موقوف
- معدل تقييم المستوى
- 0
الإصلاح الدراسي ودواع الغش في الإمتحانات
لا إصلاح للتعليم بدون محاربة ظاهرة الغش المتفشية. "غشه لم يمحضه النصح أو أظهر له خلاف ما أضمره كغششه. والغش بالكسر الاسم منه والغل والحقد...والمغشوش الغير... واغتشه واستغشه ضد انتصحه واستنصحه أو ظن به الغش " الغش ضد النصح والإخلاص، أي الغش هو نفاق وإخفاء الحقيقة، والشائع المعروف عندنا هو أن يحصل شخص على نقطة أو شهادة أو عمل بطرق غير مشروعة، فهو هنا ضد الشفافية والمصداقية (الصدق)، أي هو تزوير وأخذ ما لا يستحق، فهو ضد العدل.
الغش إذن كلمة جامعة لرذائل شتى وجرائم جلى لا تبقي ولا تذر. لذلك فالغش محرم أخلاقا وشرعا وقانونا. ومع ذلك لا بد من طرح السؤال الآتي: هل في مؤسساتنا التعليمية، الابتدائية والإعدادية والثانوية والجامعية غش؟ المراقبة المستمرة والامتحان وسيلتان لتقييم عمل المتعلم، ولا قيمة لعمل لا يقيم. وهما دافعان أساسيان للتعلم عند المتعلم، فلا يمكن الحديث عن تعلم بدون تقييم. لإن المتعلم مهما كان وحيثما كان يعتبر الفرض والامتحان ميزانا يقيس جهده ومستواه، ومن ثم فهما وسيلتان تكشفان المستوى الحقيقي للمتعلم، أي أنهما وخاصة الفرض، وسيلة لكشف الخلل وهذه هي الخطوة الأولى للتصحيح قبل فوات الأوان. كما أنهما بمثابة تاج يوضع على رأس المتفوقين خاصة، ومن ثم فهما دافعان للمنافسة ومشجعان على المثابرة والمواظبة في الاجتهاد. لكن هل الفرض والامتحان اليوم يحقق هذه الأهداف؟ هل الفرض ميزان عادل يعدل بين المتعلمين ويميز المجتهدين من غير المجتهدين؟ هل الفرض يقيس المستوى الحقيقي للمتعلم؟ هل الفرض والامتحان مازالا تاجين يزينان هامة المجتهدين؟ إن المدرس حينما لا يحرس المتعلمين أثناء إنجاز الفرض يشجعهم على الغش، فأي تهاون في الحراسة يعد تشجيعا للغش أو هو غش بعينه. فالجلوس في المكتب أو مكان آخر طيلة الإنجاز، أو الدخول والخروج من القاعة ولو أمام الباب، أو قراءة أو كتابة تقصير وتشجيع واضح للغش بقصد أو بغير قصد.
إن المتعلم لقادر في رمشة عين على الغش، لذلك نجده حريصا أشد الحرص على اقتناص تهاون المراقب ليخرج ورقة من أحد جيوبه أو أن ينفذ خطة من خطط الغش المتطورة . إن التهاون في المراقبة والحراسة وبال على ما يسمى التعليم، أي درس نقدم حينما نسمح بالغش أو نتهاون في الحراسة؟ أي خلق نبث في المتعلم ونحن نغض أبصارنا عن الغش؟ ما أقبح هذا السلوك وما أخطره! إن السماح بالغش ساعة الفرض أو الامتحان دعوة إلى التهاون والكسل والخمول طيلة أيام الدراسة، فالتلميذ ليس غبيا كي يتعب نفسه في الانتباه والمراجعة والمدرس لن يراقبه في الفرض، سيلجأ إلى الغش من الكتاب أو الدفتر أو سيطلب الإمدادات من الآخرين. الغش خطر على المتعلمين جميعهم، فالمتعثر لن يقوم ذاته بالوسائل الصحيحة المشروعة، ليس في حاجة إلى أن ينتبه ويسهر الليالي، الكتاب يعفيه والدفتر والصديق.
وكذلك متوسط الحال سيختار الغش والنقل المباح، وكذلك المجتهد سيفعل. وهو يعلم أنه" من نقل انتقل ومن اعتمد على نفسه بقي في قسمه"، لا ينبت الغش في قلب المتعلم سوى التهاون والكسل والاتكال وفقدان الثقة في النفس. إذ لا يمكن للمتعلم أن يعتمد على نفسه وهو يرى بأم عينيه أصدقاءه يغشون، من طبيعة الحال يعرف أن الكتاب أعلم منه ولا يمسه النسيان أو السهو، وهو يعلم كذلك أن العمل الجماعي أحسن من الفردي، لهذه الاعتبارات سيختار الطريق المعوج للوصول، فكم من مجتهد معتمد على نفسه تعثر! وكم من غشاش نال الدرجة الأولى! حينما يتعود المتعلم الغش يفقد الثقة في قدراته وذكائه وإعداده فلا تطمئن نفسه إلا للغش. وعلى هذا يعد التهاون في الحراسة من أهم دوافع الغش، بل إن التهاون في الحراسة تشجيع صريح على الغش. ويرجع يوسف عياشي تنامي ظاهرة الغش إلى ثمانية أمور وهي:
"1- تعدد المواد الدراسية وكثرتها مما يستحيل معه إعطاء الوقت والأهمية لكل مادة على حدة.
1- طبيعة المقررات الدراسية التي تركز على الكم عوض الكيف،والسرد بدل الفهم.
2- طول البرامج وكثرة الدروس مما لا يتيح إمكانية شرحها بالشكل المرجو.
3- عدم إتاحة الفرصة للتلاميذ قصد الاستعداد بما فيه الكفاية للامتحان.
4- الدعاية لجدوى وفائدة الغش والترويج للشعار الذي أصبح سائدا ومتداولا بين التلاميذ" من نقل انتقل ومن اعتمد على نفسه بقي في قسمه"
5- الإحباط الذي قد يصاب به بعض التلاميذ المجدين عندما يحصلون على معدلات تقل عن زملاء لهم ضعيفي المستوى.
6- غياب هامش التدخل لدى الأستاذ والذي يفاجأ بدوره بالمفارقة السابقة ولا يملك حولا ولا قوة للتصرف وإعادة الأمور إلى نصابها.
7- التناقض الصارخ بين نقط المراقبة المستمرة ونقط الامتحان مما يؤكد وجود خلل في النظام التقويمي الحالي " لعل يوسف عياشي يعرف حق المعرفة أن هذه الدوافع وحدها لا تشجع الغش، إذ لولا التهاون في الحراسة وهذا من طبيعة الحال غش وتقصير لما استفحلت ظاهرة الغش، حتى غدت في ايامنا هذه أمرا عاديا طبيعيا. لكن ربما لم يذكر يوسف عياشي هذا الدافع احتراما للمدرسين. ومع احترامنا الكامل لهم فإنه لا يسعنا إلا أن نقول إن من السهل جدا أن نخفف إن لم نقل أن نقضي على الغش بالقيام بواجب الحراسة. ومسألة الكم والكيف لا ترتبط دائما بطبيعة المقررات وعامل الزمن، بل ترتبط أحيانا كثيرة بطريقة التدريس، وكذلك بنوعية الأسئلة التي تطرح سواء في الفرض أم الامتحان. كما ترتبط بإهمال وتقصير المتعلم . أما مسألة طول المقرر وكثرة المواد فأثرها محدود، ويمكن مقاومته بتنظيم المراجعة والاهتمام والانتباه منذ بداية الفصل الدراسي .
إننا مهما صغرنا المقررات الدراسية وطولنا زمن شرح الدروس وطرحنا أسئلة فهم لا حفظ ومهما بالغنا في التحسيس بأضرار الغش... لن نقضي على الغش إذا لم نحرص على حراسة التلاميذ في الفرض والامتحان. نعم، بالغش نجعل المجتهد والمتهاون سواسية، ومن ثم نثبط العزائم وننشر ظلال الظلم على المجتهدين خاصة، فما قيمة هذا الفرض الذي لا يعطي لكل ذي حق حقه؟ وأي خيبة وأي حسرة ستخيم على من تعب وجد واجتهد وبحث وسهر وهو يرى الغشاش قد نال النقطة نفسها أو أحسن منها؟ وفرحة الغشاش فرحة مزورة لأن النقطة مزورة ، فهي في الحقيقة كذب على الذات. وهذا معناه أننا نظلمه هو أيضا. شاعت بين المدرسين فكرة حول التنقيط. وهي أن تشكل نقط المتعلمين هرما قاعدته عريضة وقمته ضيقة حادة. بمعنى يجب أن تكون النقط المتوسطة أكثر ثم تليها نقط لا بأس بها ثم نقط ممتازة. وهذا في نظري خطأ لا يقبله عقل سوي، لسبب بسيط هو أنه تزوير للواقع، فالواقع يقتضي أن تكون النقط هرما، لا أن نكون النقط على شكل هرم. والواقع قلما يكون هرما قاعدته عريضة وقمته حادة، لم لا يكون هرما قمته عريضة وقاعدته ضيقة؟ لم لا يكون مربعا أو مستطيلا؟ وما المانع في أن يكون خطا أفقيا مستقيما؟ ولم لا تكون نقطنا خطا عموديا أفقيا؟ ولماذا لا نقبل خطا عموديا ممزق الوسط؟ علينا أن نتحلى بالشجاعة كاملة غير منقوصة حينما نمنح النقطة، ليس من التربية أن نكذب على المتعلمين وأن نزور واقعهم.
علينا أن نقوم بأداء الدرس كما يجب، ثم بعده علينا أن نقوم المتعلمين فيما أدينا بشجاعة وجرأة وعدل وإنصاف، ومن العدل كما قلت أن نمنع حالات الغش وأن نشدد العقوبة على الغشاشين، فلا مانع عندي أن أمنح نقطة الصفر لمتعلم ضبطته في حالة غش، ولا مانع عندي من أمنح نقطة الصفر لمتعلمين أجوبتهم نسخ طبق الأصل، وهذا ليس معناه أننا نرهب المتعلم أو لا نحب أن يحصل على نقطة مشرفة، بل لإننا نحب أن نبث في نفسه الثقة، وأن نعوده على تحمل المسؤولية، وأن نكره إليه الغش، كما نحب أن نشيع العدل بين المتعلمين وأن نزرع الطمأنينة في نفوس المجتهدين. ثقوا أيها المربون أن تشديد المراقبة والغلظة في العقوبة(صفر) مرة واحدة في أول فرض، ستقتل فكرة الغش عند المتعلم. كي يكون الفرض ذا قيمة في العدل بين المتعلمين وكشف حقيقة فهمهم واهتمامهم، لا بد من إعطاء الفرض أهمية قصوى، بدءا بالإعداد مرورا بالإنجاز وانتهاء بالتصحيح. فالفرض كما هو معروف يجب أن تكون أسئلته متنوعة من حيث ما تتطلبه من حفظ وفهم وذكاء، كما يجب أن تكون مرتبطة بالدروس المقررة، وأن يكون المطلوب محددا ويحسن أن تكون مرفوقة بسلم التنقيط ضمانا للشفافية والنزاهة. ولا بد من مراعاة خصوصية كل مادة.
واتقاء الغش من الواجب ألا نعتاد على تكرار الأسئلة نفسها كل سنة، ذلك أن التواصل بين المتعلمين في المؤسسة قائم. ولا يخفى ما للتصحيح من أهمية في تحقيق العدل وكشف حقيقة مستوى المتعلم، لذا لا مناص من تصحيح الفروض في أوقاتها العادية وإرجاعها للمتعلمين قصد الاطلاع على نقط ضعفهم، إننا نغش المتعلمين حينما لا نصحح بدقة أوراقهم، ولا يمكن لأحد ألا يكذب وهم من يزعم أنه قادر على تقييم مستوى متعلميه بدون تصحيح الفرض، أو بدون إنجازه، إن عدم المشاركة أحيانا لا تعني عدم الفهم أو ضعف المستوى، فقد لا نسمع كلام متعلم إطلاقا لكنه في الفرض الكتابي يلزمنا على تغيير نظرتنا وتصورنا لمستواه. وواضح أن الفرض الذي لا يرجع للمتعلمين للاطلاع عليه لا يؤدي وظيفته، فلا المتعثر يعرف موطن تعثره ولا المتفوق يفرح بثمرة اجتهاده. إن ظاهرة الغش، مع الأسف الكامل، صارت معروفة عند العامة والخاصة، لا يستثنى في ذلك أي مستوى تعليمي، من الابتدائي إلى الجامعي. و قد ذكر مصطفى بنان أن من أهم أسباب رداءة التعليم عندنا "اللجوء للغش في الامتحانات؛ فالتلاميذ الغشاشون، باعترافهم، يمثلون 92% "، وهذه النسبة لها دلالة أخرى مهمة وهي أن هناك فعلا تقصيرا كبيرا في الحراسة!؟ ومن الجميل أن يتحدث يوسف عياشي وهو حاليا نائب لوزارة التربية بالناظور بصراحة عن ظاهرة الغش، فقد ذكر أن الغش آفة تتنامى بشكل مخيف في السنوات الأخيرة . فكيف نطالب الآخرين بالشفافية والمصداقية ونحن في التعليم نساهم في الغش؟ أليس هذا مناقضا للمنطق؟ ونريد هنا أن نشيد بأساتذة التعليم الجامعي وإدارتها فقد بينوا في أكثر من مرة أنهم شجعان في مواجهة الغش، فمن ضبط يطبق عليه القانون، ومما يثلج الصدر أن خبر الغش ينشر كتابيا في الجامعة، وهذا رادع للغش، وبهذا تفسر ندرة حالات الغش في الجامعة التي أعرف على الأقل. أما في التعليم الابتدائي فحدث ولا حرج، فالتلاميذ أنفسهم يصرحون بعد نهاية الامتحان أن المعلمين ساعدوهم، وكتبوا بعض الأجوبة على السبورة خشية ارتكاب أخطاء إملائية.
هل تدرون لماذا يساعدونهم في الامتحان؟ من أسباب الغش والتهاون في الحراسة، الانتصار والتعصب للمجموعة المدرسية أو الفرعية، فالمعلمون يسعون إلى أن تكون نسبة النجاح عندهم أكبر من الفرعية الأخرى، ولو منعوا الغش لكانت النسبة مخيبة وستثير مشاكل، فالسكان سيغضبون لأن تلاميذهم لم ينجحوا، وهذا معناه أن المعلمين لم يؤدوا مهمتهم كما ينبغي، والمدير سيغضب إذا كانت نسبة النجاح ضعيفة. تجنبا لهذه المشاكل لا بد من مساعدة المتعلمين في الامتحان، إن الغش هنا انبطاح ونفاق وغطاء لتقصير في الأيام الطوال، ومن أسباب الغش فقدان الثقة في المراقبين في أماكن أخرى، فالمدرسون يبررون غشهم وتهاونهم في الحراسة بأن الآخرين في فرعيات أو في مدن أخرى لا يتشددون في الحراسة بل يمدون يد المساعدة إلى درجة كتابة الجواب على السبورة، فهم يرون أنهم سيظلمون المتعلمين الذين تولوا حراستهم إذا لم يساعدوهم. ومن هنا فإذا منع الغش في الامتحان، وطرحت أسئلة حقيقية تقيس مدى استيعاب المتعلم ما درسه يحدث ذلك التناقض الصارخ بين نقط المراقبة المستمرة ونقط الامتحان، ويحدث التناقض نفسه كذلك إذا وقع العكس، أي إذا منع الغش في المراقبة وسمح به في الامتحان. صحيح هناك ضغوطات ضمنية، فالنيابة لا يروقها أن تكون نسبة الخاسرين تشتيتا وخلطا لأوراق الخرائط المدرسية، ولهذا فالمدير لن يروقه الخسران الكبير، فهذا سيخلط أوراق بنية المؤسسة، وهنا نقول ما قلناه حول الهرم، لماذا نرسم خرائط ونوطن عليها معطيات عنوة؟ لماذا لا ننطلق من المعطيات لرسم الخرائط. هناك من المدرسين من يجاري هذا الواقع المغشوش فيعمد إلى "نفخ" النقط، فمدام المتعلمون ناجحين تلبية للبنية والخرائط فالأحسن أن أرفع النقط. هكذا نجد بونا شاسعا بين نقط المتعلم ومستواه الحقيقي، وهذا كذب ونفاق وغش للذات وللآخر، لماذا نخفي الحقيقة بالكذب على المتعلم والناس؟ لماذا لا نصارحه والناس بحقيقة مستواه؟
إننا لا نبغي تغيير الخرائط المدرسية ولا بنية المؤسسة، لكن نريد الصراحة والواقعية، ولا أظن المدير ولا النيابة سيلزم المدرس بتزوير واقع المتعلم بأي شكل من الأشكال، إننا نلوم المدرس الذي لا تعبر نقطه عن المستوى الحقيقي للمتعلمين، ولا نرى أن هناك أي مبرر يجوز له تزوير مستوى المتعلمين. نعم من حق المدير أن يغضب وكذلك النيابة من حقها أن تغضب وكذلك الآباء حينما تهبط نسبة الناجحين، لكن اتقاء الغضب بتزوير المستوى عن طريق "نفخ نقط المراقبة المستمرة " والغش في الامتحان ليس حلا وليس شجاعة، وإذا كانت نسبة النجاح في أي مستوى تعليمي تحدد حسب البنية والخرائط، فلا يجب أن نتمادى في النفاق، لا يهمنا نحن المدرسين عدد الناجحين، فإذا كانت بنية المؤسسة تتطلب عددا محددا من الأقسام في مستويات محددة، فلينجح من شاء، لكن ينجح وسمة مستواه على وجه ورقة التنقيط، فلا يهمنا في هذا الوضع، أن ينجح المتعلم بمعدل ثلاثة على عشرة أو حتى اثنين، فحينما ينجح المتعلم بما يعبر عن مستواه الحقيقي لا نزور الواقع ، وهنا سيبدأ التفكير الجدي في الحل الصحيح. كما أنه ليس من الواقع والصدق أن ننبطح لمستوى المتعلمين فنسهل أسئلة الفرض والامتحان رفعا للنقط، إذ لا يعقل أن أطرح أسئلة الابتدائي في مستوى إعدادي، ولا أسئلة الإعدادي في الثانوي، أ أدرس المعادلات ثم أطرح أسئلة الجمع والضرب والقسمة؟
علينا أيها المدرسون ألا نطرح أسئلة تجارية غبية. نحن في حاجة ماسة إلى قليل من الجرأة والصدق، ليس من المعقول أن نتهافت على كسب ود المتعلمين والإدارة والآباء والناس عامة، بالسخاء والجود والكرم في الفروض والامتحانات. كن صادقا جريئا في التعبير عن الحقيقة وإنصاف المتعلمين، وبعد فليقل من شاء ما شاء ولينعتني من شاء بما شاء. نعم الناس أكثرهم من حولك لن تروقهم الحقيقة ولن يرضوا عنك إذا كنت ممن لا يتغاضى عن الغش في الفرض والامتحان، فالمتعلمون يحبون أن يكون المدرس سخيا متهاونا في الحراسة سواء في الفرض أم الامتحان، وما أحسن من يساعدهم يوم الامتحان! والعكس صحيح، فنحن نرى التشاؤم والتذمر يبدو على وجوه المتعلمين وهم يرون مدرسا معروفا بكرهه للغش يدخل القاعة لحراسة مادة من المواد، إلى درجة أن المتعلمين يطالبون في بعض الأحيان الإدارة ألا يحرسهم هذا المدرس أو ذاك إلا مرة واحدة إحقاقا للعدالة وتكافؤ الفرص بينهم وبين زملائهم في قاعات أخرى! ومما يندى له الجبين أن ترى في الشارع العام أو في شارع الكلية عينها طلبة يزودون أصدقاءهم في قاعة الامتحانات بعناصر الأجوبة، ساء ما يفعلون، إنهم يزودونهم عبر الهاتف المتنقل، ما هذا الانحطاط في الأخلاق؟ ألا يستحي هؤلاء من أصدقائهم؟ ألا يستحيون من المارة ؟ والعجيب أن الطلبة المناضلين لا يحركون ساكنا؟ أي شفافية وأي نزاهة وأي تغيير ونحن عجزنا عن تغيير ما بأنفسنا من غش؟ ألا تستروا أيها الطلبة إذا ابتليتم! نطالب بالتغيير ونحن نعجز حتى عن تغيير طريقة أكلنا ووقت نومنا! ومما يستوجب الذكر ونحن نذكر الجامعة أن هناك من الأساتذة الجامعيين من يلزم ضمنا طلبته باقتناء كتابه، هذا الإلزام الضمني ليس حبا للطالب ولا حرصا على مصلحته ولا تشجيعا للقراءة، ذلك أن هذا النوع الفريد من الكتب لا يجوز استنساخها وهو وثيقة شخصية لا تصلح إلا لشخص واحد، فهو كبطاقة الطالب أو بطاقة التعريف الوطنية أو قل بلا حرج كجواز سفر لأن الأستاذ الفاضل سيوقعه عندما يلج الطالب قاعة الامتحان الشفوي وبهذه الطريقة يمنع تزوير الملكية.
ومما يعصر القلب الحي أن ثمن بعض هذه الكتب ثمين، يتجاوز بعض الأحيان ثمانين درهما، وصفحاته لا تتجاوز مائتين وثمانين صفحة. من المؤسف جدا أن نبتز الناس باسم العلم. إن التغاضي عن الغش في الفرض أو الامتحان تشجيع وتكريس للأخلاق الذميمة التي ينهى عنها الشرع والقانون، إن السماح بالغش معناه تدريب المتعلم على خيانة الأمانة والسرقة حين يتولى المسؤولية في وطنه، " ومن المعلوم، بداهة، أن الطفل منذ نشأته إن لم ينشأ على مراقبة الله والخشية منه، وإن لم يتعود الأمانة وأداء الحقوق...فإن الولد- لا شك- سيدرج على الغش والسرقة والخيانة، وأكل الأموال بغير حق... " إ
ننا في حاجة إلى تطبيق القانون بحذافيره في ما يخص الغش، على الجهات المسؤولة أن تحرص على هذا الأمر أشد الحرص اليوم أكثر من أي وقت مضى. عليها أن تعاقب كل متهاون في الحراسة، كما عليها أن تعاقب كل غشاش من المتعلمين. لا بد من إصدار مذكرات تحذر من التهاون في الحراسة، ولابد من" تحيين المذكرات التي تحارب ظاهرة الغش وتحدد الإجراءات العقابية في حق المخالفين " ولا بد من تفعيل دور المراقبين الأجانب وحثهم على ضبط المتهاونين في الحراسة. ذكر البحث لحد الآن ستة أسباب في هبوط مستوى المتعلم المغربي، وهي غياب الرغبة عند المتعلم والمدرس، والاكتظاظ، وغياب التوجيه والمراقبة، والفقر، والاختلاط، والغش، ويبدو أن هذه الأسباب أمور محدثة لم يعرفها عصر ابن خلدون، فلم يكن هناك اكتظاظ ولا غش ولا اختلاط، وكان المدرس راغبا في التدريس، كما كان المتعلم راغبا في التعلم، لذا لم يتحدث ابن خلدون عن هذه المشاكل. غير أن هناك مسائل مهمة حاضرة في تعليمنا اليوم عالجها معالجة تربوية ، ومنها ما سيناقش البحث في السبب السابع.
المفضلات