الحمية: هي القوة الغضبية التي تأبى الضيم هناك من إذا أعتدي عليه في عرض أو مال أو وطن أو سمعة أو ما شاكل ذلك لا يأبه، فيه برود، تعلّم على الذل كما قال الشاعر:

من يهُن يسهل الهوان عليه مال لجرحٍ بميّتٍ إيلام

وهنالك أناس هكذا ليس له حمية وآخرون إذا سمع طعناً أو شتماً في نفسه، في دينه، في عرضه، يثور، يحمى، ويغضب تسمى هذه الحمية فالحمية قد تكون إيجابية إذا كانت في الحق وقد تكون جاهلية إذا كانت في الباطل (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ (26) الفتح) هذه الغضب للباطل كأن يغضب على الأصنام فمن يغضب للحق "ومن أستغضب ولم يغضب فهو جبان ومن أسترضي ولم يرضى فهو شيطان" إذن فأن تغضب في الحق وتغضب لله هذه حمية على دين، على وطن، على عرض، على حق، على مظلوم، هذه تسمى حمية، يقال رجلٌ حميُّ الأنف أي يأبى الضيم لا يرضى أن يذل، أن يقهر، أن يهان، لا يرضى هذا بل يغضب. هذا الغضب يدل على أن نفسك قوية، هذا الغضب دليل احترامك لنفسك أولاً وإذا احترمت نفسك فأنت منتصرٌ لا محالة أو على أقل حال أنت تقوم بما يجعلك منتصراً في الواقع وإن كنت لم تنتصر بالسلاح لكنك أديت الذي عليك. فعندما يقتتل اثنان المقتول هو المنتصر لأن المقتول بذل حياته في سبيل قضية ولو أن القاتل يعلم أن المقتول ليس خطيراً لما قتله. وحينئذٍ أنت عندما ينتهك عرضك أو دينك أو وطنك أو تحتل أرضك إذا احتُلّت أرضك فالناس نوعان: نوع ذليل خانع قذر يعيش مع المحتل يفرغ سمّه وقتله لأبناء وطنه، يقتلهم، يعذبهم أما صاحب الحمية الذي يأبى الضيم لا يملك إلا أن يقاتل دفاع عن وطنه بكل أعراف الدنيا أن من لا يقاتل دون وطنه فهو إنسان ذليل لا حمية له، إنسان يسمى بالكلمات الفصيحة نذل. والنذل هو الإنسان الذي لا يحمى أنفه لا على عرض ابنته ولا على زوجته ولا على وطنه ولا على دينه فهو ديوّث والديوث هو الذي يقر الخنى في أهله أو في وطنه أو في دينه أو في مجتمعه. الحمية هو أن يحمى أنفك غضباً ومن أستغضب ولم يغضب فهو جبان ومتى يستغضب الإنسان؟ يستغضب في عرضه أو دينه أو ماله أو وطنه. والحُمَيّة - بضم الحاء - شدة الغضب وأوله يقال فلان شديد الحُمَيّة أي شديد النفس والمنعة لا يقبل الضيم وحتى لو كان سيموت أو يقتل فليقتل ولكنه لا يسكت بل يفعل كل ما يستطيع فليقتل إذن وقتله انتصارٌ له. هذا الحمي. القرآن الكريم تحدث عن حمية قريش بالباطل (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ) هذه هي الحمية.


الصمود: الكلمة الثانية هي الصمود. الصمد أصله التل الصخري الذي هو دون الجبل. والصمود هو الشعور بالحياة، قوة الشعور بالحياة، أي لا تؤثر بي الأحداث والحوادث مهما حاولت أن تمحقني، أن تزيحني، أن تبعدني عن الطريق، أن تطمس معالمي، لا تستطيع لأن شعوري بالحياة شعورٌ قوي فالأحداث والحوادث لا تؤثر بي إطلاقاً وإنما تمر بي الأحداث وأنا صامد لا ينال مني الدهر. كلكم رأيتم بحراً وكلكم رأيتم صخرة صغيرة في هذا البحر من آلآف السنين والأمواج تتكسر على هذه الصخرة، أمواج قد تغرق السفن، قد تهدم السدود والصخرة باقية على صغرها لشدة صمدوها. ومن هنا كان من أسماء الله الحسنى الصمد (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴿1﴾ اللَّهُ الصَّمَدُ ﴿2﴾ الإخلاص) لا تغيّره الأحداث ولا الحوادث، هو الذي يغيرها وحينئذٍ الصمود دليل النفس القوية.

الصبر: وكل هذه معالم نفسية لقوة نفسك فكيف تكون نفسك قوية؟ أن تكون ذا حمية على أهلك ودينك ووطنك تقاتل ولتقتل في الدفاع عن أهلك ومالك فهذه الحمية ويسمى حامي الضمار، حامي الحمى الذي تحمى من أجله وهو وطنك، حدود وطنك تحمى من أجلها إذا انتهكت ومن انتهك وطنه ولم يثر ولم يحمى أنفه لا يهمه أن ينتهك حمى عرضه هذا يسمى الحمى. الحمى القوة الغضبية، الصمود قوة الشعور بالحياة. الصبر قوة الشعور بالتحمل (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴿156﴾ البقرة) لا تهزه الهزائز (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴿155﴾ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴿156﴾ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴿157﴾ البقرة) (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴿10﴾ الزمر) هناك أناس تقطع أوصالهم كما في العراق الآن من قطعت أوصاله وقتل أولاده وأهله وانتهكت أعراضهم وسلبت أموالهم، أحرقت ديارهم ولم يغير هذا منهم شعرة، لا يزالون ينافحون عن وطنهم وعرضهم وديارهم وشعبهم هذا صبرٌ (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) والحسنة هنا ليست بعشر أمثالها بل عطاء غير مجذوذ، عطاء لا ينقطع ولا يعد ولا يحصى، هذا الصبر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا (200) آل عمران) فأنت قد تكون جيشاً صغيراً، قد تكون أفراد من المقاتلين أو المقاومين قد تهزم دولة عظمى بالمطاولة وبالمصابرة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا) أهل بدر كانوا معدودين 314 شخصاً وأتاهم جيش عرمرم، سيدنا طالوت مع جالوت معركة غير متكافئة، نفر قليل مع جيش عرمرم صبروا وصمدوا بالمطاولة، سيدنا عليّ مع عمرو ابن ود هذا العملاق الهائل الذي كان يقدر بعشرة ألاف فارس وعليّ كان شاباً صغيراً وهو أصلاً قصير البنية وذاك مدجج بالسلاح والترس والدروع وعليٌّ مكشوف وليس له إلا سيف صغير ومع هذا بالمطاولة، بالصبر وإذا به يقتله فقال عليه الصلاة والسلام "لقتل علي لعمرو بن ود يعدل عمل أمتي إلى يوم القيامة" هذا عليّ ذي الفقار وما سمي بهذه الأسماء إلا لشدة صبره. فالصبر قوة النفس. وهناك من يهزم من أول المعركة يرى أنه لن يقدر فيهرب (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴿16﴾ الأنفال) أصحاب الهزيمة هؤلاء نفوسهم ضعيفة جبانة وهم معذورون فليس لهم من الصمود شيء ولا من الصبر شيء، هذا هو الصبر.

العُرام: ثم لدينا كلمة العرام وهي قوة الشراسة فأنت قد تكون عندك حمية لكنك عاقل فأنت تغضب ثم تأخذ حقك ثم ينتهي الأمر وقد تكون صامداً فربما يكون المحتل في أرضك لمدة 20 أو 30 سنة وأنت تقاتل صامد إلى أن يتعب عدوك فينهار، وهذا حدث في التاريخ كثيراً المطاولة. ثم هناك الصبر، تصبر وأنت مستعد لكل شيء، العرام هو أن يكون لديك حمية وصمود وصبر لكنك شرس مندفع باتجاه العدو (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ (16) سبأ) السيل كثير ونحن نفرح بالسيل لأنه عندما يأتي السيل تسيل الوديان، تمتلئ الآبار ونفرح لكن هناك سيل عن سيل فهناك سيل يأخذ مدن وقرى وعواصم كما حصل في كاترينا وغيره في كل مكان وسمي الجيش العرمرم من العرم ونحن في لغتنا العامية لا نستعمله إلا مع النساء عندما تكون هناك امرأة فعندما تكون هناك امرأة شرسة نقول فلانة عرمة مع أنها كلمة عامة تطلق على كل ما هو شرس ومندفع وقوي لكن نحن في لغتنا الدارجة نستعملها فقط مع المرأة الشرسة القوية المندفعة يقال عرمة، وهي كلمة فصيحة ومنه العرمرم الجيش الكثير المندفع مأخوذ من هذه الكلمة والعرام هو شدة الاندفاع (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ (16) سبأ) أي انتهك الأول والتالي أي أخذ كل الدولة فسبأ كلها اختفت تحت هذا السيل. واعترام الفتن اشتدادها وشراستها كما في العراق يقال اعترمت الفتنة، أصبحت عرمة. والمعارمة المفاتنة عندما يكون هناك أناس طائفيين وفئويين وحزبيين وعملاء للمحتل وجواسيس ومقاتلين وأشراف وأنذال واختلط الحابل بالنابل يقال اعترمت الفتنة. ورجل عارم إذا كان خبيثاً شريراً لا يقهر يسمى هذا عارماً. هذه هي كلمة العرام (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ).

العزة: ثم هناك العزة. والعزة هي قوة الشعور بالغلبة أنني أنا دائم منتصر، لا أقهر، لا أرضى أن يقهرني أحد، ولهذا حتى لو قهرتني بالسلاح فأنا في أعماقي منتصر أتعبتك فأنت لم تحقق النصر علي إلا بعد أن أنهتك، إلا أن جعلتك تيأس رغم قوتك وجيوشك الجرارة وعندك طائرات وصواريخ ولديك قدرات هائلة ومئات الآلاف من الجنود أمام شلة قليلة قد دوخوك وقد تقتلهم في النهاية ولكن بعد أن مسحوا بك الأرض وبهيبتك الدنيا ولم تعد لك هيبة ولو قتلتهم. إذاً هذا الذي قتلته ولو أنه قتل لكن شعر بالعزة لأنه فعل بك شيئاً ليس وراءه وراء فلم يبقي من جهده شيء فمات وهو سعيد وهو يشعر بالفخر وأنه صاحب عزة. رب العالمين يقول عن القرآن (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ﴿41﴾ فصلت) لا يُغلَب فكم حاول أناس في التاريخ القديم والمعاصر أن يجدوا تناقضاً في القرآن ولم يستطيعوا، (قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ (28) الزمر) لا يمكن أن تجد فيه آية تتناقض أبداً، تتناقض مع نفسها أو تتناقض مع قاعدة علمية أو أن هناك اكتشاف ما يدل على أن القرآن خطأ وهذا مستحيل فهو كتاب عزيز (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ (42) فصلت). ورب العالمين العزيز لأنه لا يقهر، يغلِب ولا يُغلَب فهو العزيز.