موقوف
- معدل تقييم المستوى
- 0
الغش في الامتحانات نتيجة منطقية للقيم السائدة
بدء يجب الاعتراف بأن ظاهرة الغش في الامتحانات بمؤسساتنا التعليمية أصبحت و اقعا لايختلف حول و جوده اثنان .
كما أن الوعي بتردي الواقع التعليمي و الاستعداد لمعالجته يعدان شرطين قبليين ضروريين ، اد بدونهما يستحيل الشروع في تقويم نظامنا التعليمي و بالتالي النهوض به .وتجدر الاشارة أن تناول ظاهرة بمثل هدا الحجم ليس أمرا هينا ، لآنها ظاهرة معقدة يتداخل في تكوينها ماهو سوسيو-ثقافي و اقتصادي و سياسي و قانوني ...
كلمة " غش " تعني التصرف بسوء نية و خداع ، و قي التاريخ اللغوي للكلمة نجد انها مأخودة من من الكلمتين التين تعنيان في آن واحد ، الخطأ و الايقاع فيه أي الخداع ، وتطلق الكلمة على كل التصرفات الغادرة أو المخادعة التي تهدف تحقيق غايات خسيسة أو غير شرعية ، و بهدا المعنى استعملت للدلالة في القانون على الغش الجبائي و الجمركي ، و الغش الغش في الامتحانات والمباريات العمومية و الانتخابات و غير دلك .
أصبح الجميع يعترف بشيوع الغش في أوساط التلاميد و الطلبة .و عرفت في السنين الاخيرة استفحالا جعل المهتمين يتساءلون عن أسبابها الحقيقية و اثارها على التربية و التكوين ، و على مستقبل شباب أصبح الغش سلوكا عاديا و محمودا لديه . إن المسؤولية في تفشي هده الظاهرة تتوزع بين جملة من الأسباب يمكن تلخيص بعضها كالآتي :
1. طبيعة مواضيع و أسئلة الامتحانات
جل مواضيع الامتحانات لا تستدعي على الاطلاق أعمال العقل و التفكير ، و لا تقتضي توظيف مجهود خاص في الفهم و التحليل و الاستنباط بل تتطلب فقط تكرار معلومات و أفكار سبق التعرف عليها داخل الفصل ، و بما أن الامر كدلك فان التلميد لايجد أي حرج في اللجوء الى الغش لإرجاع البضاعة التي سلمت له كما هي دون نقص أو زيادة
2. انحراف نظام الاكاديميات عن دوره الحقيقي
من بين الاهداف الرئيسية لنظام اكاديميات التعليم الجهوية (1987) تطوير و تشجيع البحث التربوي و عقلنة التقويم .لكن الواقع يبين أن الاكاديميات اكتفت بوظيفة اعداد الامتحانات في شروط تتطلب مبالغ مالية كبيرة .و غدت دورات الامتحانات عبارة عن " طريطات " تلاحق الاستاد و التلميذ على السواء ، و أصبح هاجس الامتحانات يدفع بهما الى الركض وراء المقرر أو بعض أجزائها في حدودها السطحية و الدنيا التي يتطلبها الامتحان مما شكل أرضية ملائمة لاستنبات التحايل و الغش .
3. شيوع فضاءات لاتربوية داخل المؤسسات التعليمية
أغلب فضاءات و مرافق مؤسساتنا التعليمية ( جدران ، طاولات ، مراحيض ،أبواب ... ) , تؤثثها كتابات و رسوم نقشت من أجل تفجير المكبوتات الجنسية ، و لتعرية مضامين بعض المقررات الدراسية ، هده الخربشات يمكن أن نعتبرها وسيلة التلميذ للتعبير عن استنكاره لممارسات تمس كرامته ، و بالتالي يجد نفسه غير معنية بالانضباط الاخلاقي و التربوي في مثل هدا الفضاء الذي لا يشجع الا على الهروب الى المحاكاة و الغش .
4. عوامل نفسية تنتج الظاهرة
يمكن تفسير الغش في الامتحانات كسلوك بكونه مظهرا من مظاهر اشباع النزعة الاجتماعية و الجماعية لدى المراهقين . التبعية و المحاكاة ( نقلت لان الكل ينقل ) ، دلك أن اثبات الذات و اكتساب الاهمية و القيمة كلها رغبات تتحقق في ظل الانتماء الجماعي ، حيث يصبح الغش جزء من الحياة النفسية لدى بعض التلاميذ كباقي المظاهر الاخرى التي تعبر عن ذات المراهق وشخصيته كالتهور و الغياب و الغضب و الأنانية ...
5. تفكك الاسرة اجتماعيا و نفسيا
العديد من التلاميد ينتمون لآسر فقيرة ، و يقطنون أحياء هامشية حيث تتفشى المشاكل و الصراعات الاجتماعية و مختلف الانحرافات الاخلاقية مما ينعكس سلبا على البيئة النفسية للابناء ، فيصبحون معرضين لمختلف التاثيرات السلبية ومن بينها شرعنة ممارسة مختلف أنواع الغش المرموز منه و الواضح ، وكذلك ازدياد مخاطر اختلاط الابناء و القدوة السيئة ، و بالتالي ليس غريبا أن يرتبط هدا ا لواقع الأسري المتردي بلجوء التلميذ إلى الغش كوسيلة تنمي حظوظه في النجاح المدرسي .
6. تردي الضمير المهني لدى بعض المدرسين
من خلال رصد واقع المؤسسات التعليمية بمختلف أسلاك التعليم يمكن القول ان من بين " المواد " التي تثير انتباه التلاميذ و التى تخصص البعض في تلقينها ( و لكم واسع النظر حول كلمة البعض ) ، تعليم الغش و التربية على ممارسته . و جالسوا براءة الاطفال ان كنتم لا تعلمون ؟ كما أن الغيابات المسترسلة و البعيدة عن المبررات الموضوعية لبعض المدرسين ن و عدم شرح المواد الدراسية و تبليغها بالوسائل التربوية التوضيحية المطلوبة ، بالاضافة الى تواطئ بعض المدرسين مع التلاميذ و دلك من أجل بدل أقل مجهود ممكن من الطرفين مقابل التمتع بنوع من السلم في العلاقة الاجتماعية بينهما " المنهاج الخفي " حسب تعبير – الإستاد الدريج – فمن الطبيعي ان نتساءل :
حين نمنح التلاميذ نقاطا و معدلات ( مع سبق الاصرار و الترصد ) لا تعكس مؤهلاتهم الدراسية الحقيقية ، ألا يعد هدا غشا و الدفع بالاخر الى ممارسته ؟
7. تراجع المهام التربوية ( ان وجدت أصلا ) لرجال الادارة
ان ادارتنا التربوية الحالية هي ادارة تقليدية ، يقتصر دورها على الوظائف الادارية الروتينية / المكتبية ، و التأكد من سير الدراسة و فق المذكرات الرسمية و الجداول المقننة . غير أن دور الطاقم الاداري للمؤسسة المدرسية في رصد و تشخيص مختلف الظواهر المرضية التي يعرفها الواقع المدرسي ، وكذلك في البحث عن الحلول الملائمة لها يعتبر دورا أساسيا ، خصوصا و أن هدا الجهاز مسؤول عن تسيير و تدبيير شؤون مؤسسة تربوية ، و يلاحظ في هدا الإطار أن الكثير من القضايا التي تكتسي نوعا من الأولوية على صعيد الواقع الراهن للمدرسة ، سواء ما تعلق منها بالقيم و النماذج السلوكية الجديدة للمراهقين ( الغش ، العنف المدرسي ، التحرش الجنسي ، الغياب الفردي و الجماعي ... ) أو بالمواقف من المدرسة و مختلف العوائق التي تحول دون مردودية العملية التربوية ، كل هده القضايا و التي يمكن أن تشكل موضوع ندوات و عروض و نقاشات داخل مجالس المؤسسة و خاصة مجلس التدبير ، من أجل و ضع برامج و صياغة اقتراحات قابلة للتنفيذ ، لتجاوزها أو التقليص من اثارها ، نجدها مغيبة على مستوى الانشغالات اليومية لادارة جل المؤسسات التعليمية . و اسألوا عن عدد المؤسسات التعليمية التي أسست و فعلت " لجنة الحيطة و الوقاية " لمواجهة ظاهرة الغش في الامتحانات طبقا لمقتضيات المذكرة الوزارية رقم 99/3 .
8. اختزال و توجيه التعلم ليصب في خدمة الامتحان
ان تركيز تعليمنا على مسألة التقويم ( الوطني ، الجهوي ، المحلي ، المراقبة المستمر ، الفروض ، الشفوي ... ) ، جعله يهمل أهم شيئ في العملية التعلمية ، و أقصد الجانب المهاراتي و المعرفي و التكويني و التربوي ، تعليمنا لازال لايكترث بتنمية قدرات التلميذ العقلية و مهاراته الذهنية و تربيته على اكتساب قيم و مهارات تؤهله لمواجهة متطلبات العصر العلمية و تجعله قادرا على المبادرة و الاندماج في مشاريع المجتمع .هدا الواقع جعل الهاجس الأساسي للتلاميذ هو حصولهم على معدلات عددية مقبولة ، و يبقى اللجوء الى كل الوسائل المتاحة و الممكنة أمرا عاديا ( أو حتى حقا مكتسبا ) و من بينها التحايل و الغش .
9. ارتباط الغش في الامتحان بدواليب المجتمع
من أين جاءت " القيمة " التي أصبح يكتسبها الغش في تصور التلاميذ ؟
ان هدا التساؤل يسوقنا الىمصدر القيم بالنسبة للتلاميذ ، و التي ليست سوى الأسرة و المدرسة و المجتمع ، و ادا تابعنا خط تساؤلنا فاننا سنجد أن المدرسة الى جانب الأسرة و المجتمع تتحمل مسؤولية كبرى في تربية التلاميذ على الغش ، فالظاهرة لاترتبط بالتعليم فقط بل هي ظاهرة جزئية في إطار كل مجتمعي بما فيه من أخلاق و سلوكات و قيم . فالتلميذ الدي يعيش الغش السياسي في الانتخابات ، و الغش في النتائج الرياضية ، و الغش في جودة المواد الاستهلاكية ، و عدم احترام قوانين البناء ، و مخالفة ضوابط السير على الطرقات و ... لايصبح شيئا غريبا بالنسبة اليه ان يمارس الغش و الخداع في الامتحانات ، ففي مجتمعنا ( و هده ميزة نتقاسمها مع اخواننا العرب )الامور لا تنبني على مبدأ الاستحقاق . فالتعليم يؤثر و يتأثر لأنه ليس جزيرة منعزلة ، و الغش و التزوير و سلك الطرق اللامشروعة كلها عدوى انتقلت من المجتمع الى التعليم .
اجل تكثر الأسئلة حول ظاهرة الغش في الامتحانات ،دور البطولة فيها لم يعد يقتصر على التلاميذ فقط ( لفيه الفز يقفز ) ، أسبابها و تأثيرها على المستوى الدراسي و المهني للتلميذ ، و بالتالي نتائجها على مستقبل البلاد .
و تتعدد الأجوبة و يبقى الحل صعبا ، لان الظاهرة تتحكم فيها ضوابط و متغيرات مختلفة ، يصعب تجاوزها بعيدا عن التحليل العلمي و المشاركة الجماعية و السعي الحقيقي الى التغيير.
المصدر : مجلة المدرس
بواسطة: غالية نوام
موسوعة التعليم والتدريب
http://www.edutrapedia.illaf.net/ara...e.thtml?id=567
المفضلات