يحتل العظماء مكانة مرموقة في مجتمعاتهم لما يبذلونه من عطاء وتضحية من أجل رفعة أوطانهم وتقدمها ، فلم تقتصر قائمة العظماء والمبجلين على الحكام والأدباء المشهورين بل احتوت على فئات عديدة .. ومن هذه الفئات " المعلم " الذي كاد أن يبجل في جميع الثقافات .
(فالمعلم ) يلعب دوراً كبيراً في بناء الحضارات كأحد العوامل المؤثرة في العملية التربوية ، إذ يتفاعل معه المتعلم ويكتسب عن طريق هذا التفاعل الخبرات والمعارف والاتجاهات والقيم .
ولقد شغلت قضية إعداد ( المعلم ) وتدريبه مساحة كبيرة من الاهتمام من قبل أهل التربية وذلك انطلاقاً من دوره الهام والحيوي في تنفيذ السياسات التعليمية في جميع الفلسفات وعلى وجه الخصوص الفكر التربوي الإسلامي ، ففي هذه الورقة البحثية سيتضح الفرق بين هذه الفلسفات من حيث كونه كاهناً أم راهباً أم ساحراً أم فيلسوفاً أم كما الفكر الإسلامي بانيا للحضارة وهادياً للبشر ومنيراً للطريق.
ولأن قيمة الإيمان تتحدد إلى حد كبير بقيمة العمل الذي يقوم به ، ولما كان ( المعلم ) له قيمة عظيمة في التراث الفقهي والتربوي ، احتل ( المعلم ) موقعاً متقدماً من حيث التقدير والتبجيل ، مما جعل قضية تكوينه تتأثر باهتمام علماء التربية والفقهاء.
( فالمعلم ) ليس خازن للعلم يغترف منه التلاميذ والمعارف والمعلومات ، ولكنه نموذج وقدوة .
ولأن ( المعلم ) أمين على ما يحمل من علم كان لابد له من صياغة وأن يحافظ على كرامته وقاره، ولا يبتذل نفسه رخيصة ، فذلك من شأنه أن يحفظ هيبته ومكانته بين الناس ومن الشعر فيما يروي عن القاضي عبدالعزيز الجرجاني :
ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي ~ ..~..~ لأخدم من لاقيت .... لكن لأخدمـا
أأشقى به غرساً وأجنيه ذلــة ~ ..~..~ إذن فاتباع الجهل قد كان أحزما
ولو كان أهل العلم صانوه صانهم ~..~..~ ولو عظموه في النفـوس لعظمــا
ولكن أهانوه فهــان ودنســوا ~..~..~ محيــــاه بالأطمــــاع حتى تجهما

لذا كان للعالم المسلم بدر الدين بن جماعة رأيه السديد في أن ( المعلم ) هو العامل الأساسي في نجاح العملية التعليمية وأنه من أهم عناصر التعليم ، حيث يرى أن التعليم لايتغير بغير ( المعلم ) وأن عناصر التعليم تفقد أهميتها إذا لم يتوفر ( المعلم الصالح ) الذي ينفث فيها من روحه فتصبح ذات أثر وقيمة ، ويستشهد على أهمية (المعلم )في حدوث تعلم جيد بقوله:
" قيل لأبي حنيفة رحمه الله : في المسجد حلقة ينظرون في الفقه " فقال : ألهم رأس ؟
قالوا : لا ، قال : لا يفقه هؤلاء أبداً.
ومن هنا كان اهتمام هذا البحث في النظر إلى اهتمام الإسلام في إعداد ( المعلم ) وعلاقته بالتغيرات الحديثة ، ومدى تأثير هذه التغيرات على بنيته وانعكاسها على تنمية عقول المتعلمين وخلقهم ومهاراتهم وإكسابهم المعارف والآداب المختلفة.