أولاً: مرحلة ما قبل الزواج:


إن البذرة الصالحة إذا وضعت في أرض خبيثة اختنقت، وماتت، ولم تؤت ثمارها،لذا فقد جعل الإسلام حسن اختيار الزوج والزوجة من أحد حقوق الطفل على والديه ،فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم :"الطيباتُ للطيبين،والطيبون للطيبات"،وقال صلى الله عليه وسلم:"تخيَّروا لِنُطَفِكُم،فإن العِرق دسَّاس"،وقال أيضاً:"تُنكح المرأة لأربع: لمالها،وجمالها،وحسبها، ودينها،فاظفَر بذات الدين تَرِبَت يداك"،وروي عن الإمام جعفر الصادق أنه قال :« قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطيباً،فقال : "أيُّها الناس إياكم وخضراء الدُّمُن . قيل : يا رسول الله ، وما خضراء الدُّمُن ؟ قال : المرأة الحسناء في منبت السوء "
كما أكَّد صلى الله عليه وسلم على أن يكون الزوج مُرضياً في خُلُقه ودينه ،حيث قال: « إذا جاءكم من ترضون خُلُقه ودينه فزوجوه » ، وأردف صلى الله عليه وآله وسلم ذلك بالنهي عن ردّ صاحب الخلق والدين فقال : « إنّكم إلاّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير »،كما قال صلى الله عليه وسلم:"من زوج ابنته من فاسق،فقد قطع رحمها"
فإذا اختلط الأمر على المقدمين على الزواج ،فإن الإسلام يقدم لهم الحل في" صلاة الاستخارة".
ثم يأتي بعد حُسن اختيار الزوج أو االزوجة الدعاء بأن يهبنا الله الذرية الصالحة، كما قال سيدنا زكريا عليه السلام مبتهلاً:"رب هَب لي ِمن لَدُنكَ ذُرِّيَةً طيبةً إنك سميعُ الدعاء"، وكما دعا الصالحون:"ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما"
مرحلة الأجِنَّة: ثانياً:
تقترح كاتبة هذه السطور على كل أم مسلمة تنتظر طفلاً أن تبدأ منذ علمها بأن هناك رزق من الله في أحشائها؛ فتزيد من تقربها إلى الله شكراً له على نعمته،واستعداداً لاستقبال هذه النعمة،فتنبعث السكينة في قلبها، والراحة في نفسها ، مما يؤثر بالإيجاب في الراحة النفسية للجنين ؛كمايجب أن تُكثر من الاستماع إلى القرآن الكريم،الذي يصل أيضاً إلى الجنين،ويعتاد سماعه، فيظل مرتبطاً به في حياته المستقبلة إن شاء الله .
ولنا في امرأة عمران- والدة السيدة مريم- الأسوة الحسنة حين قالت:"ربِّ إني نَذَرتُ لك ما في بطني مُحرَّراً،فتقبل مني إنك أنت السميع العليم"، فكانت النتيجة: "فتقبَّلها ربُّها بقَبول حَسَن"
ولقد أثبتت التجربة أن أفضل الطعام عند الطفل هو ما كانت تُكثر الأم من تناوله أثناء حملها بهذا الطفل،كما أن الجنين يكون أكثر حركة إذا كان حول الأم صخباً أو موسيقى ذات صوت مرتفع،وهذا يعني تأثر الجنين بما هو حول الأم من مؤثرات.
( وهاهي الهندسة الوراثية تؤكد وجود الكثير من التأثيرات التي تنطبع عليها حالة الجنين،سواء أكانت هذه التأثيرات بيولوجية،أوسيكولوجية،أو وروحية،أ وعاطفية.
ونحن نطالع باستمرار مدى تأثر الجنين بإدمان الأم على التدخين،فإذا كان التدخين يؤثر تأثيراً بليغاً على صحة الجنين البدنية، فَتُرى ما مدى تأثره الأخلاقي والروحي بسماع الأم للغيبة أو أكلها للحم الخنزير،أو خوضها في المحرمات وهي تحمله في أحشائها؟!)(6)
ويؤكد الدكتور "علاء الدين القبانجي" (7) هذا بقوله:" هناك خطأ كبير في نفي التأثير البيئي علىالنطفة، في نفس الوقت الذي نلاحظ فيه التأثير ا لبيئي على الفرد ذاته سواء بسواء ،ولن تتوقف النطفة عن التأثر بالمنبهات الكيماوية- بما فيها المواد الغذائية والعقاقير-أو بالظروف البيئية، بل ستظل تتأثر بقوة التوجه إلى الله أيضا،فروح الاطمئنان والتوجه إلى الله تعالى تخفف من التوترات والتفاعلات النفسية المضطربة .
ويضيف الشيخ"علي القرني" قائلاً :"أثبت العلم الحديث أن للجنين نفسية لا تنفصل عن نفسية أمه،فيفرح أحياناً،ويحزن أحياناً،وينزعج أحياناً لما ترتكبه أمه من مخالفات كالتدخين مثلاً، فقد أجرى أحد الأطباء تجربة على سيدة حامل في شهرها السادس وهي مدمنة للتدخين، فطلب منها الامتناع عن التدخين لمدة أربع وعشرين ساعة، بينما كان يتابع الجنين بالتصوير الضوئي،فإذا به ساكن هادىء، حتى أعطى الطبيب الأم لفافة تبغ،فما إن بدأت بإشعالها ووضعها في فمها حتى بدأ الجنين في الاضطراب، تبعاً لاضطراب قلب أمه.
كما أثبت العلم أيضاً أن مشاعر الأم تنتقل لجنينها،فيتحرك بحركات امتنان حين يشعر أن أمه ترغب فيه ومستعدة للقاءه، بينما يضطرب وينكمش،ويركل بقدميه معلناً عن احتجاجه حين يشعر بعدم رغبة أمه فيه...حتى أن طفلة كانت أمها قد حملتها كُرهاً، وحاولت إسقاطها،دون جدوى،فلما وضعتها رفضت الطفلة الرضاعة من أمها ، فلما أرضعتها مرضعة أخرى قبلت!!! ولكنها عادت لرفض الرضاعة مرة أخرى حين عصبوا عيني الطفلة، ثم أعطوها لأمها كي ترضعها !!!"(8)
بينما نرى أماً أخرى حرصت- منذ بداية الحمل- على تلاوة القرآن والاستماع له في كل أحوالها: قائمة، وقاعدة ،ومضطجعة،فكانت النتيجة أن وضعت طفلاً تمكن بفضل الله تعالى من ختم القرآن الكريم حفظاً،وتجويداً،وهو في الخامسة من عمره!!! فتبارك الله أحسن الخالقين" (9)
مما تقدم نخلص إلى أن تربية الطفل تبدأ من مرحلة الأجنة،"فإذا نشأ الجنين في بطن أمه في جو من الهدوء والسكينة - وخير ما يمنحهما هو القرب من الله سبحانه- فإنه يستجيب بإذن ربه، ويعترف بفضل أمه عليه،ويتمتع بشخصية سوية ونفسية هادءة، يقول لسان حاله :<هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟!!!> (10)
ثالثا:مرحلة مابعد الوضع حتىالسنة الثانية:
"بعد أن يولد الطفل ويبدأ بالرضاعة والنمو يكون أشد استقبالاً لمتغيرات الحياة من الشاب البالغ،لأن الوليد يكون مثل الصفحة البيضاء الجاهزة لاستقبال خطوط الكتابة، بينما يكون الشاب البالغ قد أوشكت قناعته على الاكتمال،فيصبح من الصعب التلاعب بها أو محوها"( 11)
لذا يجب أن نرقيه بالرقية الشرعية(المأخوذة من الكتاب والسنة المطهرة)،ونسمع معه التلاوات القرآنية لشيوخ ذوي أصوات ندية،كما نُكثر من الاستغفار والتسبيح والحمد والتهليل والحوقلة ونحن نحمله، حتى تحُفُّه الملائكة،ويتعود سماع مثل هذه الكلمات النورانية.
"ومع زيادة نمو الوعي عند الطفل يجب أن نحرص على أن نَذكُر الله عز وجل أمامه دائماً،،فبدلاً من أن نقول:"غاغا"،أو ما شابه ذلك من ألفاظ نقول:"يا الله"، ونسعى دائماً إلى أن يكون لفظ الجلالة ملامساً لسمعه حتى يحفظه،ويصبح من أوائل مفرداته اللغوية،وإذا أراد أن يحبو،وصار قادراً على النطق،فيجب أن نأخذ بيده ونريه أننا نريد أن نرفعه،فنقول:"يا رب ..يا مُعين"،ونحاول أن نجعله يردد معنا،وإذا أصبح أكثر قدرة على التلفظ بالكلمات علمناه الشهادتين،وردَّدناها معه حتى يعتادها"
( 12) فنراه يَسأل عن معناها حين يستطيع الكلام.
رابعاً: من سنتين إلى ثلاث سنوات:
(في هذاالعمر يكون الطفل متفتح الذهن ، مما يدعونا إلى تحفيظه بعض قصار السور كالفاتحة، والعصر،والكوثر...إلخ،وذلك حسب قدرته على الحفظ ،وكذلك تحفيظه بعض الأناشيد مثل:"الله رب الخلـق،أمـدنا بالرزق"، و"من علِّـم الـعصفور أن يبني عشــا في الشـجر،الله قـد عـلمه وبالهُـدى جَـمَّلهُ")( 13)
وكذلك:"اللهُ ربي، محمدٌ نبيي، والإسلامُ ديني، والكعبةُ قبلتي،والقرآن كتابي،والنبي قدوتي،والصيام حصني،والصَدَقة شفائي،والوضوء طَهوري،والصلاة قرة عيني،والإخلاص نِيَّتي،والصِدق خُلُقي،والجَنَّةُ أملي،ورضا الله غايتي"
(وكلما زاد وعيه وإدراكه ردَّدنا أمامه أن الله هو الذي رزقنا الطعام، وهو الذي جعل لنا الماء عذباً ليروي عطشنا، وهو الذي أعطاه أبيه وأمه لرعايته، وهو الذي أعطانا المال والمنزل، والسيارة واللعب...إلخ،ولذلك فهو جدير بالشكر،وأول شكر له هو أن نحبه ولا نغضبه،وذلك بان نعبده ولا نعبد سواه) ( 14)
كما نذكر ونحن نلعب معه بدميته مثلا:أن هاتين اليدين والعينين والأذرع والرجلين لدينا مثلها ولكن ما يخص الدمية من القماش أو البلاستيك، أما ما أعطانا الله فهي أشياء حقيقية تنفعنا في حياتنا وتعيننا عليها.
(وإذا جلسنا إلى الطعام قلنا بصوت يسمعه: "بسم الله"،وإذا انتهينا قلنا"الحمد لله"،وكذلك إذا شربنا،وإذا اضطجعنا وإذا قمنا من النوم) ( 15)...حتى يعتاد الطفل ذلك ويردده بنفسه دون أن نطلب منه ذلك.
كما يجب أن نخبره أن لقب الأطفال عند الله هو"أحباب الله" فهم أحبته الذين أوصى بهم الوالدين أن يحسنوا اختيار أسماءهم( ويعلِّموهم أمور دينهم ودنياهم، ويحسنوا تأديبهم و تربيتهم،و هو الذي أمر الوالدين بالعطف عليهم والترفق بهم،والعدل بينهم وبين إخوتهم في كل الأمور)( 16)
،وهو حبيبهم الذي يتجاوز عنهم حتى يصلوا إلى سن الإدراك،فنخبرهم أنه يسامحهم على أخطاءهم ماداموا صغاراً لأن الله يحب الأطفال.
ومن المفيد أن نربط كل جميل من حولهم بالله تعالى،فالوردة، والنحلة، والفراشة، و القمر، وغيرها من مخلوقات الله،أما الأشياء التي تبدو ضارة بالنسبة لنا كالذبابة، والفأر،وغيرهما فهي من مخلوقات الله أيضاً ، و هي تقوم بوظيفة تساعد على أن يظل الكون من حولنا جميلاً ونظيفاً.
كما يجب أن نربط كل خُلُق جميل بالله تعالى،فالله يحب الرحمة والرفق والعدل والجمال والنظافة...إلخ.
كما يجب ان نقرِّب إلى أذهانهم فكرة وجود الله مع عدم إمكانية رؤيته في الدنيا،فهناك أشياء نحسها ونرى أثرها ونستفيد منها دون أن نراها كالهواء والكهرباء والعطر...إلخ.أما من يريد رؤيته جل شأنه فعليه أن يكثر من الطاعات كي يحظى برؤيته في الجنة.
ويستحب أن نعلِّق في بيوتنا صوراً للمسجد النبوي ،والمسجد الحرام حتى تعتادهما عينيه ويدفعه الفضول للسؤال عنهما،وعندها نجيبه بطريقة تشوِّقه إليهما،كأن نقول عن الكعبة:هي بيت الله،وفوقها البيت المعمور الذي تطوف به الملائكة،والله كريم يكرم ضيوفه الذين يزورون بيته بأشياء جميلة كاللعب، والحلوى،وغير ذلك مما يحب الطفل،مع ملاحظة أننا إذا اصطحبناه إلى هناك فلابد أن نجعل ذكرياته عن الزيارة سعيدة قدر الإمكان ونشتري له من الهدايا والأشياء المحببة إليه ما يرضيه ، حتى ترتبط سعادته بالبيت الحرام، ومن ثم برب البيت.