذها الله جل وعلا بقدرته .