عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 33
حب الأبناء .. مدخل للتربية
يقول التربويون أن فلسفة التعليم مشتقة من فلسفة الحياة الاجتماعية المرشدة للمجتمع، كما يقول الفلاسفة أن التربية والتعليم وجهان لعملة واحدة تصبو إلى إعادة إنتاج العلاقات السائدة داخل المجتمع وتهذيبها.
ومن هنا عهدنا من التربية أن تطالعنا من حينٍ لآخر بمداخل عديدة.. واتجاهات كثيرة.. وأساليب فعالة.. نستقي منها كل ما هو مفيد وناجح لبناء الإنسان ورقي المجتمعات..
تأسيساً على ما سبق بات جلياً أن التربية الوجدانية لا تقل إن لم تكن تضاهي أهمية التربية المعرفية العلمية، فهناك إجماع شبه تام يستوي فيه أهل الفكر التربوي والعلمي والنفسي على حد سواء بأهمية تربية الوجدان... وتهذيب النفس .. وترجمة الأحاسيس والمشاعر والتعبير عنها..
وقد بات شائعاً لدى الكثير منا أن ما نحمله من أفكار بشأن العلاقة مع أبنائنا ينبغي أن ُيحاكم.. وأن يوضع في الميزان.. وهناك اتفاق على أنه ينبغي أن نعيد النظر في كثير من أشكال تربيتنا لأبنائنا كما ينبغي أن نفكر جدياً للحصول على إجابة سؤال مهم هو .. كيف ينبغي أن تكون هذه التربية ؟؟
والآن يمكن أن نطرح السؤال التالي .. هل نستطيع أن نربي بالحب ؟؟ وهو سؤال يترتب عليه جملة من الأسئلة أهمها ... ماهو الحب ؟؟ وكيف يولد في نفوس الناس ؟؟ وما أنواعه ؟؟ وما معيار الحب الحقيقي؟ وهل للحب لغة ؟؟
نحن نعلم أن الناس جميعاً لديهم جملة من الحاجات العضوية كالحاجة إلى الطعام و الشراب و النوم و الراحة و الحاجة الجنسية ،، ولديهم أيضاً جملة من الحاجات النفسية : منها .. الحاجة إلى الحب.
و كِلا النوعين من الحاجات لابد من إشباعها حتى يشعر الفرد منا بالتوازن ، ذلك أن عدم إشباعها يجعلنا نحس بفقدان التوازن أو اختلالها.
فالحب إذن ... عاطفة إنسانية تتمركز حول شخص أو شيء أو مكان أو فكرة، وتسمى هذه العاطفة بإسم مركزها فهي تارة عاطفة حب الوطن حين تتمركز حول الوطن، وتارة أخرى عاطفة الأمومة حين تتمركز عاطفة الأم حول طفلها،،وهكذا
والحب أيضاً حاجة نفسية تحتاج إلى إشباع باستمرار ... فكيف تتكون هذه العاطفة التي بتكوينها عند الأم تشبع الحاجة للحب عند الطفل.
دعونا نقف عند حديث قدسي ،،، يقول الله عز وجل في الحديث القدسي ( وما تقرب إلي عبدٌ بأحب إلي مما افترضته عليه و مايزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ) . في هذا الحديث القدسي عدة قواعد لابد لنا من الوقوف عندها.
أولاً-حب الله لأداء عبده للفرائض
ثانياً-النوافل طريقٌ لتقرب العبد إلى الله
ثالثاً-تقرب العبد إلى الله بالنوافل مدعاة لحب الله للعبد
ومن نتائج حب الله للعبد ،، أن العبد يملك عنئذٍ جملة من وسائل التمييز فلا يرى ولا يسمع إلا ما يرضي الله ولا يمشي ولايفعل إلا ما يرضي الله، بمعنى آخر : إن حب الله وهو الغني عن العباد هو نتيجة لما يقوم به العبد من أداءٍ للنوافل
الحب الحقيقي والحب النرجسي للأبناء
دعونا نقرأ الحديثين التاليين لنتعرف أكثر على هذين النوعين ولنعرف هل حبنا لأبنائنا حبٌ حقيقي أم نرجسي ؟
سمع أبو هريرة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (كانت امرأتان معهما ابنائهما ، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما ، فقالت صاحبتها إنما ذهب بابنكِ ،،وقالت الأخرى إنما ذهب بابنكِ أنتِ ،،فتحاكمتا إلى داوود فقضى به للكبرى ، فخرجتا على سليمان بن داوود فاخبرتاه فقال : ائتوني بالسكين اشقه بينهما . فقالت الصغرى : لاتفعل يرحمك الله هو ابنها ,, فقضى به للصغرى)
لن نقف عند هذا الحديث كثيراً لأنه واضح وضوح الشمس و أوضح ما فيه أن الأم الحقيقية وهي الصغرى رضيت أن يؤخذ ابنها منها طالما أنه سيبقى حيّاً سليماً ، وذلك من شدة حبها له وخوفها عليه ولو أدى ذلك الإبعاد إلى حزنها الشديد.
لقد ضحت هذه الأم بوجود ابنها معها في سبيل مصلحته الكامنة في بقائه على قيد الحياة ، وهذا بالطبع ما
تريده كل أم .
أما الحب النرجسي فنرى مثلاً جليّاً له بسلوك فرعون مع موسى ( قال ألم نربك فينا وليداً ولبثت من عمرك سنين . وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين . قال فعلتها إذاً وأنا من الضآلين . ففرتُ منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكماً وجعلني من المرسلين . وتلك نعمةٌ تمنها عليّ أن عبدّتَ بني إسرائيل)
والملاحظ أن فرعون استخدم أسلوب كشف الحساب حين قال لموسى ( قال ألم نربك فينا وليداً ولبثت من عمرك سنين . وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين )
إن الحب الفرعوني حب نرجسي واضح المعالم ، حبٌ يعتمد على المن و الأذى وما أراد أن يقوله فرعون لابنه هو بالضبط ما يقوله الكثير من الآباء و الأمهات لأبنائهم حين يتوقف الأبناء عن السير في أطراف الدوامة . عندها نسمع كلاماً من قبيل ... ألا تذكر مافعلته لك ؟ ألا تذكر أني حرمتُ نفسي من كثير من المزايا في سبيل تأمين ما تريده ؟ ألم أعطك من وقتي وعمري ؟ يا حسرتى على عمري؟ وتربيتي لك؟ لو ربيتُ قطةً لكانت خيراً منك
الحب يكون من الإنسان وهو في أحلك حالات الضعف تماماً كما يبدو والإنسان في أشد لحظات القوة
إن من حق الجميع على أولادهم أن يبروهم أي أن يردوا جميلهم وصنيعهم و إحسانهم بإحسان . وإن لم يفعل ذلك الأبناء فقد خسروا خسراناً كبيراً.ولكن لاينبغي التوقف عن الإحسان إليهم إذا أساءوا أو أخطئوا إن كنا نحبهم حباً حقيقياً .
المفضلات