مسعد محمد زياد: من طبيعة الإنسان ومن خلال جهوده المتنوعة في الحياة، يحاول دائما أن يعرف ماذا أنجز منها، وماذا بقي عليه لينجز، والفرد حينما يفعل ذلك إنما يهدف إلى معرفة قيمة الأعمال التي قام بها مقارنة بما بذل منها من جهد ومال ووقت. وليست معرفة القيمة هنا هدفنا في حد ذاتها، بقدر ما هي مقصودة لمعرفة أيستمر الفرد في تلك الجهود التي يبذلها لتحقيق ذلك العمل، وبنفس الأسلوب الذي كان يتبعه، أم يتطلب الأمر تغيرا في الأسلوب، أو الطريقة للوصول إلى نتائج أفضل. وهذا النوع من التقويم يعرف بالتقويم الذاتي، أو المتمركز حول الذات، وهو يعني أن الفرد يحكم على الأشياء، والمنجزات، والأشخاص بقدر ما ترتبط بزاته، والتقويم بهذا المفهوم عبارة عن وزن للأمور، أو تقدير لها، أو حكم على قيمتها.



وفي التربية قوم المدرس أمور الطلاب أي أعطاها قيمة ووزنا، بغرض التعرف إلى أي حد استطاع الطلاب الإفادة من عملية التعليم المدرسية، وإلى أي مدى أدت هذه الإفادة إلى إحداث تغيير في سلوكهم، وفيما اكتسبوه من مهارات تساعدهم على مواجهة الحياة الاجتماعية وما فيها من مشكلات .

الفرق بين القياس والتقويم :

يذكر أحيانا اصطلاح " التقويم " مرتبطا مع اصطلاح " القياس "حتى يكاد يتبادر إلى ذهن السامع أنهما مترادفان، أو أنهما يؤديان إلى مفهوم معنوي واحد، مع أن بينهما فرقا واضحا.

فالتقويم التعليمي من خلال المفاهيم السابقة يمكن تعريفه بأنه: تحديد التقدم الذي يحرزه التلاميذ نحو تحقيق أهداف التعليم. وبهذا التعريف يرتكز على محورين أساسين هما :

1ـ أن الخطوة الجوهرية في عملية التقويم هي تعيين الأهداف الجوهرية .

2 ـ أي برنامج للتقويم يتضمن استخدام إجراءات كثيرة .

أما القياس التعليمي: فهو وسيلة من وسائل التقويم، وهو يعني مجموعة مرتبة من المثيرات أعدت لتقيس بطريقة كمية، أو بطريقة كيفية بعض العمليات العقلية، أو السمات، أو الخصائص النفسية، والمثيرات قد تكون أسئلة شفوية أو تحريرية مكتوبة وقد تكون سلسلة من الأعداد، أو بعض الأشكال الهندسية، أو النغمات الموسيقية، أو صورا، أو رسوما، وهذه كلها مثيرات تؤثر في الفرد وتستشير استجاباته، وهذا يعني أن للقياس درجات، أو أنواعا كثيرة، ومن العسير على الباحث أن يضع لهذا المصطلح تعريفا شاملا مفصلا يحظى بقبول أكبر عدد من الآخرين، غير أن التقويم أوسع وأعمق من مجرد تقويم التلميذ، أو نموه خلال التعليم ،فهذا النوع من التقويم يعرف بالتقويم المصغر، وما هو إلا واحد من منظومة التقويم الكبيرة التي تبدأ، أو تنتهي من الموقف التعليمي داخل الحجرة الدراسة، أو خارجها على المستوى الإجرائي وتنتهي أو تبدأ بتقدم، أو نمو النظام التعليمي كله من أجل تحقيق الأهداف القومية، والتنموية في المجتمع الذي ينتمي إليه، وهذا ما يعرف بالتقويم المبكر .

مجالات التقويم :

للتقويم مجالات عديدة يمكن حصر بعضها في الآتي : ـ

1 ـ تقويم عمل المعلم والعاملين في التعليم.

2 ـ تقويم المناهج وما يتصل بها من مجتمع مدرسي، وطرق ووسائل تعليمية، وكتب دراسية.

3 ـ تقويم الكفاية الإدارية، وما يرتبط بها من تشريعات تربوية.

4 ـ تقويم علاقة المدرس بالمجتمع المحيط به.

5 ـ تقويم الكفاية الخارجية للتعليم، وخاصة العلاقات التي تربط التعليم بالعمل.

6 ـ تقويم الخطط التربوية، وما يتبعها من برامج ومشروعات .

7 ـ تقويم السياسية التعليمية.

8 ـ تقويم استراتيجية التنمية التربوية، وغيرها من الأنواع الأخرى، وكل هذه الأنواع من التقاويم يجمعها رابط مشترك هو أهداف التعليم وما وراءها من حاجات مجتمعية، ومطالب نمو المتعلمين التي تغبر معايير أساسية كل تقويم تربوي.

وعملية التقويم تبدأ بالتشخيص أولا وتحديد نقاط القوة والضعف بناء على البيانات والمقاييس المتوفرة وتنتهي بإصدار مجموعة من القرارات التي تحاول القضاء على السلبيات التي تحاول القضاء على السلبيات التي اكتشفت وعلى أسبابها.

ومجال عملية التقويم هذه هو العمل التعليمي بدءا بالتلميذ الذي يعد محور العملية التعليمية كلها، وهدفها الأول مرورا بالتعليم، وما يرتبط بها من سلطات، ومؤسسات تعليمية، وإداريين ومشرفين، وينتهي بكل المؤسسات العاملة في المجتمع، والتي يتصل عملها بالتعليم بشكل أو بآخر.

أهمية التقويم :

هناك عدة نقاط تبرز من خلالها أهمية التقويم، وخطورة الأدوار التي يلعبها في المجال التربوي ويمكن إجمالها في الآتي:

1 ـ ترجع أهمية التقويم إلى أنه قد أصبح جزءا أساسيا من كل منهج، أو برنامج تربوي من أجل معرفة قيمة، أو جدوى هذا المنهج. أو ذلك البرنامج للمساعدة في اتخاذ قرار بشأنه سواء كان ذلك القرار يقضي بإلغائه أو الاستمرار فيه وتطويره. بما أن جهود العلماء والخبراء لا تتوقف في ميدان التطوير التربوي فإن التقويم التربوي يمثل حلقة هامة وأساسية يعتمدون عليها في هذا التطوير.

3 ـ لأن التشخيص ركن أساسي من أركان التقويم فإنه يمكننا القول بأن هذا الركن" الشخصية " يساعد القائمين على أمر التعليم على رؤية الميدان الذي يعملون فيه بوضوح وموضعية سواء كان هذا الميدان هو الصف الدراسي، أو الكتاب، أو المنهج، أو الخطة، أو حتى العلاقات القائمة بين المؤسسات التربوية وغيرها من المؤسسات الأخرى.

4 ـ نتيجة للرؤية السابقة فإن كل مسؤول تربوي في موقعه يستطيع أن يحدد نوع العلاج المطلوب لأنوع القصور التي يكتشفها في مجال عمله مما يعمل على تحسينها وتطويرها.

5 ـ عرض نتائج التقويم على الشخص المقوم، وليكن التلميذ مثلا يمثل له حافزا يجعله يدرك موقعه من تقدمه هو ذاته ومن تقدمه بالنسبة لزملائه، وقد يدفعه هذا نحو تحسين أدائه ويعزز أداءه الجيد.

6 ـ يؤدي التقويم للمجتمع خدمات جليلة، حيث يتم بوساطته تغيير المسار، وتصحيح العيوب، وبها تتجنب الأمة عثرات الطريق، ويقلل من نفقاتها ويوفر عليها الوقت، والجهد المهدورين .

وظائف التقويم :

للتقويم وظائف ومهام يمكن إبرازها في التالي :

1 ـ يشخص للمدرسة وللمسؤولين عنها مدى تحقيقهم للأهداف التي وضعت لهم، أو مدى دنوهم، أو نأيهم وهو بذلك يفتح إمامهم الباب لتصحيح مسارهم في ضوء الأهداف التي أل تغيب عن عيونهم.

2 ـ معرفة المدى الذي وصل اليه الدارسون، وفي اكتسابهم لأنواع معينه من العادات والمهارات التي تكونت عندهم نتيجة ممارسة أنواع معينة من أوجه النشاط.

3 ـ التوصل إلى اكتشاف الحالات المرضية عند الطلاب في النواحي النفسية، ومحاولة علاجها عن طريق الإرشاد النفسي، والتوجيه، وكذلك اكتشاف حالات التخلف الدراسي وصعوبات التعلم، ومعالجتها في حينها.

4 ـ وضع يد المعلم على نتائج عمله، ونشاطه بحيث يستطيع أن يدعمها، أو يغير فيهما نحو الأفضل سواء في طريق التدريس، أو أساليب التعامل مع الطلاب.

5 ـ معاونة المدرسة في توزيع الطلاب على الفصول الدراسية وفي أوجه المناشط المختلفة التي تناسبهم،وتوجيههم في اختبار ما يدرسونه، وما يمارسونه.

6 ـ معاونة البيئة المنزلية للطلاب على فهم ما يجري في البيئة المدرسية طلبا للتعاون بين المدرسة، والبيت لتحسين نتائج الطالب العلمية.

7 ـ يساعد التقويم القائمين على سياسة التعليم على أن يعيدوا النظر في الأهداف التربوية التي وضعت مسبق بحيث تكون أكثر ملاءمة للواقع الذي تعيشه المؤسسات التعليمية.

8 _ للتقويم دور فاعل في توجيه المعلم لطلابه بناء على ما بينهم من فروق تتضح أثناء عمله معهم.
9 ـ يساعد التقويم على تطوير المناهج، بحيث تلاحق التقدم العلمي والتربوي المعاصر.

10 ـ يساعد التقويم الأفراد الإداريين على اتخاذ القرارات اللازمة لتصحيح مسار إدارتهم ، وكذلك اتخاذ القرارات الخاصة بالعالمين معهم فيها سواء بترقيتهم ، أو بمجازاتهم .

11 ـ يزيد التقويم من دافعية التعلم عند الطلاب حيث يبذلون جهودا مضاعفة قرب الاختبارات فقط.

12 ـ يساعد التقويم المشرفين التربويين على معرفة مدى نجاح المعلمين في أداء رسالتهم ومدى كفايتهم في أدائها.

13 ـ تستطيع المدرسة من خلال تقويمها لطلابها بالأساليب المختلفة أن تكتب تقارير موضوعية عن مدى تقدم الطلاب في النشاطات العلمية المختلفة وتزويد أولياء الأمور بنسخ منها ليطلعوا عليها.

أنواع التقويم :

هناك أنواع عديدة من التقويم يمكن حصرها في آلاتي :

1 ـ التقويم التمهيدي أو المبدئي :

هذا النوع من التقويم يتم قبل تجريب أي برنامج تربوي للحصول على معلومات أساسية حول عناصره المختلفة كحالة الطلبة قبل تجربة البرنامج ، وتأتي أهمية هذا النوع في كونه يعطي الباحثين فكرة كاملة عن جميع الظروف ، والعوامل الداخلة في البرنامج . فإذا افترض أن الذين سيقومهم البرنامج هم طلبة الصف الأول المتوسط فإنه يلزمنا أن نعرف اتجاهاتهم ، وسلوكهم وأنواع المهارات التي يتقنونها ، والمعارف التي تعلموها ز ومن خلال هذه البيانات يمكن للإنسان أن يتوقع أنواع التغييرات التي يمكن لأن تحدث لهم بعد أن يمروا في البرنامج التربوي المعين .

2 ـ التقويم التطويري :

هذا النوع من التقويم يتم أثناء تطبيق البرنامج التربوي بقصد اختيار العمل أثناء جريانه ولا يتم التقويم التطويري إلا إذا كان القائمون على أمره ذوي صلة بالعمل ذاته بحيث، يرون مدى التقدم الذي يتم فيه، أو العقبات التي تعترض طريقه.

ومن أمثلة ذلك تقويم المعلم لنتائج عمله في سلوك طلابه ومدى التعديل أو التغير الذي يطرأ على هذا السلوك نتيجة لبرنامجه.

3 ـ التقويم النهائي :

يتم هذا التقويم في نهاية العمل التربوي بقصد الحكم على التجربة كلها، ومعرفة الإيجابيات التي تحققت من خلالها، أو السلبيات التي ظهرت أثناءها، وهذا النوع من التقويم يعقبه نوع من القرارات الحاسمة التي قد تؤيد بالاستمرار في العمل، أو الانصراف عنه تماما. ومثال ذلك تطبيق المملكة العربية السعودية للرياضيات الحديثة، فلا شك أن هناك أنواعا من التقويم التطويري التي تصاحب التجربة بقصد تعديل مسارها، وفي النهاية سيلجأ القائمون على أمر التجربة إلى تقويمها تقويما نهائيا بغرض معرفة الفوائد، والإيجابيات التي عادت على الطلاب، أو المضار التي لحقت بتدريس الرياضيات بسبب إتباعها، ومن ثم يمكن إجازتها أو إلغاؤها نهائيا.

4 ـ التقويم التتبعي :

لم تكن الأنواع السابقة من التقويم التي تمت في بداية العمل التربوي، وأثنائه، وبعده هي خاتمة المطاف فقد يتصور البعض أنه نتيجة للتقويم النهائي الذي يحسم الأمر يكون عمل المقومين قد انتهى، ولكن الواقع عكس ذلك. فإن تقرير البرنامج التربوي والسير فيه يقتضي أن يكون هناك تقويم متتابع، ومستمر لما يتم إنجازه، بحيث إنه يمكن التعديل في بعض الآليات المستخدمة في التقويم، أو في بعض الأساليب المتبعة، وفي نفس الوقت يتم قياس النتائج التي تحدث من البرنامج .